العالم مستنفر لمواجهة الواقع الدموي «الداعشي»، وستتوزّع الأنظار اليوم بين نيويورك التي تشهَد اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن الدولي يبحث في سُبل مواجهة الإرهاب في ليبيا، في ضوء دعوة الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي إلى تدخّل عسكري في ليبيا بعد المجزرة التي ذُبِح فيها 21 قبطيّاً مصريّاً، وبين الرياض التي تستضيف اليوم اجتماعاً لقادةٍ عسكريين من دوَل التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، سيشارك فيه قائد الجيش العماد جان قهوجي، ويجري خلاله تقويم مسار الحرب ضد «داعش» والتنسيق وتبادل الآراء والمعلومات، وليس لاتّخاذ قرارات حاسمة، بحسب ديبلوماسيّين. في حين يعتزم الرئيس الأميركي باراك أوباما إنشاءَ شبكة دولية للتصَدّي للتطرّف العنيف في خلال اجتماع كبير يُعقَد هذا الأسبوع في واشنطن.
وأكّد مصدر عسكري لـ«الجمهورية» أنّ مشاركة العماد قهوجي في اجتماع الرياض تأتي نتيجة كون لبنان جزءاً من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب».
وأشار إلى أنّ زيارة قهوجي للرئيس سعد الحريري كانت لتهنئته بعودته سالماً إلى لبنان، وأنّ البحث تناولَ الأوضاع الأمنية في البلاد ومهمّات الجيش في التصَدّي للإرهاب على الأراضي اللبنانية والحدود. كذلك تناولَ البحث آليات تنفيذ هبة المليار دولار السعودية والمراحل التي قطعَتها عملية تسليح الجيش».
من جهة ثانية، نفى المصدر العسكري أن «يكون الجيش قد قبضَ في عرسال على شقيق زعيم «جبهة النصرة» في القلمون «أبو مالك التلّي»، لافتاً إلى أنّ «كلّ الأخبار التي تناولت هذا الموضوع غير صحيحة».
إنتخاب وحوار
سياسياً، سيكون مجلس النواب قبل ظهر اليوم على موعد مع جلسة نيابية جديدة لانتخاب الرئيس العتيد، هي الجلسة التاسعة عشرة، إلّا أنّ مصيرَها لن يختلف عن سابقاتها لجهة عدم اكتمال النصاب، فيما ستُعقد مساءً جلسة حوارية سادسة في عين التينة بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، تأتي بعدما أدلى كلّ مِن الحريري والأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله بدلوَيهما وأجمعَا على أهمّية الاستمرار في هذا الحوار.
برّي
وعشية هذه الجلسة سُئل برّي عن السجال الخطابي الذي حصلَ بين الحريري ونصرالله، فقال: «لقد انتهينا من حوار المنابر، وسنذهب غداً (اليوم) إلى حوار المحابر لاتّخاذ القرارات وتنفيذها على الأرض».
وفي هذه الأثناء ترَأسَ الحريري اجتماعاً لكتلة «المستقبل» في «بيت الوسط» أعلنَت نتيجته تأييدَها المواقفَ التي أعلنَها في احتفال «البيال»، معتبرةً أنّها «المواقفُ التي تؤكّد الاعتدال والحزمَ في مواجهة الإرهاب ومسَبّباته، والتمسّك بوحدة 14 آذار وأهدافها، وباستمرار الحوار مع «حزب الله»على أساس احترام تمسّك الدولة بسيادتها وسلطتها الكاملة على أرضها ومؤسساتها وعدم تخَلّيها لأحد عن حقّها الحصري في ما خَصّ قراراتها السيادية، وكذلك باحتفاظها بحقّها الكامل بقرار السِلم والحرب بلا شريك أو منازع».
وكرّرَت «التشديد على ضرورة انسحاب الحزب ووقفِ تدخّلِه في سوريا من أجل إبعاد لبنان وتجنيبه الانعكاسات السلبية لتورّط الحزب في القتال إلى جانب النظام الذي يدمّر بلدَه ويقتل شعبَه، وكذلك إيقاف تورّط الحزب في النزاع المستمرّ في العراق».
ودعَت الكتلة كافّة القوى إلى «العمل للتوافق على انتخاب رئيس جديد» آمِلةً « أن يتمّ الإنجاز الدستوري بإنهاء الشغور الرئاسي وبانتخاب رئيس جمهورية جديد، وأن تتمكّن الحكومة من العودة إلى العمل وفق الأصول القانونية والدستورية ومن دون اعتماد أعراف جديدة خارجة عن الدستور تزيد من التعقيدات وتربك عملَ المؤسسات».
لقاءات الحريري
وكان الحريري واصلَ أمس لقاءاته في «بيت الوسط»، فاستقبل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ونجله تيمور، وقائد الجيش العماد جان قهوجي. والتقى كلّاً من سفير روسيا ألكسندر زاسيبكين، وبريطانيا طوم فليتشر، ومصر بدر الدين زايد. وأكّد زاسيبكين أنّ الحريري «كان مبادِراً لاستئناف التفاوض في شأن توريد السلاح الروسي إلى لبنان منذ أشهر عدّة، ويجري العمل حتى الآن بصورة إيجابية وبَنّاءة».
وأوضحَ أنّه تمّ في خلال اللقاء «التشديد على التوجّه المشترَك لإنجاز العقود في أقرب وقت ممكن»، وأكّد أن «لا صحّة لِما أشِيعَ عن عرقلة الحريري لإتمام صفقة الأسلحة الروسية الى لبنان»، وقال: «العمل يجري بنحو صحيح وانطلاقاً من تجربة الماضي وفي المرحلة الراهنة، ويتوقّع أن تكون هناك نتائج ملموسة لإفادة الدولة اللبنانية».
آليّة العمل
حكوميّاً، تغيبُ جلسة مجلس الوزراء لهذا الأسبوع، في انتظار أن يجد رئيس الحكومة تمّام سلام الآليّة المناسبة لاتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء، في ظلّ الشغور الرئاسي.
وكرّر برّي أمام زوّاره أمس التعبيرَ عن رأيه الدستوري في ما يجب أن تكون عليه هذه الآليّة، فشدّدَ على وجوب التزام النصّ الدستوري الذي يحدّد اتّخاذ القرارات في جلسات مجلس الوزراء (في حضور رئيس الجمهورية أو في غيابه) بالتوافق، وإذا تعَذّرَ ذلك، بالتصويت بالأكثرية، واعتماد أكثرية الثلثين في اتّخاذ القرارات المصيرية.
وأشار إلى أنّه أبلغَ إلى سلام تحفّظَه عن الآليّة التي يقترحها، وهي اتّخاذ القرارات بأكثرية الثلثين زائداً واحداً، لأنّها مخالفة للدستور، مؤكّداً أنّها إذا طُرحت على البحث في مجلس الوزراء فإنّ وزراء حركة «أمل» سيتحفّظون عنها.
مصادر وزارية
وفي هذه الأجواء، كشفَت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أنّ المساعي والاتصالات التي يجريها سلام للتفاهم على آليّة اتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء تتّجه إلى مزيد من التأزّم بفعل فقدان التوافق على الخطوة. وقالت إنّ قراءة مواقف مختلف الكتل الوزارية والحزبية على حقيقتها تؤدّي إلى قراءة لم تعُد ملتبسة، وتفيد أنّ سلام استعجلَ الأزمة الحكومية فوقعَ في المحظور.
فالآليّة الحكومية الجديدة التي سعى إليها تكاد أن تكون من طموحاته لا أكثر ولا أقلّ. ومن المستحيل أن تتلاقى القوى الحزبية السياسية المكوّنة للحكومة على الصيغة التي طرحَها سلام في ظلّ الشغور الرئاسي القائم، عِلماً أنّ التوافق الحكومي ورقة رابحة بيَد الجميع، وليس سهلاً التخلّي عن مكاسب هذا التوافق.
ولفتَت المصادر إلى أنّ كلّاً من «المستقبل» و«حزب الله» و«أمل» و«التيار الوطني الحر» والكتائب ووزراء الرئيس ميشال سليمان الثلاثة لم يقولوا كلمتَهم بعد في الآلية التي باشَر سلام مناقشتَها مع الأطراف كافّةً وسط حذرٍ شديد، والتقاء الجميع على التريّث في إعطائه أجوبةً إيجابية.
ولذلك فإنّ دعوة سلام مجلسَ الوزراء إلى الاجتماع على أساس الآلية القديمة لم تعُد واردة. في المقابل فإنّ اجتماع المجلس وفق الآلية الجديدة يتحوّل يوماً بعد آخر هدفاً بَعيد المنال حتى لا يقال إنه مستحيل في الظروف الراهنة.
قزّي
وتعليقاً على قول سلام إنّ «البلد لا يتحمّل 24 رئيس جمهورية»، قال وزير العمل سجعان قزّي لـ«الجمهورية»: إنّه كلام صحيح ولا غبار عليه، ولكن القول إنّ البلد لا يتحمّل عدم وجود رئيس واحد للجمهورية هو قول صحيح أيضاً».
الحكومة مستعارة
وقال رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون «إنّ الحكومة مستعارة، لأنّه يُفترَض بصلاحياتها أن تكون محدودة، وفي حال التعذّر تُحَلّ بعدد النوّاب الذين يستطيعون التصويتَ على القانون أو المشروع، إنْ بتصويت كلّ المجلس النيابي أو الجزء الأكبر منه. ولكن لن تسيرَ الأمور بنحو صحيح، إذا لم يتوافر «فيتو» من مكانٍ ما».
واعتبرَ «أنّ مَن يروّجون بأنّه ليس هناك رئيس للجمهورية، مخطِئون. رئيس الجمهورية موجود، ومراقبةُ الحكومة الآن تتمّ بمقدار أكبر بكثير من ذي قبل. تتضمّن الحكومة بالطّبع بعض الثّغرات، والموضوع الذي سنعمل عليه، هو كيف يجب علينا أن نشلّها. هذا ما سيتمّ درسه».
وشدّدَ وزير الصناعة حسين الحاج حسن أمس بعد لقائه وزيرَ التربية والتعليم العالي الياس بو صعب على ضرورة إيجاد حلّ لإعادة تفعيل عمل الحكومة من خلال البحث الدائر في الآلية، مشيراً إلى «أنّ كتلة «الوفاء للمقاومة» و»حزب الله» منفتحان على الحوار والنقاش لإيجاد صيغة ملائمة لإعادة عمل الحكومة وللتوصّل إلى آليّة، لأن لا رغبة في استمرار حال المراوحة داخل الحكومة».
من جهته، أكّد وزير الصحة وائل أبو فاعور أنّ الحكومة ستعود للعمل، مبدِياً اعتقادَه بأنّ «جميع الأفرقاء يقدّرون حجمَ المخاطر، كما ليس لدى أحد مشروع حكومة بديلة أو مشروع لإسقاط الحكومة».
ودعا إلى التزام اتفاق الطائف والدستور، وقال: «إذا كان الخَيار بين خَلق أعراف دستورية جديدة وبين تأجيل بعض الملفات، فلتؤجَّل هذه الملفات إلى حين التفاهم عليها، إنّما ليس علينا الدخول في سوابق دستورية لا يعود في استطاعتنا الخروج منها في قابل الأيام. وفي كلّ الحالات، إنّ النقاش الجاري بين القوى السياسية يجري تحت سقف واحد، وهو أن ليس هناك من يريد إسقاط هذه الحكومة، والأمر يُحَلّ بالتفاهم السياسي».
بدوره، أشار وزير الاتصالات بطرس حرب إلى أنّ سلام «يُجري اتصالاته مع القوى السياسية لإيجاد اتفاق على آليّة جديدة للسماح للحكومة بالتعاطي في شؤون البلاد، لافتاً إلى أنّ «هذه الآليّة تخالف الدستور».
وأوضحَ أنّ «التشبّث القائم في المواقف السياسية لبعض الأفرقاء ومنعَ مجلس النوّاب من الاجتماع أدّى إلى تعطيل عمل الحكومة، وهم يتحمّلون مسؤولية انهيار الدولة»، متمنّياً أن يتوصّل سلام إلى «آليّة معيّنة، ونأمل الوصول إلى حَل».
الرفاعي
في غضون ذلك، أكّدَ المرجع الدستوري حسن الرفاعي لـ«الجمهورية»: «أنّ هناك آليّةً واحدة يجب أن تطبّق لا غير. فما نشهده اليوم سبقَ أن حذّرتُ منه سابقاً، حين أفتيت عكس ما طُبّق. فمن الجلسة الأولى لمجلس الوزراء بعد الشغور الرئاسي طبّقوا بطريقة خاطئة عندما قالوا «بالإجماع».
لا شيء في النظام الديموقراطي اسمُه قرارات تتّخَذ بالإجماع، والحلّ يكمن في العودة إلى الدستور. فالتفسير واضح وصريح: عند الشغور، يمارس مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، أي كما لو أنّ رئيس الجمهورية موجود، فالوكيل يمارس صلاحيات الأصيل كما لو كان الأصيل موجوداً، فيتمّ التصويت على بعض المواضيع بالثلثين وعلى المواضيع الأخرى بالأكثرية المطلقة، ومن يخالف عليه، إمّا أن يرضخ لرأي الأكثرية وإمّا أن يستقيل».
وإذ أشار الرفاعي إلى «أنّنا وصلنا اليوم إلى أسفل الدرك»، أسفَ «لأنّ الدستور تحوّلَ لعبةً في أيدي السياسيين، ولكلّ منهم غايته». وتساءل: «أيّ حكم هذا يتمّ بالإجماع في أيّ بلد من بلاد العالم؟ فالإجماع هو ضد الديموقراطية، الأكثرية تحكم والأقلّية ترضخ، ولا شيء اسمُه إجماع في أيّ نظام
كان».