على رغم أنّ الأنظار مشدودة إلى ما سيقوله كلّ من الرئيس سعد الحريري في 14 الجاري والأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله في 16، إلّا أنّ الحدث السياسي أصبح خارجياً بامتياز، حيث تحركت الأرض من اليمن إلى سوريا على وقع احتمال توقيع الاتفاق النووي في منتصف آذار المقبل، وكأنّ هناك من يريد رسم معادلات جديدة على الأرض من خلال تغيير المعطيات الميدانية استباقاً لأيّ اتفاق يدخل المنطقة في مرحلة جديدة عنوانها البحث في موازين القوى الإقليمية وأدوار اللاعبين وأحجامهم. وفي هذا السياق أيضاً تندرج زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر التي يرجّح أن تشكّل تحوّلاً في المشهد مستقبلاً، خصوصاً أنّ موسكو التي تبحث عن موطئ قدم في الشرق الأوسط تشكل القاهرة مدخلاً استراتيجياً لها، إن لجهة ملف الصراع العربي-الإسرائيلي أو ملف الأزمة السورية. وبالتالي، البوابة المصرية قد تشكل تعويضاً لروسيا عن البوابة السورية، ما يجعلها مستعدة للدخول في تسوية للأزمة السورية على طريقة الأزمة المصرية بإبقاء النظام ولكن شرط تغيير رأس هذا النظام. وفي السياق تشكّل العلاقة الاستراتيجية الروسية-المصرية التي تتمّ بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية رسالة تحذيرية إلى الولايات المتحدة من أنّ البدائل موجودة في حال ذهابها نحو صفقة نووية-إقليمية مع طهران. وفي كل هذا المشهد يبقى لبنان محيداً عن التجاذبات القوية الحاصلة بإرادة سعودية-إيرانية، وهذا بالذات ما سيشدد عليه الحريري ونصرالله. وليس بعيداً من هذا المناخ التبريدي والحواري انضَمّت بكركي إلى حوارَي «المستقبل»-«حزب الله» و«التيار الوطني الحر»-«القوات اللبنانية» بقيام حوار ثالث قديم-جديد عبر استئناف لجنة الحوار بين بكركي وحزب الله عملها بعد استلام عضو المجلس السياسي في «حزب الله» الحاج محمود قماطي رسمياً مهام الملف المسيحي إثر استقالة الحاج غالب ابو زينب من مهامه في إدارة هذا الملف.
ينتظر اللبنانيون ان تهدأ العاصفة الطبيعية «يوهان» التي خلّفت اضراراً جسيمة في مختلف القطاعات السياحية والتجارية والزراعية واقتلعت الاشجار واللوحات الاعلانية وتسببت بانهيار منشآت علی الطرق الساحلیة وتسببت بسيول جارفة وفيضانات، وقطّعت اوصال الطرق في بعض المناطق.
الّا انّ العاصفة بكل ما حملته من رياح قوية وامطار غزيرة وثلوج، لم تحجب الرؤية عن متابعة المسعى الدولي لضرب «داعش»، خصوصاً بعد تقديم الادارة الاميركية طلباً رسمياً إلى الكونغرس للحصول على تفويض جديد لثلاث سنوات لاستخدام القوة العسكرية ضد هذا التنظيم، ولا رؤية المشهد الاقليمي المتوتر بدءاً باليمن الذي يتوالى إغلاق السفارات الغربية أبوابها فيه، مروراً بالعراق الذي لم تهدأ التفجيرات الانتحارية على اراضيه، وصولاً الى سوريا التي تشتد حدة الاعمال العسكرية في بعض مناطقها ولا سيما في جنوب دمشق.
سلام
وفي موازاة الصخب الخارجي، الذي يقابله هدوء سياسي داخلي بارز، شدد رئيس الحكومة تمام سلام على ضرورة استكمال مؤسّساتنا الديموقراطية وتعزيز نظامنا اللبناني بانتخاب رئيس للجمهورية.
وأشار، خلال مؤتمر «إطلاق استراتيجية السياحة الريفية في لبنان»، الى أنه «مطمئن ومرتاح لأنّ هناك واحة من الأمن والإستقرار في كلّ أنحاء الوطن، ما يسمح لنا بتحقيق أفكار سياحية وإنمائية وغيرها في البلد»، ولاحظ أنّ «الأمن من حولنا في المنطقة غير مستقر ومُقلق ولكننا في لبنان سنستمر في تحقيق ما يجب تحقيقه، وهنا لا بد من أن أسجّل لمؤسساتنا وقوانا المسلحة والأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وكل الأجهزة الامنية، حركة دؤوبة ويقظة دائمة وتنبّهاً واستنفاراً، والتعاون الوثيق بين كلّ هذه الأجهزة الأمنية ما يساعد على وضع حد لمَن يريد استهداف لبنان أو أذيته أو إلحاق الضرر به».
آلية العمل
وعشية جلسة مجلس الوزراء، علمت «الجمهورية» انّ الاقتراح الذي يتشاور فيه سلام مع مختلف القوى السياسية ينصّ على إقرار البنود من خلال التصويت بأكثرية الثلثين زائداً واحداً. وقد أجرى سلام اتصالاته مع مختلف القيادات الممثلة داخل الحكومة لعرض هذا الاقتراح، ولم يتلقّ بعد أجوبة. وعليه، فإنّ جلسة اليوم لن تناقش آلية عمل الحكومة كونها ليست جاهزة بعد والاتصالات حولها لم تنضج بانتظار الاجوبة.
لا عودة للحريري
في هذا الوقت، تنشَدّ الانظار الى «البيال» لترقّب مضمون الكلمة التي سيلقيها الرئيس سعد الحريري السبت 14 شباط في ذكرى استشهاد والده.
وكشفت مصادر تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» انّ الحريري لن يشارك شخصياً في الاحتفال لأسباب أمنية ما زالت تحول دون مجيئه، وقالت إن ما تردد في هذا الخصوص لا يعدو كونه توقعات.
وقالت المصادر انّ وفداً من «التيار» ومستشاري الحريري قصد الرياض بعد ظهر امس الاول، يتقدمهم نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، ومدير مكتبه نادر الحريري والنائب السابق غطاس خوري ومستشاره الإعلامي هاني حمود، بغية التشاور في مضمون الخطاب وما يمكن ان يتضمنه في ظل الظروف الإستثنائية المحيطة بالذكرى لهذا العام وما فرضه الحوار المفتوح بين «المستقبل» و»حزب الله» وحركة أمل من تعديل في الخطاب السياسي للتيار والأطراف كافة.
ولذلك، قَللت المصادر من أهمية ما نشر حتى اليوم وكلّ ما قيل في خطاب الحريري، وقالت انه قد يحمل تصوراً مستقبلياً للمرحلة المقبلة ويحافظ على ثوابت «التيار» من الأزمة السورية وعلاقات لبنان الدولية والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي قطعت شوطاً بعيداً نحو العدالة والحقيقة.
وعلم انّ جزءاً من الخطاب سيتناول الحديث عن علاقات لبنان الإستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي والهبة السعودية التي منحت على مرحلتين الى الجيش اللبناني بأربعة مليارات من الدولارات، مؤكداً انّ انتقال السلطة في السعودية لن يؤثر على العلاقات التاريخية التي بناها أسلاف العاهل الجديد سلمان بن عبد العزيز مع لبنان وشعبه بالإضافة الى ما يكنّه الملك سلمان من مودّة للبنانيين.
كتلة «المستقبل»
وكانت كتلة «المستقبل» اكدت دعمها ما تمّ التوصّل إليه في الحوار مع الحزب «من خطوات على الأرض، والتي تتمثل بنزع الشعارات السياسية، المقتصرة على بعض المناطق والتي يجب أن تعمّم على المناطق اللبنانية كافة، على أمل أن يسهم ذلك في خفض منسوب التوتر والتشنّج في البلاد».
وأكدت «ضرورة القيام بالخطوات وبالإجراءات القادرة على تحقيق معالجات افضل وأفعل لهذا التوتر، وتكون شاملة لشتى المناطق اللبنانية، وتتصدى بخطوات عملية وحقيقية لمسألة انتشار السلاح غير الشرعي والمجموعات المسلحة غير الشرعية في الاحياء السكنية، والتي تفعل فعلها سلباً على الاوضاع العامة في البلاد وتؤثر بشكل سيئ على حياة المواطنين وأمنهم وعلى استقرار عيشهم وتقدمه».
ترّو
في غضون ذلك، سألت «الجمهورية» عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب علاء اليدن ترّو تفسيراً لموقف رئيس اللقاء النائب وليد جنبلاط الاخير، عن توقيت طرحه الاخير خصوصاً انّ البعض اعتبره إطلاق نار على الحوار بين «المستقبل» والحزب، فأجاب: «نحن اكثر مَن شَجّع على الحوار منذ سنوات، وكنّا نقترح دائماً حوارات.
طرحنا حوارات ثنائية مع «التيار الوطني الحر» ومع «القوات» ومع «المستقبل» ومع «حزب الله» ايضاً. فنحن لا نخاف من الحوار، على العكس هدفنا تخفيف الاحتقان في الداخل والوصول الى حلول للمشكلات المطروحة بدءاً بانتخاب رئيس جمهورية».
وشدد ترّو على «انّ الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق وطني بكل معنى الكلمة، وليس استحقاقاً مسيحياً. علماً انّ رئيس الجمهورية هو رئيس مسيحي ماروني ينتخبه جميع النواب اللبنانيين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم ومشاربهم السياسية.
إذاً، هو رئيس لجميع اللبنانيين بلا استثناء، ورأس السلطة وحامي الدستور والمؤسسات. من اجل كل هذه الاسباب هو استحقاق وطني وليس استحقاقاً مسيحياً فحسب، علماً انّ ما يجب ان يفكر فيه المسيحيون اليوم هو التسريع في انتخاب الرئيس وليس إبقاء الوضع القائم نتيجة التجاذبات المسيحية ـ المسيحية».
أضاف ترّو: «نعم هو استحقاق وطني لأنه يحق لنا ككتلة نيابية ان نرشح اسماً للرئاسة، ولذلك رشّحنا النائب هنري حلو مع ان عدد كتلتنا ضئيل لا يصنع رئيساً لكننا خرجنا من التجاذبات المسيحية ـ المسيحية ورشّحناه ونأمل في ان نذهب جميعاً الى مجلس النواب، وليُنتخب من يُنتخب من المسيحيين. فالمجلس هو الذي يحدد من يكون الرئيس المنتخب ومن يفوز بأكثرية اعضاء النواب يصبح رئيس الجمهورية».
ولماذا لا تسحب الكتلة ترشيح حلو لتسهيل الدرب أمام المرشحين عون وجعجع للمبارزة، أجاب ترّو: «ككتلة نيابية وسطية لا نستطيع ان نسلّم ببساطة بهذه الطريقة التي تطرح، وأن نبقي التنافس محصوراً بفلان وفلان».
ولدى سؤاله: يؤخذ على اقتراح جنبلاط انه سيحمّل المسيحيين مسؤولية عدم انتخاب الرئيس، أجاب: «هو لا يحمّلهم فقط بل يحمّل جميع اللبنانيين من منظار وطني، فالرئيس رئيس وطني، ومسؤولية عدم انتخابه ليست مسؤولية مسيحية فقط».
حوار عون ـ جعجع
الى ذلك، كشفت مصادر مطلعة على الحوار بين «التيار الحر» و»القوات» لـ»الجمهورية» أنّ المرحلة الأولى من هذا الحوار ستتوّج بلقاء يجمع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون برئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع في الرابية، حيث سيُتلى إعلان النوايا الذي شارف الطرفان على الانتهاء من صياغته، ويتضمن مقدّمة و17 بنداً، وخاتمة وفقرات واضحة عن التوافق على مسائل كاللامركزية الادارية، ومفهوم الرئيس القوي، وطيّ صفحة الماضي، وضبط لغة التخاطب، وقانون الانتخاب لجهة التمسّك بالمناصفة كما وردت في الدستور. كذلك يتضمّن بنوداً عن السيادة والسلاح، وهي بنود خضعت لتسويات لغوية تجنّباً لعدم الإحراج.
لجنة الحوار مع بكركي
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» انّ لجنة حوار بكركي وحزب الله عقدت اجتماعاً أمس هو الاوّل لها، بعد استلام عضو المجلس السياسي في «حزب الله» الحاج محمود قماطي رسمياً مهام الملف المسيحي إثر استقالة الحاج غالب ابو زينب من مهامه في إدارة هذا الملف.
وقد حضر الاجتماع عن بكركي النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم، وعضو لجنة الحوار الامير حارث شهاب، وعن الحزب قماطي وابو زينب والحاج مصطفى الحاج علي.
وقد تطرّق المجتمعون الى قضايا عدة، من أبرزها:
أولاً، ملف الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» وآخر ما توصّل اليه المتحاورون في بندَي تنفيس الاحتقان ومواجهة الارهاب.
وفي معلومات «الجمهورية» انّ وفد بكركي حَرص، خلال الاجتماع، على ان يكون موضوع الاستحقاق الرئاسي من ضمن بنود جدول اعمال وأن لا يتأخر كثيراً في مناقشته، لكنه لم يسمع إجابة نهائية من وفد الحزب ما إذا كان هذا البند سيَرِد في الحوار أم لا.
ثانياً، الحوار المرتقب بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وما يمكن ان يسفر عنه من نتائج.
ثالثاً، ملف انتخابات رئاسة الجمهورية. وقد اعتبر الحزب ان لا جديد في هذا الملف وانّ المراوحة سيدة الموقف، مؤكداً مضيّه في دعم ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون.
رابعاً، أجرى المجتمعون جولة أفق شاملة تناولت الاوضاع في المنطقة والتطورات المتسارعة فيها وانعكاساتها على لبنان.