IMLebanon

نجاح للحكومة في رومية صباحاً وفي ملف النفايات مساء

سَجّلت الحكومة في رصيدها أمس إنجازاً نوعياً تمَثّلَ بالعملية الأمنية الدقيقة التي نفّذتها في سجن رومية الذي ذاع صيته طويلاً بأنه أصبح عصياً على الدولة، فأعادته مخفوراً تحت سيطرتها. وهذا الإنجاز يدخل أيضاً في رصيد وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي حضّر له طويلاً وانتظر ساعة الصفر للتنفيذ، بعدما كان مهّد لهذه الخطوة بعملية اختبارية بقيت بعيدة من الإعلام، حيث اقتحمت قوة أمنية السجن وأخرجت 3 مساجين بالقوة تخللها إطلاق «رصاص مطاطي». وأهمية هذه الخطوة، فضلاً عن إعادتها السجن إلى حضن الدولة، أنها تدخل في خانة إقفال الثغرات الأمنية من أجل مزيد من ضبط الوضع الأمني، كما انها تفسح في المجال بمعالجة جدية لهذا الملف المزمن. ويبقى أنّ هذا الانجاز ما كان ممكناً تحقيقه لولا عاملين: الغطاء السني الذي وفّرته الحكومة وتحديداً تيار «المستقبل»، ولولا جديّة هذا التيار في استخدام قوته ونفوذه وإمكاناته في ترسيخ الاستقرار. وقد أكد «المستقبل» مرة إضافية مدى جديّته على هذا المستوى، الأمر الذي سيمد الحوار بينه وبين «حزب الله» بجرعة دعم كبرى لا بدّ أن تترجم أيضاً في مجالات أخرى. وإذا كان قد افتُتح يوم أمس بإنجاز في رومية، فقد استُكمِل مساءً بإنجاز في مجلس الوزراء الذي نجحَ في طيّ ملف النفايات.

وسط التفاف اللبنانيين حول الجيش في معركته ضد الارهاب، وتنامي وعيهم لمخاطره وضرورة مواجهته، وعلى مسافة أيام من الجلسة الثالثة للحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» والتي تعقد يوم الجمعة المقبل، خطفت العملية الأمنية النوعية والمفاجئة في سجن رومية الأضواء، خصوصاً انها أتت بعد ايام على التفجير الإنتحاري المزدوج في جبل محسن، حيث أفقد نقل السجناء الإسلاميين من المبنى «ب» الى مبنى «د»، الجماعات الارهابية صوابها، لأنه تمّ القضاء على غرفة عملياتها، فسارعت جبهة «النصرة» الى التهديد بتصفية أحد العسكريين المخطوفين، فيما لم يرق ما جرى في رومية لأهالي الإسلاميين فنفذوا احتجاجات في طرابلس، وقطعت عناصر «جند الشام» طريق تعمير عين الحلوة في صيدا احتجاجاً.

المشنوق

امّا الوزير المشنوق الذي واكب العملية الامنية منذ الصباح الباكر واشرف عليها شخصياً، فكشف انّ جزءاً كبيراً من عملية جبل محسن تمّت ادارته من المبنى «ب»، وانّ مَن نفّذ العملية الانتحارية هم من «داعش»، وبَشّر بانتهاء اسطورة اسمها غرفة العمليات في سجن رومية» وببدء مرحلة جديدة، وقال: «انّ غرفة العمليات في سجن رومية التي تولّت إدارة تحركات إرهابية وتواصلت مع مجموعات متطرفة انتهت اليوم».

مصدر عسكري رفيع

وأكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» انّ ما حصل أمس في سجن رومية يؤكد التنسيق الكامل والتام بين الجيش وقوى الامن الداخلي، حيث كان الجيش جاهزاً للتدخل عند الضرورة، ما ينعكس إيجاباً على الملف الأمني ويساعد على تطهير الساحات والبؤر الارهابية».

وأوضح المصدر أنّ التحقيقات في ملف تفجيري جبل محسن، ستظهر مدى تورّط سجناء إسلاميين من داخل سجن رومية وطبيعة الدور الذي أدّوه سواء في التحريض أو التوجيه أو المساعدة على ارتكاب هذا العمل الإرهابي. وأوضح أنّ العملية الامنية للمبنى «ب» كانت مقررة قبل مدة، لكن الحكومة انتظرت الظرف الملائم لتنفيذها، مستبعداً أن تؤثر هذه الإجراءات المتخذة على ملف العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» و«داعش»، وقلّل في الوقت نفسه من أهمية التهديد الذي أطلقته «النصرة» عقب تنفيذ عملية الدهم في السجن.

وأكد المصدر انّ الدولة اللبنانية لا يمكنها إلّا المضيّ قدماً في مكافحة الإرهاب والتصدي للجماعات والافراد الإرهابيين، وهي لا تستطيع ان ترضخ لأيّ تهديد ولا ان تقف موقف المتفرّج حيال عمليات إرهابية طاولت مؤسساتها وأفرادها فضلاً عن مواطنين عزّل.

ولفت المصدر الى انه لم يكن من الممكن التشويش بالكامل على وسائل الإتصال المتوافرة مع السجناء الإسلاميين، نظراً لكون أيّ تشويش من شأنه أن يؤثر على المنطقة السكنية المجاورة، فضلاً عن تأثيره على المقار العسكرية والامنية المحيطة بالسجن. وأوضح أنّ المبنى «د» الذي نقل اليه السجناء الإسلاميون مجهّز أمنياً لضبط حركتهم.

واكد أنّ ضبط خروج إنتحاريي جبل محسن ودخولهم، من لبنان الى سوريا حيث تلقيا التدريبات، وبالعكس، لم يكن ممكناً خصوصاً انه لم تكن قد توافرت معلومات عن تورّطهما مع الجماعات الإرهابية. وبالتالي، كان التعاطي مع حركة مرورهما بين البلدين طبيعياً كأيّ مواطنين آخرين.

مرجع امني

من جهته، أوضح مرجع معني من الذين أشرفوا على العملية العسكرية لـ»الجمهورية» انّ «السرية وعنصر المفاجأة حَسما جزءاً من المواجهة في سجن رومية» وتحدث عن نقل ما بين 800 الى 900 سجين من المبنى «ب» الى المبنى «د» معظمهم من الإسلاميين من جنسيات لبنانية وأخرى عربية من دون ان يتمكنوا من نقل أيّ من الهواتف النقالة والمعدات الإلكترونية والحواسيب التي كانت في حوزتهم، وتحوّلوا في خلال الساعات التسع التي استغرقتها العملية (من السابعة فجراً الى الرابعة من بعد الظهر) من نزلاء «خمس نجوم» الى سجناء، وباتوا على لائحة المساجين العاديين الذين افتقدوا عناصر القوة التي كانوا يستخدمونها في إدارة شؤونهم الداخلية بعدما خلعوا الأبواب الفاصلة بين غرف المبنى وطوابقه وفي إدارة العمليات العسكرية والإرهابية في الخارج بحرية مطلقة طيلة الفترة الماضية.

ولفت المرجع الى انّ المشنوق أشرف على العملية من داخل السجن يحوط به كبار الضبّاط من قوى الأمن الداخلي والأجهزة التي شاركت في العملية، وهي جاءت عقب الإجتماع الأمني الذي عقد عصر الأحد في منزل رئيس الحكومة تمام سلام.

ونوّه المرجع بالسرية التامة التي رافقت مرحلة التحضير للعملية، وقد استغلّت ساعات الفجر الأولى – من الواحدة فجر الإثنين الى السادسة صباحاً – في نقل القوى العسكرية الى محيط السجن بنجاح كما بالنسبة الى سيارات الدفاع المدني والصليب الأحمر والطبابة العسكرية».

واضاف المرجع المذكور انّ «وحدات مختلفة من قوى الأمن الداخلي تابعة لكلّ من «الفهود» و«القوى السيّارة» و«المعلومات» شاركت في العملية بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني التي وضعت عدداً من الطوافات بتصرّف العملية العسكرية للمراقبة المشددة، إضافة الى الوحدات الأخرى الميدانية التي كانت تتمركز في مواقعها العسكرية المحيطة بالسجن وباحاته الداخلية وعلى مداخله، ما وفّر قوات أمنية إضافية تدخلت في الوقت المناسب في عمليات محددة كانت تجري في المباني وباحاته الداخلية. كذلك استخدمت القنابل الدخانية التي دفعت عدداً من الموقوفين الى الإستسلام بشكل سهل، ما أدى الى نقلهم الى منشآت المبنى «د» في ظروف هي الفضلى.

وأبدى المرجع الأمني ارتياحه الى إنجاز العملية من دون تسجيل ايّ إصابة في الأرواح، وتحدث عن تسجيل بعض حالات الإختناق جرّاء الحرائق التي أشعلها السجناء في فرش الإسفنج وأمتعتهم لعرقلة نقلهم من مبنى الى آخر ونتيجة استخدام القنابل الدخانية، وأخضع المصابون للعلاج الفوري في أفضل الظروف الطبية والإستشفائية.

واكّد انّ العملية أنهت عصراً من الفلتان في المبنى «ب» الذي سيخضع في الساعات المقبلة لتفتيش دقيق بحثاً عن الممنوعات واستكشاف الأجهزة التي زرعت فيه، وإعادة تأهيل لاحقة تمهيداً لإعادة استخدامه في وقت قريب في عملية إعادة توزيع للسجناء لا بدّ منها».

واوضح انّ أجهزة التشويش على الخطوط الخلوية التي جُهّز السجن بها في اوقات سابقة عادت الى العمل في الساعات القليلة التي تلت العملية لمنع استخدام ايّ من السجناء وسائل الإتصال الخلوية مع الخارج، وباتت القوى الأمنية تتحكّم بالسجن وبمبانيه كافة من دون أي مشاركة من ايّ من نزلائه، ما يوحي بعصر جديد في السجن الأول في لبنان.

أهالي العسكريين

وقد حرّكت تهديدات «النصرة» اهالي العسكريين المخطوفين مجدداً، فقطعوا شارع المصارف وسط بيروت وهددوا بمزيد من التصعيد اذا لم تتمّ الاستجابة لمطالبهم.

وسأل رئيس لجنة اهالي العسكريين المخطوفين حسين يوسف الوزير المشنوق «عن توقيت عملية سجن رومية، وتمنى ألّا يزيد الخطر أكثر على أبنائهم، وتمنى ألّا يدفع احد من الشبّان الثمن».

وكان المشنوق اكد انه «لم نقصّر في حماية المخطوفين والاهتمام بحريتهم، ولا يجب أن ننسى أننا نتعامل مع منظمات إجرامية». وأضاف: «التهديد لا يخيفنا ولن يتمّ التعرّض للأسرى لأننا لم نصب السجناء بسوء وأوقفنا الاتصالات التي كانت تتسبب بالارهاب».

مجلس وزراء

وإلحاقاً بإنجاز رومية، تمكّنَ مجلس الوزراء من حلّ قضية النفايات فقرّر اعتماد خطة النفايات والتمديد لمطمر الناعمة وشركة سوكلين 3 أشهر قابلة للتمديد مرّة واحدة، أي عملياً 6 أشهر. وبالتالي خرج هذا الملف بعد 6 ساعات من النقاش المستفيض وبولادة قيصرية من عنق الزجاجة باعتراض سجَّله وزيرا التقدمي الاشتراكي أكرم شهيّب ووائل ابو فاعور على التمديد لمطمر الناعمة.

شهيّب

وقال شهيّب لدى خروجه لـ«الجمهورية»: «إنّ أهمّ ما حصل في هذه الجلسة رغم اعتراضنا على التمديد لمطمر الناعمة هو التوصّل الى اللامركزية في النفايات، فكلّ منطقة ستحلّ مشكلتها من اليوم وصاعداً، ووعدنا مجلس الوزراء بأنّه سيسلّم البلديات حوافزها قبل 17 الجاري».

أمّا ابو فاعور فقال: «المهم أنّ هناك مأساة اسمها مطمر الناعمة نتمنى ان تكون طمِرت الى ما لا نهاية».

دوفريج لـ«الجمهورية»

وقال الوزير نبيل دوفريج لـ«الجمهورية»: «ما حصل اليوم هو انّنا حاولنا تغيير صورة المطامر بالنسبة للناس، المشكلة انّ 85 الى 90 بالمئة من النفايات كانت تطمَر، فيما المفروض ان يطمَر 25 منها فقط، أمّا الـ 75 فهي يجب ان تعالج». وعندما يرى الناس انّ المطامر تعالج بطريقة بيئية من خلال التسبيغ وغيره، تتشجّع اكثر ويتراجع خوفها من المطامر».

خليل

وقال وزير المال علي حسن خليل لـ«الجمهورية»: «اليوم أنجَزنا اوّل خطوة جدية في معالجة النفايات، والعبرة في التنفيذ وفق الاصول حتى لا نقع مجدّداً بالتسويات والمحاصَصة بعد ان سيَّسنا وطيّفنا «الزبالة». وعن عملية سجن رومية قال: «إنّه إنجاز حقيقي، وكان يجب ان يحصل لتأكيد هيبة الدولة وسلطتها».

حنّاوي لـ«الجمهورية»

من جهته، قال الوزير عبد المطلب حنّاوي لـ«الجمهورية»: «إنّ رئيس الحكومة في هذه الجلسة حمى حكومة المصلحة الوطنية من خلال موقفه وحكمتِه وصبره على كلّ القوى السياسية المتمثلة داخل مجلس الوزراء، وأنقذَ في اللحظة الاخيرة مجلس الوزراء». وعن رومية، اعتبرَ أنّ ما جرى كان أقوى من عملية باب التبّانة العسكرية، لأنه في هذا السجن كان هناك من يقود عمليات خطف وتهريب وابتزاز.

وكشفَ أنّ الاتفاق تمَّ داخل مجلس الوزراء على طرح مشروع متكامل لاستحداث سجون جديدة في جلسة لاحقة، وأن يصار الى تمويله من المالية مؤكّداً أنّه من الآن وحتى أربعة أشهر سنكون امام سجن رومية جديد، وأثبتت الدولة بجميع مكوّناتها السياسية أن لا احد يقف امامها عندما تقرّر».

قزّي

وكان وزير العمل سجعان قزي أكّد لدى مغادرته أنّ وزراء الكتائب سهّلوا ووافقوا منذ اللحظة الأولى لكنّ معظم الوزراء كان لديهم ملاحظات.

مصادر وزارية

وقالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» إنّ وزراء الاشتراكي كان من الطبيعي ان يعترضوا، لأنّهم يحتاجون الى هامش ليسوّقوا للتمديد لمطمر الناعمة ويحلّوه بطريقتهم، وهم أخذوا ضمانات من مجلس الوزراء بأن تُعطى حوافز البلديات وأن يستفاد من المطمر لتوليد الكهرباء وأن تطلق المناقصة في أسرع وقت، وتقديم هذه الاوراق للأهالي لتبرير تمديد العمل بالمطمر.

إتّصالات ما قبل الجلسة

وكانت الإتصالات التي سجَّلتها الساعات الماضية والتي سبقت جلسة الحكومة قد أفضَت الى تهيئة الأجواء للتفاهم بين رئيس الحكومة ووزراء حزب الكتائب، وشاركَ فيها سلام شخصياً، الذي اتصلَ هاتفياً برئيس الحزب امين الجميّل مستعرضاً حصيلة المشاورات الجارية لطيّ المشروع الخاص بدفاتر الشروط بشأن النفايات الصلبة.

خصوصاً بعدما قطعَت الإتصالات الأخرى أشواطاً في التوصّل الى حلولٍ وسط تضمن نزع المخاوف والهواجس التي أشارَ اليها وزراء الكتائب في أجواء من الثقة بين سلام والجميّل وبعدما ساهمَت مواقف الجميّل في تهيئة الأجواء المناسبة.

وأفادت مصادر كتائبية انّ «الجميّل الذي توجّسَ من «مشاريع التلاعب» بالنظام الداخلي لعمل مجلس الوزراء واللجوء الى التصويت بأكثرية الثلثين من الأعضاء في ظلّ ممارسة المجلس مجتمعاً لصلاحيات رئيس الجمهورية، قد دفعته الى التحذير علناً من هذه الخطوة معتبراً انها تشكّل «محاولة للعب بالنار».

ولمنع الوصول الى هذه المرحلة، تولى الجميّل شخصياً الإتصال بعدد من الكتل الوزارية الممثلة في الحكومة، مُنبّهاً الى مخاطر اللجوء الى هذه الخطوة في «لحظة تخلّ». ولهذه الغاية اتصل مطوّلاً بالرئيس السابق ميشال سليمان للتفاهم على هذا الموضوع، واتفقا على ان يكون وزراؤه الثلاثة في الحكومة على تنسيق مستمر مع وزراء الكتائب الثلاثة لمنع الوصول الى هذه المحطة بأيّ ثمن.