Site icon IMLebanon

 التعطيل يُخيّم على الحكومة… والمجلس ينتظر دورة

خيّمَ شبح التعطيل على الحكومة أمس، في وقتٍ يبدو مجلس النوّاب سيبقى معطّلاً إذا لم تُفتَح دورة استثنائية له، ليكتملَ عقدُ التعطيل ويشمل كلّ المؤسسات الدستورية في ظلّ استمرار الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية وعدم الاتفاق بعد على انتخاب رئيس جديد منذ 24 آيار الماضي. ولو لم يُذكّر رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بموعد جلسة الانتخاب التاسعة عشرة المقرّرة ظهر الأربعاء المقبل، ويجَدّد رئيس الحكومة تمّام سلام مطالبتَه بانتخاب رئيس، محَذّراً من انعكاس الشغور الرئاسي سَلباً على المصلحة الوطنية، لكان نسيَ اللبنانيون هذا الاستحقاق الدستوري.

إنعكسَت العاصفة الطبيعية «يوهان» المستمرّة فصولاً حتى نهاية الأسبوع، برداً وأمطاراً وثلوجاً ورياحاً، على مجلس الوزراء، فتحوّلت جلسته أمس عاصفةً سياسية بامتياز، وأطاحَتها الخلافات الوزارية حول آليّة اتّخاذ القرارات وتوقيع بعض المراسيم في المجلس الذي يتولّى وكالةً صلاحية رئيس الجمهورية نتيجة الشغور في سدّة الرئاسة الأولى.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ سلام لن يدعو إلى جلسة جديدة لمجلس الوزراء الخميس المقبل إلّا إذا ضمنَ عدم تعطيلها، وبالتالي فإنّ جدول أعمالها لن يوزّع على الوزراء قبل التأكّد من ذلك. وسيبدأ سلام اليوم اتصالاته مع سائر مكوّنات الحكومة للاطّلاع على نيّاتهم ومواقفهم.

وكانت الجلسة قد شهدَت سجالاً بين الوزراء في اتّجاهات عدّة، بدَأَه الوزير رشيد درباس. وعلمَت «الجمهورية» أنّه لدى مناقشة البند 17 من جدول الأعمال والمتعلق بتعيين موظفة في ملاك الجامعة اللبنانية اعترضَ درباس قائلاً: «أنا أعترض على كلّ تعيين ما لم يعيَّن مجلس إدارة للمِنطقة الاقتصادية في طرابلس».

فرَدّ عليه الوزراء مؤكّدين أنّ هذا التعيين روتيني. إلّا أنّه أصَرّ على موقفه، وقال: «لا شيء عندي ضد هذه الموظّفة، لكن لن يمرّ أيّ تعيين ما لم تسيّر تعيينات طرابلس». عندها حاولَ الوزير محمد المنشوق تهدئة الوضع وتنفيسَ تشنّج الأجواء، فصَعّد درباس أكثر قائلاً: «أنا أتقصّد خلقَ مشكلة علَّ المشكلة تُحَل». فردّ سلام عليه قائلاً: «لا أحد يهمل طرابلس، ولكن نحن طلبنا مهلة أسبوعين للاتفاق على هذا الملف».

لكنّ درباس ظلّ متمسّكاًُ بموقفه، وطلبَ إدراج هذا البند على جدول الاعمال في جلسة امس. فما كان من سلام إلّا ان احتدّ معترضاً على طريقة تعاطي الوزراء، وقال: «هذا ليس عملاً منتجاً، وجلساتُنا لم تعُد تنتج، ولا بدّ من إعادة النظر في الآلية، لأنّ كلّ وزير يستطيع عرقلة العمل».

في هذا الوقت كان فريق عمل الأمانة العامة لمجلس الوزراء يجول على الوزراء لتوقيع المراسيم، فرفضَ درباس توقيعَها، الأمرُ الذي وتّرَ الأجواء ودفعَ سلام إلى رفع الجلسة غاضباً.

وبعد رفعِها استمرّت السجالات، فخاطبَ الوزير الياس بوصعب الوزيرَ بطرس حرب قائلاً: «إنّك تشكو من العرقلة فيما أنت تعرقل بدورك». وإذ ذكّرَه بتصريحه أمس الأوّل، ردّ عليه حرب متّهماً إيّاه والوزير جبران باسيل بعرقلة البنود و»التصرّف بكيدية».

مصادر وزارية

وأكّدَت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أنّه لا يمكن انعقاد مجلس الوزراء مجدّداً ما لم تعالج مسألة آلية اتّخاذ القرارات فيه، وقالت إنّ العودة الى تطبيق الدستور في هذا الشأن هي الحلّ، فالمراسيم العادية التي توجب توقيع رئيس الجمهورية تبقى ضمن آلية توقيع الـ24 وزيراً، أمّا المراسيم التي تخضع لموافقة مجلس الوزراء وتصبح قرارات، فليس من الضروري أن يوقّعها 24 وزيراً طالما إنّ القرار فيها يُتّخذ بالغالبية بحسب الدستور.

واستبعدَت المصادر أن يتحوّل هذا الأمر مشكلةً تعرقل عملَ الحكومة، وتوقّعت أن تأخذ مسار التشاور والحلحلة بين مختلف القوى السياسية، حتى وإنْ احتاجَت الى وقت، كون الجميع متّفقين على ان لا بديل من مجلس الوزراء».

فنَيش

وطمأنَ وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش الى أن «لا خوف على الحكومة»، وقال لـ«الجمهورية» ردّاً على سؤال: «ما جرى لم يزعزع الحكومة، لكن أحياناً تغيب عن البعض الظروف المحيطة بالمنطقة فيحاول ممارسة نوع من الضغط، لكنّ مسألة الاستقرار لا تزال تجمَع كلّ الكتل التي تتلاقى حولها».

وعن موقف «حزب الله» من آليّة عمل مجلس الوزراء، قال فنيش: «موقفنا هو اعتماد آليّة التوافق، فلا مشكلة لدينا في الآليّة الموجودة، ففي الأساس روحية الاتفاق على آليّة العمل عند الشغور الرئاسي كانت روحية توافق، انسجاماً مع الوضع السياسي والفهم الدستوري لانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية عند الشغور الى مجلس الوزراء.

وفي ظلّ الاوضاع غير الطبيعية، هذه الروحية هي التي تتحكّم، ولا إمكانية لتجاوزها، لكن عند التطبيق حاوَل البعض ممارسة هذه الصلاحية بطريقة تؤدّي الى تعطيل الحكومة، ولذلك يتمّ البحث عن آليّة أخرى.

وفي أيّ حال، لنَرَ ما هي الاقتراحات ونناقش، ورئيس الحكومة يتابع اتصالاته، لكنّ هذا لا يعني أن نعطّلَ الحكومة الى حين الاتفاق على تعديل الآلية، كنّا نعمل بالحَدّ الأدنى، فلنستمرّ في العمل، وتستمرّ الاتصالات في الوقت نفسه حتى إيجاد آليّة بديلة».

دوفريج

ومن جهته، وزير البيئة نبيل دوفريج قال لـ«الجمهورية»: «ما جرى غيمة صيف وستعبُر، لكن هذا لا يعني أنّه يجب أن لا نجد آليّة تستطيع الحكومة بموجبها الإنتاج اكثر من دون ان تكون ذات صلاحيات تامّة، لكي لا يعتاد اللبنانيون على عدم وجود رئيس جمهورية، لكن على الأقل يجب ان يُفسَح لها المجال لاتّخاذ قرارات لتستطيع الوزارات العمل وتسيير سائر قضايا الناس».

وأضاف: «نؤيّد مطالبة الوزير رشيد درباس منذ أشهر طويلة بتعيين مجلس إدارة للمنطقة الاقتصادية في طرابلس، لِما لذلك من انعكاس اقتصادي كبير على المدينة وأبنائها، وأنا مع تعيينه هذا المجلس اليوم قبل الغد، لكن هذا لا يعني ان نعطّل عمل الحكومة».

وقال دو فريج: «الحكومة تزعزعَت، لكنّ هذا لا يعني أنّها ستتوقف، إنّما لا يُعقل أنّ وزيراً بمفرده يستطيع أن يوقف أيّ قرار، لأنّ وزيراً آخرَ سيفعل مثله، وهكذا دواليك. لذلك يجب إيجاد آليّة، وهذا ما يعمل عليه رئيس الحكومة، ويعرضها على المرجعيات السياسية، وأنا أؤيّده مئة في المئة في الآليّة التي يطرحها لأنّها ستنعكس إيجاباً، وستَدع مجلس الوزراء يتنفّس ويُنتج أكثر».

بوصعب

وقال وزير التربية الياس بوصعب لـ«الجمهورية»: «إنّ تكتّل «التغيير والإصلاح» يؤيّد آلية العمل المعتمدة حالياً إذا كانت تطبّق، لكنّ هذا الأمر لا يحصل». ورفضَ اتّهام وزراء «التكتل» بعرقلة العمل الحكومي.

وعمّا إذا كانت معركته شخصية ضد حرب، قال بوصعب: «لا أفتح معركة مع أحد، هو مَن قرّر وقفَ تطبيق مراسيم وزارة التربية لفترةِ شهرين، لكنّه تراجعَ عن قراره بعدما تدخّلَ رئيس الحكومة والوزراء الذين أكّدوا أنّه لا يحقّ له ذلك، والآن عاودَ الكرّة مجدّداً، فليقل لي أيّ مرسوم أوقفتُه له، لم أوقِف له أيّ مرسوم».

عون

في جديد المواقف السياسية، قال رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» أمس لوفدٍ طلّابي من حزب الله إنّ «ثمّة حاجة عند الجميع لانتخاب رئيس للجمهورية، ومَن ظنّ أنّنا تعبنا هو الذي تعبَ وعليه أن يقتنع أنّ رئيس الجمهورية يجب أن يتمتّع بمعايير معيّنة للرئيس ومعايير معيّنة لبرنامجه، فالمطلوب اليوم هو رئيس توفيقي يوفّق بين الجميع وليس رئيساً توافقياً».

وعن الحوارات الجارية، قال عون: «إنّها تشكّل مرحلة تهدئة وتحضِّر لمشاورات بالعمق، «ولكن يجب أن نرتاح لبعضنا»، لافتاً إلى أنّ الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل» من جهة وبين «التيار الوطني الحر» و»القوات» من جهة ثانية يُطَمئن الجميع ويخفّف من حدّة الاحتقان في الشارع. وأضاف العماد عون: اليوم وفي الظروف الحاليّة نحن نقول إنّه لا يمكن أن تُلغَى المقاومة طالما لبنان بحاجة إلى مقاومة.

خطة البقاع على مراحل

في غضون ذلك، انطلقَت فجر أمس الخطة الأمنية المعَدّة لمنطقة البقاع الشمالي بمشاركة وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي و500 عنصر من الأمن العام، وبقيّة الأجهزة الأمنية.

وكان رئيس الحكومة اعلنَ عن انطلاق الخطة رسمياً في جلسة مجلس الوزراء، وأملَ في ان يكون تنفيذها حازماً وحاسماً بحيث يتمّ استتباب الأمن في هذه المنطقة وسائر المناطق اللبنانية.

وقالت مصادر امنية إنّ المرحلة الأولى من الخطة شملت إثنين من المربّعات الأمنية التي تحدّثَ عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق وهما بلدتا بريتال وحورتعلا، فتمّ تطويقهما بإحكام. وحصلَ الإنتشار بعد ساعات على تجهيز القوى الأمنية التي ستتولّى التنفيذ، وتجمّعَت وحدات الجيش في ثكنة الشيخ عبدالله في بعلبك، فيما تجمّعَت وحدات الأمن الداخلي في أبلح قبل ان تقفل العاصفة «يوهان» طريقَ ضهر البيدر. كذلك انطلقَت الوحدات الأخرى من الأمن العام وأمن الدولة من مواقعها الأقرب الى المنطقة.

وحتى ساعات المساء لم تكن المراجع المعنية قد كشفَت حصيلة اليوم الأوّل للخطّة قبل ان تصدرَ قيادة الجيش مساءً بياناً أشارت فيه الى أنّ قوّة مشتركة من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، باشرَت «تنفيذ خطة أمنية واسعة تستمرّ أياماً عدة، وقد شملت في تاريخه تنفيذَ عمليات دهم وإقامة حواجز ثابتة وظرفية، وتسيير دوريات في مختلف البلدات والقرى في المنطقة المذكورة، أسفرَت عن توقيف 10 أشخاص مطلوبين بوثائق عدّة، بالإضافة الى ضبط 18 سيارة مسروقة».

وتزامنَت هذه الخطة الأمنية مع اكتشاف سيارة مفخّخة بعبوة زِنتُها نحو 25 كلغ، معَدّة للتفجير مِن بُعد، كانت مركونةً الى جانب طريق يسلكها الجيش في منطقة رأس السرج في جرود عرسال.

مصادر عسكرية

وذكرَت مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش موجود في البقاع ويقوم بدوره منذ مدّة، خصوصاً في منطقة عرسال ورأس بعلبك، ويخوض مواجهات ويلاحق الإرهابيين في الجرود، وعصابات التهريب والسرقة والمطلوبين في سهل البقاع».

وأكّدت أنّ «هذه الخطة ستريح الجيش في داخل قرى البقاع ومدنِه ليتفرّغ بدوره للتصدّي للإرهابين على الحدود». وشدّدت على أنّ «التنسيق بين الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام هو على أكمل وجهه، وأنّ أحد شروط نجاح الخطة في البقاع وفي كلّ لبنان هو التعاون التامّ بين كلّ الأجهزة».

مرجع أمني

من جهته، رفضَ مرجع أمني الكشفَ عن حجم القوّة وتركيبتِها، وقال لـ»الجمهورية»: «إنّ الحديث عن الأرقام غير مرغوب به في العمليات العسكرية من هذا النوع». وأضاف: «إنّها خطة أمنية واسعة ولها مقوّماتها الكاملة من عدة وعديدٍ، وتنفّذها وحدات تدركُ أهدافَها، فأمرُ العمليات واضحٌ ودقيق، وقد تمّ «تيويمه» استناداً إلى التغييرات التي عاشَتها المنطقة عقب العمليات العسكرية على الحدود اللبنانية – السورية».

وأكّد المرجع «أنّ منفّذي الخطة لا علاقة لهم بما يجري على الحدود في المواجهات مع مجموعات المسلحين والإرهابيين، لكنّ وجودهم في المنطقة سيكون في أيّ لحظة سنَداً لرفاقِهم على الحدود».

«14 آذار»

في هذا الوقت، قالت مصادر بارزة في قوى 14 آذار إنّ انطلاق الخطة الأمنية في البقاع يعطي صدقيّة سياسية مثلّثة الأضلاع:

أوّلاً: صدقية للحوار بين تيار«المستقبل» و«حزب الله»، حيث أظهرَت هذه الخطوة وما سبقَها من نزعٍ للشعارات أنّ الحوار بدأ يحقّق نتائج عملية ويسير في خطى ثابتة، وأن لا عودة إلى الوراء، وأنّه يمكن الرهان على هذا التوجّه من أجل تحقيق مزيد من الاختراقات في أكثر من ملف وعلى شتّى المستويات.

ثانياً: صدقية لوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي اتّهمه بعض المغالين بأنّه يطبّق خطواته على السُنّة فقط، فجاءت خطة البقاع لتؤكّد أنّ هذا الكلام غير صحيح، وأنّ الأمور مرهونة بأوقاتها، وأن لا صيف وشتاء تحت سقف واحد. فبَعد طرابلس ورومية ونزع الشعارات نجحَ المشنوق في التوجّه نحو البقاع لاستكمال الخطة الرامية إلى ضبط الاستقرار، فظهرَ أنّه على مسافة واحدة من الجميع.

ثالثاً: صدقية للتوجّه الذي انطلقَ مع تأليف الحكومة واستُكمِل مع الحوار، والذي أثبتَ مجدّداً أنّ لبنان لا يُحكم إلّا بالتوافق السياسي».