فيما تقف المنطقة على صفيح ساخن بعدما يتأكّد يوماً بعد يوم انّ استراتيجية التحالف الدولي لم تمنع «داعش» من تشديد قبضتها على أجزاء كبيرة من مدينة عين العرب (كوباني) السورية الكردية، والوقوف على ابواب بغداد العراقية أمام مرأى المجتمع الدولي والعربي، وعشيّة الاجتماع الاستثنائي للقادة العسكريّين في 21 بلداً عضواً في التحالف في واشنطن غداً، برز موقف ايراني لافت عَبّر عنه مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، وحذّر فيه من أنّ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد يمثّل تهديداً لأمن إسرائيل.
واعتبر عبداللهيان أنّ حدوث التغيير السياسي في سوريا يترتّب عليه تَبِعات كثيرة. وقال: «نقلنا هذه الرسالة إلى واشنطن، وأوضحنا لها أنّه إذا كانت تريد تغيير النظام السوري، فإنّ الكيان الصهيوني لن يَنعم بالأمن».
وأضاف: «أيّ عمل خبيث يُنفّذه الغرب لإطاحة النظام السوري بذريعة مكافحة «داعش»، سيُرتّب على التحالف الدولي وأميركا والصهاينة عواقب وخيمة». وقال: «نحن لا نريد أن يبقى الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة إلى الأبد، إلّا أننا في الوقت نفسه لا نسمح بإطاحة الحكومة السورية ومحور المقاومة عبر الإرهابيين».
ظلّ المشهد الأمني يفرض نفسه بقوّة في لبنان، مع تزايد التهديدات التي يواجهها، ومحاولات التكفيريّين المتواصلة لإغراقه في الفوضى، على رغم إمساك الجيش بزمام الامور.
واستغرب مصدر عسكري رفيع، عبر «الجمهورية»، التضخيم الإعلامي الحاصل حيال الأنباء عن حصول «انشقاقات» في الجيش وتزوير الحقائق بمَا يَخدم، عن قصد او غير قصد، الجماعات الإرهابية»، مؤكداً أنّ «الذين ذُكِر إنهم انشَقّوا عن الجيش لا ينتمون الى المؤسسة العسكرية وقدّ أُسقطَت عنهم الصفة العسكرية منذ مدّة، فمحمد عنتر فارّ من الجيش منذ اكثر من 3 أشهر، ومُحال الى المحكمة العسكرية. وبالتالي، لا يُعدّ جندياً منشقاً، أمّا عبد القادر اكومي فهو مطرود من الجيش منذ عام 2013 بتهمة سرقة السيارات والإتجار بالمخدرات».
لقاء روما
وعلى وقع استمرار العجز السياسي عن انتخاب رئيس جمهورية جديد، وتواصل تعبيد الطريق امام التمديد لمجلس النواب مجدداً، تتجه الأنظار اليوم الى روما التي تستضيف لقاء بين الرئيس سعد الحريري والبطريرك الماروني ما بشاره بطرس الراعي.
بري في جنيف
وفي حين تردد انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، الموجود في جنيف، سيزور روما للقاء الحريري والراعي، أوضحت مصادر ديبلوماسية انّ السفارة اللبنانية في روما لم تتبلّغ شيئاً عن زيارة بري. فيما نفى مصدر قريب من بري في جنيف لـ»الجمهورية» خبر سفره الى العاصمة الايطالية، مشيراً الى انّ لدى بري اليوم مواعيد مع رؤساء البرلمانات العراقية والايرانية والارمينية وسواهم، ولذلك يستحيل تخَلّفه عن اللقاءات.
فتفت
وعن أهمية لقاء روما، قال عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ»الجمهورية» انه يندرج في إطار اللقاءات التي يعقدها الحريري وعلاقاته المستمرة لمتابعة ما يحصل في لبنان، وسيشدد اللقاء على أولوية انتخابات رئاسة الجمهورية وعلى الاولويات اللبنانية، وتحديداً الوفاق الوطني ومسلّمات الدولة ومؤسساتها».
وهل سيكون التمديد النيابي بَنداً على جدول أعمال هذا اللقاء، اجاب فتفت: «في النهاية، لا تباعُد في وجهات النظر بين الطرفين طالما انهما متّفقان على أنّ الاولوية الاولى هي لانتخاب رئيس جمهورية جديد، ومن هنا فإنّ موقف الحريري من موضوع التمديد النيابي منطلق من أولوية الرئاسة وليس من أي شيء آخر، لذلك هناك نقاط التقاء وليست نقاط تفريق بين الطرفين».
وعمّا اذا كان لقاء اليوم مفصلياً في موضوع انتخاب الرئيس، اجاب فتفت: «ندرك تماماً انه حتى يكون هناك شيء حاسم في الموضوع الرئاسيّ فإنّ الامر يتطلّب أكثر بكثير من لقاء،هو يتطلّب تطوراً على الصعيد الاقليمي ووَعياً لدى بعض الاطراف السياسية، الامر الذي ليس متوافراً حتى الآن، فطالما أنّ هناك أطرافاً سياسية لا تزال مصمّمة على موقفها، فلا أعتقد انه سيكون هناك شيء يستطيع تغيير الموازين في هذه اللحظة».
عون و13 تشرين
في موازاة لقاء روما، تترقّب الأوساط السياسية المواقف التي سيُعلنها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في الاحتفال المركزي الذي يقيمه «التيّار الوطني الحر» برعايته وحضوره، في السادسة مساء اليوم، في قصر المؤتمرات في ضبية.
وعلمت «الجمهورية» انّ كلمة عون ستكون ذات سَقف عال، لكنها لن تتضمن ايّ مبادرة. فبالإضافة الى تشديده على أهمية المناسبة ومعانيها، ستركّز كلمته على خطورة ما يجري في المنطقة وتردداتها على الساحة اللبنانية في ظلّ المَد التكفيري و«الطَحشة الداعشية» الحاصلة، والتي تنعكس إرهاباً متنقّلاً في البلاد، واهتزازات أمنية في المناطق، خصوصاً في البقاع والشمال. وسيُحذّر عون من «انّ المنطقة مُقبلة على خطر جدّي، الامر الذي يتطلّب ان يضع كلّ طرف مصلحته الشخصية جانباً، وان ينظر الى مصلحة البلاد العليا».
وقالت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية»: «إنّ عون لم يَقل مرة «انا او لا احد»، لا بل انه تقدّم بمبادرة وهو لا يزال ينتظر حتى اليوم جواباً عليها، لكنه لم يلق سوى ردود سلبية، لسبب واحد فقط، وهو أنّ المبادرة صدرت عنه». واضافت: «انّ الفريق الآخر، ومنذ منذ العام 1988، يرى أخطاءه، لكن بعد فوات الأوان».
«14 آذار»
في المقابل، أكّد مصدر في 14 آذار لـ»الجمهورية» أنّ عدم الرد على مبادرتها سيدفعها للعودة الى المربّع الأول بالتمَسّك بترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.
واعتبر أنّ «هذه المبادرة تشكّل فرصة جدية لانتخاب رئيس تتوافق عليه 8 و14 آذار، وأنّ الفرصة مؤاتية لإنهاء الشغور الرئاسي سريعاً والاتفاق على مدة محددة لتمديد ولاية مجلس النواب تحضيراً للانتخابات النيابية. وبالتالي، إعادة الزخم للحياة السياسية وإقفال كلّ الثغرات التي يمكن أن تهدد لبنان ووحدة اللبنانيين».
أوساط سلام لـ«الجمهورية»
الى ذلك، قالت اوساط رئيس الحكومة تمام سلام لـ«الجمهورية»، رداً على سؤال حول نتائج المساعي الجارية لمتابعة ملف المخطوفين العسكريّين لدى الإرهابيّين في جرود عرسال: «انّ الملف دقيق وحسّاس، والعمل جار على كل المستويات لمواجهة هذه المشكلة وتأمين سلامة العسكريّين وحريتهم» . وأضافت: «لم ولن نَدّخِر جهداً يبذل في هذا الاتجاه»، وكررت تشديدها على انّ «المساعي يجب ان تتمّ في نطاق من السرية لضمان نجاحها».
وعن المساعي الجارية لتسليح الجيش وتعزيز قدراته، قالت الأوساط نفسها: «انّ هناك إجماعاً كبيراً على دعم كل الخطوات الهادفة الى تعزيز قدرات الجيش للحفاظ على أمن البلد، وهو أمرٌ مُسلّم به والجميع يعمل في هذا الاتجاه. فالجيش له مكانته لدى اللبنانيين وبات أملهم لتحقيق السلم والاستقرار ومواجهة الإرهاب بكلّ مظاهره وادواته».
وكشفت هذه الأوساط انّ قائد الجيش العماد جان قهوجي أطلعَ سلام على برنامج زيارته لواشنطن التي بدأها نهاية الأسبوع، فهو، الى جانب اللقاءات المقررة مع القادة العسكريين لمناقشة حاجات الجيش في إطار برنامج المساعدات المقررة وما يمكن توفيره بموجب الهِبة السعودية الأخيرة، سيُشارك ممثلاً لبنان في اللقاء المقرّر عقده في واشنطن الى جانب وزراء الدفاع وقادة جيوش 21 دولة تشارك في الحلف الدولي ضد الإرهاب، بما فيها دوَل الجوار السوري.
طرابلس
أمنياً، وفيما عمّ الهدوء الحذِر جبهة عرسال وواصلَ الجيش تدابيره الأمنية، تسارعت الاتصالات السياسية والدينية لاحتواء التفجير المحتمَل في مدينة طرابلس، وسط تصميم الجيش على ملاحقة الخلايا النائمة. وقد شهدت المدينة أخيراً اعتداءات متكررة على مراكز الجيش فرضَت اتخاذ تدابير أمنية استثنائية بحثاً عن مُطلقي النار ومُلقي القنابل لتوقيفهم.
وطوّق الجيش أمس مسجد عبدالله بن مسعود في باب التبانة الذي كان يلجأ اليه كلّ من الناشطين الإسلاميين المطلوبين للعدالة شادي المولوي واسامة منصور وعدد من رفاقهما، بعدما حَوّلا محيطه ما يشبه مربعاً أمنياً، وأنذر بضرورة تفكيكه وانسحاب المسلحين من المنطقة قبل اللجوء الى استخدام القوة.
وفي المقابل، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «إخلاء المسجد أتى بعدما أدرك الجميع في طرابلس أنّ الجيش مصرّ على تطبيق الخطّة الأمنية في المدينة، وبعد الكلام الاخير لقائد الجيش عن انّه حازم في ضبط الامن والقضاء على البؤر الأمنية فيها»، لافتاً الى انّ «الأهالي والمرجعيات الطرابلسية قاموا بدورهم وضَغطوا عليهم لإخلاء المسجد بعدما ضاقوا ذرعاً بتصرّفات المولوي ورفاقه وفَرضِهم الخوّات في التبّانة ومضايقاتهم التي خرجت عن حدّها».
واوضح المصدر أنّ «عدم تدخّل الجيش واعتماده الحلّ العسكري يتوقّف على صدقيتهم، فاذا أخلوا المسجد والمنطقة ولم يعاودوا نشاطهم لاحقاً ستسلك الخطة الجديدة طريقها الى التنفيذ، أما إذا حصلت اعتداءات على الجيش ونَكث بالوعود فسيعتمد الجيش فوراً الحلّ الأمني لتجفيف بؤر الإرهاب».
من جهة ثانية أوضحَ المصدر انّ «أعمال الدهم التي نفّذها الجيش في منطقة عيدمون ـ عكار وسقط بنتيجتها قتيل من المطلوبين، أتت بعدما كشفت المخابرات العسكرية انّ الأشخاص الموجودين هناك ينتمون الى مجموعات إرهابية يلاحقها الجيش.
ريفي
من جهته، ثَمّن وزير العدل اللواء اشرف ريفي نتائج الإجتماعات التي عقدها وزراء طرابلس ونوابها، وتلك التي رعاها المشايخ في باب التبّانة لإخلاء مسجد عبدالله بن مسعود في باب التبانة الذي كان يلجأ اليه كلّ من منصور والمولوي وعدد من رفاقهما. وقال لـ «الجمهورية»: «أعتقد صادقاً اننا نجحنا في إجهاض ما كان يخطّط لضَرب المدينة واستهدافها».
وكشف ريفي انّ «التحقيقات التي أجريت توصّلت الى معرفة مَن ألقى القنابل على مواقع الجيش وحواجزه، ولم يكونوا من مناصري المولوي ومنصور، وهم من الذين يدورون في فلك «حزب الله» للإيقاع بين الجيش وأبناء المدينة، والذين نجحوا في استغلال الأجواء غير السليمة التي كانت قائمة فيها، وكادوا ان ينجحوا في استدراجها الى حيث لا يريد أحد من أبنائها، وهم يخضعون للملاحقة الى ان يتمّ توقيفهم».
واضاف ريفي: «لقد كنّا واضحين في اجتماع وزراء ونواّب المدينة والمشايخ الذين واكبوا الخطة الأمنية بايجابية منذ تطبيقها، عندما اكّدنا انّ طربلس بمختلف اطيافها لا تريد ان يكون أمنها في عهدة ايّ قوّة غير الجيش اللبناني، وأبلغنا الى كلّ مَن يشكّل سبباً في أيّ خلل أمني انّ طرابلس لا تحتمل وجوده فيها، وطلبنا الى هذه المجموعة التي كانت في المسجد مغادرة المدينة الى أيّ مكان يريدون».