الحديث عن دخول لبنان والمنطقة في مرحلة جديدة بعد عملية القنيطرة يشكّل مبالغةً في التوقّعات، لأن لا مصلحة لكلّ الأطراف الأساسية بالدخول في مواجهة مفتوحة تقلب المشهد الحالي رأساً على عقِب، من إيران وإسرائيل وصولاً إلى سوريا و«حزب الله»، ما يجعل ردّ الحزب لا يخرج عن الإطار الأمني المتوقّع في سياق الحرب الأمنية المفتوحة بين الطرَفين، وبالتالي المخاوف والتخويف من حرب إقليمية أو حرب على غرار العام 2006 في غير محَلّه، باعتبار أنّ ظروف المرحلة واللاعبين تحول دون ذلك. وفي هذا الوقت نشَطت الاتصالات السياسية والديبلوماسية لتجنيب لبنان أيّ مواجهة في سياق هذه الحرب المفتوحة، خصوصاً أنّ العملية حصلت على الأرض السورية، فضلاً عن عدم رغبة «حزب الله» وسائر القوى الداخلية والخارجية المؤثّرة في لبنان في هزّ الاستقرار الداخلي وإطاحة الحوار وزعزعة الحكومة.
يسود الترقّب الساحة اللبنانية والاسرائيلية ممزوجاً بقلق عارم، لمعرفة طبيعة ردّ «حزب الله» على الاعتداء الإسرائيلي الاخير في بلدة القنيطرة السورية، والذي أسفر عن استشهاد ستة عناصر من الحزب، وستة عناصر من «الحرس الثوري الايراني» كما نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر قريب من الحزب.
وفي انتظار ان يتوضّح موقف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في ذكرى اسبوع الشهداء، كما موقف إسرائيل التي لاذت بالصمت، وأبقت على حالة التأهب القصوى على الحدود الشمالية للأراضي المحتلة، تحسباً من ردّ محتمل للحزب، ونشرت مزيداً من قواتها على الحدود الشمالية مع لبنان، على ان يجتمع اليوم كل من المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الامنية والسياسية ورؤساء السلطات المحلية في شمال اسرائيل للبحث في تطورات الوضع على الحدود الشمالية وتقييم الموقف امنياً واستخبارياً.
ايران
في هذا الوقت، اكدت ايران استشهاد احد قادتها العميد محمد علي الله دادي في الغارة الإسرائيلية على سوريا، واوضح بيان صادر عن العلاقات العامة لـ«الحرس الثوري» انّ دادي الذي كان يتولى قيادة «فيلق الغدير»، كان متواجداً في سوريا في مهمة استشارية لدعم الحكومة والشعب السوري لمواجهة الارهابيين التكفيريين – السلفيين».
وشددت ايران في رسائل تعازٍ الى الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله على انّ الحزب سينتقم من اسرائيل «انتقاماً قاسياً»، مؤكدة انّ ما حصل يظهر مجدداً التواطؤ «بين المجموعات الارهابية والكيان المحتل للقدس في الهجوم على محور المقاومة الاسلامية وغضبهم من التنامي المتزايد لـ»حزب الله» في مختلف الميادين».
سكرية
وقال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب الوليد سكرية لـ»الجمهورية»: «ليس معلوماً اذا كانت اسرائيل تدرك انّ العناصر المستهدفة هي من «حزب الله» ام انها كانت تعتقد انها تستهدف قوة للنظام معادية لجماعة المعارضة في المنطقة.
في كل الاحوال، اسرائيل تسعى لتطبيع العلاقات مع جماعات المعارضة في هذه المنطقة وتحديداً «جبهة النصرة»، ولإقامة حزام أمني على امتداد الجولان والدخول الى المجتمع السوري ليُصبح جزءاً منه مُطبّعاً للعلاقة معها كما فعلت في لبنان في احداث 75 ـ 76، ما يؤثر على الوضع في سوريا اذ يصبح جزءاً من مجتمعها حليفاً لإسرائيل.
وأضاف: في الوقت نفسه ارسلت سوريا مقاومة الى الجولان منذ نحو سنة او اكثر، واذا كان «حزب الله» في المنطقة فاعتقد انّ دوره يكون لتنظيم مقاومة ضد اسرائيل ومنع التطبيع معها، ما يشكل مشكلة كبيرة لها، فإقامة حزام امني واختراق المجتمع السوري لتطبيع العلاقة معها مسألة استراتيجية كبيرة جداً بالنسبة لها.
فإذا كانت اسرائيل على علم ان هذه المجموعة هي من «حزب الله» واستهدفتها، تكون رسالة للحزب ان هنالك خطوطاً حمراً للتدخل في جبهة الجولان وان ايّ تدخل له فيها سيُواجه بتدخّل اسرائيلي. اما اذا كانت لا تعلم انها مجموعة للحزب واستهدفتها فتكون استهدفتها لأنها قوة للنظام دعماً للمجموعات المعارضة الحليفة لإسرائيل في المنطقة.
وتوقّع سكرية «ان لا يمر العدوان الاسرائيلي مرور الكرام»، مبدياً اعتقاده بأنّ الحزب لن يسكت على هذا العمل ولكن طبيعة الرد وحجمه وزمانه ومكانه متروكة للمقاومة، فهي من يُقدّر الوضع».
وعمّا اذا كان الرد المتوقع سيؤثر على مسيرة الحوار مع تيار «المستقبل» قال سكرية لـ«الجمهورية»: «لا اعتقد ذلك، فما علاقة العمل في الجولان على المحادثات في لبنان؟ هناك اشتباك مع اسرائيل وليس اشتباكاً مع المعارضة السورية».
حرب
وبدوره اعتبر وزير الاتصالات بطرس حرب أن «كلّ الاحتمالات مفتوحة حيال إمكانية قيام «حزب الله» بالرد على العملية الاسرائيلية في القنيطرة السورية، ولكن السعي ألّا يحصل هذا الأمر وألّا نُقحم لبنان بصراع لا يُقرره الأخير وليس مستعداً له، ولا سيما أنه يُمكن أن يؤدي الى حالة كبيرة من البلبلة التي ستؤثر على صعيد الاستقرار والسياسة».
وأضاف: «الكلّ يعلم أنه لا اتفاق في وجهات النظر حول وجود حزب الله في سوريا، وهذه الحادثة جرت على الأرض السورية ونحن نأسف لسقوط شباب لبنانيين خارج الأراضي اللبنانية ومن أجل قضية غير لبنانية، إلّا أنه من واجبنا كحكومة أن نحاول التوافق على موقف محايد لتفادي انزلاق لبنان نحو مواجهة غير محمودة النتائج».
قماطي
من جهته، قال عضو المجلس السياسي في «حزب الله» الحاج محمود قماطي لـ«الجمهورية»: ما قامت به اسرائيل من عدوان غادر على الحدود الفلسطينية ـ السورية واستهداف قادة من الاخوة المقاومين اللبنانيين يُعتبر تحولاً نوعياً في طبيعة الصراع، لجهة انه خرق للسيادة السورية وفي الوقت نفسه اغتيال مباشر لقادة مقاومة نوعيين على الاراضي السورية، ما يدلّ الى وقوف اسرائيل الواضح الى جانب التنظيمات التكفيرية الارهابية التي تزرع الارهاب والموت في المنطقة.
وأضاف: ان هذا العدوان يعتبر سابقة خطيرة في تاريخ الصراع ونقلة نوعية ومحاولة تغيير في المعادلات القائمة وفي قواعد الميدان. وهنا نؤكد انّ العدو الاسرائيلي لن يرتاح ولن يهدأ ولن يستقرّ ولن يأمن وسيبقى خائفاً ومذعوراً ومُترقّباً لرد المقاومة. كذلك نؤكد اننا لن نسكت، وانّ حقنا بالرد ثابت ولن نتخلى عنه وسنختار المكان والزمان وطريقة الردّ على هذا العدوان.
من جهة ثانية اكّد قماطي انّ حوار «حزب الله» مع تيار «المستقبل» سيستمر وسيتواصل»، وقال: «انّ هذا العدوان الجبان على المقاومة لن يؤثر على مسار الحوار الداخلي في لبنان».
ورداً على سؤال قال قماطي انه «من الطبيعي ان يتحدث سماحة الامين العام لــ»حزب الله» السيد حسن نصر الله في ذكرى أسبوع الشهداء الذين ارتقوا، اي بعد انتهاء تشييع الشهداء وتقبّل التعازي والتبريكات والتهانىء».
وهل يعتبر الحزب ان اسرائيل تمكّنت هذه المرة من تسديد ضربة قوية له آلمته أكثر، أجاب: «لا بد من ان نقول انّ الالم كبير ولكن الفخر اكبر والاعتزاز اكبر والوعي بأنّ مسيرتنا تستحق كل هذا العطاء وكل هذه الدماء في سبيل تحقيق انتصار الامة من جهة وللوطن لبنان من جهة اخرى لكي نحميه ونحصنه من الارهاب والتكفير».
«الكتائب»: النأي بالنفس
واعتبر حزب الكتائب، بعد اجتماع المكتب السياسي الدوري، أن «الغارة الاسرائيلية تستدعي اعلان الخشية من تداعياتها على لبنان، كما تستدعي وبشكل حثيث اللقاء اللبناني الوطني لدرء انعكاسات العملية الاسرائيلية، ويطالب حزب الكتائب بالعودة الى ممارسة سياسة النأي بالنفس وابقاء لبنان خارج حلبة صراع خطيرة وغير قادر على تحمّل تداعياتها».
بري وخطة البقاع
في هذا الوقت، اكد رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره انّ الخطة الامنية في البقاع حاصلة ولن تكون كسابقاتها، وانّ القوى العسكرية التي ستنفذها لن تذهب الى هناك لمجرد القيام بجولة ثم تعود، بل ستبقى متمركزة هناك بحيث ان ليس هناك ايّ خيار امام المطلوبين والمجرمين إلّا تسليم انفسهم او الفرار الى خارج البلاد، لأنه لن يبقى لهم ملاذ في البقاع، او القبر. واوضح بري انّ الخطة الامنية ستوكد للبقاع وجهه وألقه، وللعشائر معناها الصحيح وهو الكرم والكرامة والشهامة.
واكد ان لا تساهل ابداً في تنفيذ الخطة ولا احد على رأسه ريشة او مظلة، مشدداً على ان البقاعيين سيكونون اول المستفيدين من الخطة لأن هؤلاء المطلوبين هم الذين يلحقون الاذى والضرر بأهلنا هناك، ولا بد كما قلت سابقاً من ان تلحق الخطة الامنية خطة انمائية في كل المناطق، ولا سيما منها في البقاع وعكار لأنهما الاكثر حرماناً.
جديد رومية
وفي هذه الأجواء، تواصل الفرق المتخصصة في الشؤون التقنية والأمنية عمليات البحث في المبنى «ب» من سجن رومية في وقت اخضعت فيه الأجهزة التقنية والهواتف الخلوية للتدقيق في محتواها ومحتوى داتا الإتصالات الداخلية والخارجية لاستكشاف أدوار الموقوفين وتحديد هويات مستخدميها.
ونفى مرجع امني رفيع الحديث عن اكتشاف أنفاق في السجن مستغرباً هذه الرواية التي ترددت في بعض الأوساط. وقال لـ»الجمهورية»: انّ عمليات البحث في إحدى الغرف الواقعة في الطبقة الأرضية من المبنى كشفت حفرة بعمق لا تتجاوز المتر الواحد، ولم يعرف بعد الهدف منها وتاريخ حفرها قبل تمويهها بقطعة من «الموكيت» بانتظار التحقيقات التي بوشرت لتحديد هوية من كان يقطن هذه الزنزانة في الفترة الأخيرة قبل نقل السجناء الى المبنى «د».
فيول على جدول أعمال مجلس الوزراء
الى ذلك، كشفت مصادر وزارية انّ مجلس الوزراء الذي سيبحث في جلسته بعد غد الخميس في جدول أعمال من 59 بنداً سيتناول في بعض من بنوده بعض الملفات الخلافية، وأبرزها إثنان:
أولهما البند الخاص ببتّ مشروع دفتر الشروط العائد الى عقود الغاز والفيول أويل المخصصة لكهرباء لبنان في ظل الخلاف الذي كان قائماً بين فريقين في الحكومة.
فريق يدعو الى الحفاظ على الإستمرار في اعتماد صيغة العقود ما بين دولة ودولة كما هي قائمة منذ سنوات من الزمن الى اليوم، اي ما بين الدولة اللبنانية وشركتي «سوناتراك» الجزائرية والكويت، وهو ما عبّر عنه بوضوح وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج، وفريق آخر يسعى الى فتح باب الإستيراد الحر عن طريق بعض الشركات التجارية، وهو ما عبّر عنه وزير المال علي حسن خليل.
امّا الملف الثاني فهو بتّ الخلاف الذي اندلع في الجلسة الأخيرة حول ملف سحب 30 مليار ليرة لبنانية من الإعتمادات المخصصة لطريق صور – الناقورة من مخصصات طرق البقاع الشمالي وبعلبك ما بين وزير التربية الياس بو صعب ووزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر، وقد أدرج على جدول الأعمال كتاب مجلس الإنماء والإعمار الذي طلب رسمياً فيه من مجلس الوزراء الموافقة على نقل الإعتماد من باب الى باب بانتظار ان يبتّ بالعقود المخصصة لطريق الناقورة – صور فتُعاد المبالغ الى حصة بعلبك – الهرمل.
وكان بو صعب قد اتهم زعيتر بالتصرّف بهذه الأموال ونقلها على هواه من بند الى آخر، وهو الذي رد على الإتهام مؤكداً انّ العملية تَمّت من دون علمه وان من طلب ذلك كان مجلس الإنماء والإعمار الذي يشرف على المشاريع في المنطقتين، وهذا ما سيؤكده كتاب المجلس في جلسة الخميس المقبل.
والى هذه القضايا سيبحث المجلس في بنود عادية إدارية ومالية، منها ما يتصل بقبول بعض الهبات الممنوحة الى مؤسسات امنية وإدارية ودينية وعقود اتفاقيات بين لبنان والخارج عبر بعض الوزارات والمؤسسات العامة وسَفر وفود الى الخارج ونقل اعتمادات مالية من بند الى آخر وسلفات خزينة لبعض المؤسسات وفق القاعدة الإثني عشرية في غياب الموازنة العامة.
تخفيض البنزين
في مجال آخر، كشفت مراجع نفطية لـ«الجمهورية» انّ وزارة النفط ستخفّض سعر صفيحة البنزين بموجب اعادة النظر الأسبوعية صباح غد 1200 ليرة لبنانية بعدما كان مقدراً تخفيضها وفق تطور الأسعار العالمية هبوطاً بـ 700 ليرة لبنانية فقط.
لكن القرار صدر بإعادة التخفيض بنسبة 1200 ليرة لتعويض الفرق الذي حسم الأربعاء الماضي بقيمة 500 ليرة أضيفت بموجب قرار وزير النفط الى الرسوم المفروضة على سعر الصفيحة باعتبار انها من حق المواطنين الى أن يُصار البَتّ بتثبيت سعر صفيحة البنزين او عدمه في وقت لاحق.