IMLebanon

الجمهورية» في معسكرات المقاتلين في النجف وكربلاء وجبهات الوسط

يكثر الحديث عن وضع العراق وجبهات القتال، خصوصاً في الوسط ذات الغالبية الشيعية، وعلى جبهة الرمادي والفلّوجة، إلّا أنّ الميدان يكشف إرادةً في القتال وخوفاً من الآتي.

بين النجف وكربلاء وصولاً الى الصحراء الفاصلة بين كربلاء والرمادي والفلّوجة، تنقلت «الجمهورية»، حيث لمست مزيجاً من الخوف والرغبة بالقتال عند أبناء الطائفة الشيعية.

النجف تشهد على مآسي القتال، تلك المدينة التي تعاني من الحرمان ويظهر الفقر جلياً في شوارعها وأزقّتها، وكأنّ العراق ليس بلداً نفطياً أو بلد السياحة الدينية، فطُرُق النجف وإن كانت لا تشهد زحمة سيرٍ إلّا أنها تفتقد الى التحديث.

والغريبُ أنّ هناك طرقاً في جوار مرقد الإمام علي بن أبي طالب ما زالت ترابية، كما أنّ مظاهر الفقر تتجلّى في أبنيتها، خصوصاً في الأسواق الداخلية، والدليل الساطع على تأثرها بأحوال البلاد هو دخولُ عشرات جثامين المقاتلين يومياً الى مرقد الإمام علي للتبرّك.

الألوية المقاتلة

النداءُ الأول للجهاد بعد توسّع «داعش» وجّهه المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، وقد عملت العتباتُ الدينية على تنظيم المقاتلين، تحت ما يُعرف بـ»الحشد الشعبي»، وبات لكلِّ عتبة لواءٌ مقاتل يعمل على ردّ الخطر إذا اقترب، ويحمي المقامات الدينية، فيما يشارك في القتال الى جانب الجيش العراقي لإسترداد المناطق التي سيطرت عليها «داعش» أو بالأحرى وقف زحفه نحوَ بغداد والمناطق الشيعيّة. ففي كربلاء هناك لواءُ علي الأكبر التابع للعتبة الحسَينية، وفرقة العباس التابعة للعتبة العباسية.

أمّا في النجف فهناك فرقة الإمام علي المؤلَفة من 13 الف مقاتل ينتشرون في المدينة وبادية النجف المتصلة ببادية الرمادي والسعودية، حيث يسهرون على تأمين البادية ومنع تسلّل «داعش». يلبس عناصر هذه الفرقة بزّاتٍ عسكرية ويحملون الأسلحة المتوسطة والخفيفة وينظمون أنفسَهم تحسّباً للأسوأ.

لا يختلف المشهدُ بين النجف وكربلاء من حيث التجنّد للقتال أو استقبال الجثامين. ففي مرقد الإمام الحسين تدخل يومياً عشرات الجثامين من الألوية الشيعية التي تسقط على الخطوط الامامية للجبهات، يصطف العسكر لإلقاء النظرة العسكرية عليها وسط إرتفاع أعلام اللواء المقاتل، أو لتكريمها إن كانت عناصرها من قادة الألوية أو الجيش.

التراخي ممنوع

في كربلاء، حيث لواء العباس ولواء علي الأكبر لا مجالَ للتراخي، وقد شهدت المنطقة القريبة منهما أيْ منطقة جرف الصخر أشرسَ معركة، فقد تمّ صدّ هجوم «داعش»، واستنفر أبناء المنطقة بعد نداءاتِ المساجد والعتبات المقدّسة، بمساعدة طائرات النظام لصدّ الهجوم، خصوصاً أنّ تلك المنطقة قريبة الى الرمادي حيث الانتشار الأكبر لـ»داعش».

ويروي أحد المقاتلين لـ«الجمهورية» أيامَ وساعاتِ القتال الطويلة، حيث توجّهت الألوية الشيعية مع القوات العراقية الى منطقة الجرف، لأنّ سقوط البلدات المحاذية يعني وصول «داعش» الى النجف وكربلاء وتدميرها للعتبات الشيعية.

وقد استعملت بدايةً سلاح المدفعية والقصف عن بُعد، من ثمّ انتقل القتال الى حرب شوارع بالرمانات اليدوية والرشاشات، وفي هذه المرحلة من القتال سقط العدد الأكبر من الشهداء قبل أن يتمكّنوا من ردع «داعش» وتحريرها.

لا ينتشر المقاتلون داخلَ كربلاء بل على أطرافها وفي الصحراء، والفارق الزمني بين مرقد الحسين ونقاط إنتشار لواء العباس، هو 15 دقيقة في السيارة، حيث تجتاز حاجزاً للجيش الوطني وتسلك طريقاً على جانبَيها شجر النخيل لتصل الى مخيّمات التدريب ونقاط الحراسة القريبة من الرمادي والفلوجة. في تلك المنطقة مقاتلون لبّوا نداء السيستاني، يتدرّبون في الصحراء حيث البرد القارس. غالبيتهم تتدرّب وتقاتل للمرة الأولى.

في أحد المخيّمات على أطراف كربلاء نلتقي بمقاتلين من مختلف المناطق الشيعية، فقد أصرّ المقاتلون على وضع العلم العراقي في مدخلها اولاً، تسلك طريقاً رمليّة داخل الصحراء، يفتح لك العسكري البوابة، تدخل فترى مخيّماً عسكرياً لقوات المغاوير التابعة للواء العبّاس، تصطف في أوله السيارات الرباعية الدفع، وبالقرب من المدخل غرفُ حديد للإستراحة وعلى أطرافه أبراج مراقبة وخنادق.

في حرب العراق الحالية، وحروب الصحراء، لا يعاني المقاتلون من نقل الرمال لإنشاء الدشم، أو حفر الخنادق، فالرمال موجودة أساساً، ومن السهل حفر الخنادق، ويروي محمد من كربلاء لـ»الجمهورية» أنه جاء خوفاً من تمدّد «داعش» وهو يقاتل للمرة الأولى، ترك اهله وبيته والتحق بالمقاتلين.

لا إكراه في القتال

قد لا تكون الدعوة الى القتال إجبارية، إلّا أنّ الخطر القريب جعل العراقيين يلبّون النداء، حيث يتمركز الخطّ الأول على خطوط دفاعية من الرمادي الى كربلاء وجرف الصخر والنجف والفلّوجة.

ويشرح آمر سرية الإمام الحسن للمغاوير في لواء العباس، علي سالم الإبراهيمي، لـ»الجمهورية»، أهمية الانتشار حيث نظموا أنفسهم في مجموعاتٍ تقاتل على الخطوط الأمامية، وفي خطوط خلفية إذا ما سقط أيّ خط. يركزون على الحراسة ومراقبة البادية المتصلة مع النجف والفلّوجة ومناطق انتشار «داعش».

الدليل على أنّ القتال سيطول، هو تنظيم ألوية العتبات الدينية أنفسها ضمن فرق متخصِصة، حيث يُجرى تدريب المقاتلين على خوض حرب الصحاري، وإنشاء فرق جديدة لخوض حرب الشوارع، لأنّ القصف الجوّي لا يكفي وحده إذا لم تتحرّك قوّاتٌ على الأرض لقضم المناطق وتحريرها.

قبل مغادرتنا مخيّم لواء العبّاس، لا ينسى المقاتلون الذين يتدربون ويستعدون للالتحاق برفاقهم إلقاءَ التحية الدينية، ويعتبرون أنهم سيقاتلون حتى الرمق الأخير وأنّ الأسلحة تكفيهم، وهم يخوضون معركة وجودية.

الخوف السياسي

إذا كانت معنويات المقاتلين مرتفعة، فهذا لا يعني أنّ المعركة ستُحسَم غداً. فخلال جولتنا على العلماء الشيعة ومرجعيات النجف، نكتشف أنّ وضعَ البلاد صعب. إذ يقول العلّامة السيد مهدي الخرسان الذي إلتقيناه في منزله القريب من مرقد الإمام علي وهو أحد كبار العلماء الشيعة، إنها مؤامرة على بلاده، مخطّطٌ لها منذ الخمسينات ولا أحد يعرف الى أين يتّجه الوضع في العراق.

بعد زيارتنا الخرسان توجّهنا الى المرجعية الشيعية الثانية في العراق السيد محمد سعيد الحكيم، الذي يعتبر أنّ «قدرنا المقاومة، وكثيراً ما قاومنا وصمدنا، وكنا دائماً نخرج من المِحن». ويطلب «إعطاء وقت للحكومة الجدّيدة لكي تنجح».

وحّدت المرجعياتُ الشيعية القيادةَ السياسية تحت لواء السيستاني، لكنّ العلّامة محمد بحر العلوم ولدى سؤالنا أيّ وسيلة إعلامية في لبنان نُمثِل، ونجيبه «الجمهورية»، يدعو بحزمٍ على رغم مشكلات بلاده، الى انتخاب رئيسٍ في لبنان، ويقول إنّ «على الجميع التوحّد لمحاربة «داعش»، لأنّ العراق يتعرّض لحربٍ كبيرة والتكفير لا يرحم أحداً».

يبدو أنّ أفق الحرب العراقية ضبابي، ولا شيءَ قريباً يوحي بالحلّ. فبلاد الرافدَين تُنازع وسط انتشار الإرهاب والحرب الدينية ورسم خريطة المنطقة، على وقع قصف طائرات التحالف الدَولي مراكزَ «داعش».

لكنّ المشكلة الكبرى التي تواجه العراق وتمزّق نسيجه هي تهجير المسيحيين من أرضهم، فقدّ التقت «الجمهورية» بعضَ العائلات المسيحيّة على الطريق بين النجف وكربلاء، حيث تحظى باهتمامٍ خاص من الحسَينيات هناك، لأنه على حدّ قول أحد المسؤولين في الحسَينية إنّ «المسيحيين هم أقلية ويجب الحفاظ عليهم»، فيما يروي الياس حنّا قصة هروب مئات العائلات المسيحية من الموصل الى تركيا ولبنان، أمّا الفقراء فقد أتوا مع الشيعة في الموصل الى النجف وكربلاء.