IMLebanon

الجمهورية» تكشف مُسَوَّدة الإتفاق في قضية إدارة الأعمال

لم يكن يتوقّع اللبنانيون أن يكون عَقدهم الاجتماعيّ قد وصلَ إلى هذا الحدّ من الضعف و»الهشاشة»، وانعدام الثقة بين مكوّناته. ما حصلَ في قضيّة تعيين مدير كلّية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية – الفرع الثالث، أظهَر مدى تراجُع لا بل فقدان الوعي والانتماء الوطني، في مقابل طغيان الفكر الطائفي والمذهبي الضَيّق بين اللبنانيين.

تشاء الأقدار أن تتزامن قضية تعيين مدير كلّية إدراة الأعمال في طرابلس الدكتور أنطوان طنّوس، مع قضية شائكة أخرى تتعلّق بردمِ الحوض الرابع في مرفأ بيروت. قضيتان نتجَ عنهما ارتدادات وانعكاسات، أصابَت الوحدة اللبنانية في الصميم، وكشفَت عن العيوب التي تحيط بتلاحُمِنا وعيشِنا الواحد.

لكنّ خطورةَ وحساسيّة ما شهدَته كلّية إدارة الأعمال، تعَلّقُها بفئة عمريّة تتطلّع لوطن مثاليّ، ينعَم بحياةٍ سياسيّة نظيفة مرتكزة على مبادئ الديموقراطية والحرّية وتقبَل الرأيَ والرأي الآخر، وحياة اجتماعية تقوم على مفهوم تكريس العيش الواحد بين جميع اللبنانيين.

ما هي حقيقة ووقائع ما حصلَ في تعيين مدير كلّية إدارة الأعمال في طرابلس وخَلفياتها؟

يوضِح مسؤول أكاديمي في أحد التيارات السياسية وهو على درايةٍ بتفاصيل هذا الملف لـ»الجمهورية»: «المشكلة ليست في تعيين مدير من الطائفة المسيحية لكلّية إدراة الأعمال في الفرع الثالث. هذا التوصيف أرادَه البعض في محاولةٍ لنَقل القضية من مكان لآخر. نحن ضدّ هذا الكلام ولا نؤمِن به إطلاقاً. القضيّة تتعلّق بملفّ التعيينات الصادرة عن إدارة الجامعة اللبنانية».

ويؤكّد هذا المسؤول: «تجمَعُنا علاقة صداقة واحترام مع زميلنا الدكتور طنوس الذي صدرَت مذكّرة بتعيينه مديراً للكلّية، لكنّ الأمر لا يتعلّق به بتاتاً ولا بمناقبيتِه أو جَدارته. إلّا أنّنا وصلنا مع المسؤولين عن الجامعة اللبنانية إلى طريق مسدود، إذ وللمرّة الأولى في تاريخ الجامعة اللبنانية، تخرج التعيينات النهائية 13 مركزاً للشيعة مقابل 10 مراكز للسُنّة».

مصادر أكاديميّة في تيار «المستقبل» تؤكّد أنّ المسؤولين عن الجامعة اللبنانية «أقرّوا تعيينات فئوية وحزبية ضيّقة وكيديّة في فروع كثيرة، لعلّ أبرزَها كلّية الحقوق في صيدا».

وتشير المصادر نفسُها إلى أنّ الرئيس نجيب ميقاتي حين كان رئيساً للحكومة، كانت تجمعه علاقة وطيدة برئيس الجامعة اللبنانية الذي كلّف حينها الدكتور حسن زين الدين، وهو ذو انتماء حزبيّ معروف، لتوَلّي عمادة كلّية العلوم، بعدما تمَّ ترفيعُه إلى رتبة «بروفسور»… فتداعَى أساتذة الكلّية للاجتماع مع الرئيس ميقاتي لنَقلِ اعتراضهم على هذا التعيين، فما كان منه إلّا أن وقفَ معَبّراً عن تضامنِه وأنّه سيُصدِر بياناً بعد اللقاء يتوافق مع رأي الأساتذة، ولا نزال حتى اليوم ننتظر هذا البيان!»، يضيف المصدر.

من جهتها، تؤكّد مصادر مواكِبة لملفّ التعيينات، لـ»الجمهورية» أنّ «ميقاتي لم يكتفِ بعدمِ إصدار البيان بل كرّمَ رئيس الجامعة اللبنانية في طرابلس، ونالَ بعدها حصّةً وازنة في ملفّ الأساتذة المتفرّغين، وتعيينات الجامعة اللبنانية، لعلّ أبرزَها مدير كلّية إدارة الأعمال السابق».

وتَعتبر المصادر نفسُها أنّ انقلابَ ميقاتي على رئيس الجامعة «ينبع من تعيين الدكتور طنّوس مديراً لكلّية إدارة الأعمال وعدم التزام الاتّفاق السابق معه، والذي كان يقضي إمّا بالتجديد للدكتور فضل يخني مديراً لكلّية إدارة الأعمال، أو الإتيان بشخصٍ موالٍ له».

وتضيف المصادر: «سارَع ميقاتي للانضمام إلى صفوف تيار «المستقبل»، لا بل تصَدَّر الحملة على رئيس الجامعة، وفي الوقت نفسِه اضطرّ لمواجهة صديقه النائب سليمان فرنجية، باعتبار أنّ الدكتور طنّوس مدعوم من تيار «المرَدة» مباشرةً».

وتلفتُ المصادر إلى أنّ «اجتماع كلّ من «المستقبل» وميقاتي على هذه القضيّة أعطى انطباعاً بأنّ المسلمين يرفضون تعيينَ المسيحي مديراً لكلّية إدارة الأعمال في طرابلس، وهو أمرٌ لا يمتّ للحقيقة بصِلة، فالقضية الأساس أنّ الرئيس ميقاتي يريد الحفاظَ على هذا المركز في طرابلس من خلال تعيين شخصٍ قريب منه، في حين أنّ «المستقبل» يريد من رئيس الجامعة الحفاظَ على التوازن المذهبي في التعيينات الإدارية لكلّ الفروع».

كيف سارت الأمور، وما هي التسوية المنتظَرة لمعالجة هذا الملف؟

مصادر «المستقبل» تؤكّد لـ«الجمهورية» أنّه لولا اقتناع رئيس الجامعة اللبنانية بصحّة الاعتراض على قرار تعيين الدكتور طنّوس مديراً لكلّية إدارة الأعمال، لَمَا تراجعَ عن قراره. فهناك أمورٌ لا يمكن المساسُ بها.

وتقول المصادر إنّ «المستقبل» وقيادته لا يمكن أن تدخلَ إطلاقاً في بازار ونقاش طائفيّ في البلد، والدليل أنّ 80 في المئة من موظّفي الجامعة اللبنانية في طرابلس هم من أبناء الطائفة المسيحية، ولم يعترض أحد على هذا الموضوع، خصوصاً أنّنا نَعلم أنّ فروع الجامعة اللبنانية في طرابلس، هي فروع لكلّ محافظة الشمال من البترون وصولاً إلى أقاصي عكّار.

وتشير المصادر إلى «أنّنا نريد تعزيزَ الوجود المسيحي في طرابلس، لذلك نبحث عن الحلول الكفيلة بضمان مراكز الطائفة المسيحية في التعيينات، لكن في المقابل يجب مراعاة التوازنات الأخرى».

تسوية.. للحلّ

وتكشف هذه المصادر لـ«الجمهورية» أنّ تيار «المستقبل»، وحفاظاً على التوازنات الطائفية وتعزيزاً للانصهار الوطني، عرضَ مسَوّدة حلّ مساءَ أمس على كلّ الفرَقاء، تقضي بما يلي:

1 – يوافق «المستقبل» على تعيين مدير كلّية الحقوق في صيدا من الطائفة المسيحية محسوباً على «التيار الوطني الحر»، بعدما كان موقعاً للطائفة السُنّية محسوباً على تيار «المستقبل».

2 – تعيين مسلِم سنّي مديراً لكلّية إدارة الأعمال في طرابلس «بالاتّفاق بين ميقاتي والمستقبل».

3 – تعيين مسلِم سنّي مديراً لكلّية العلوم الاجتماعية في صيدا محسوباً على «المستقبل».

4 – تعيين مسيحي مديراً لكلّية العلوم الاجتماعية في طرابلس محسوباً على تيار «المرَدة».

5 – تعيين مسيحي رئيساً لمركز الترميم والآثار التابع للجامعة اللبنانية في طرابلس.

هذه المسَوّدة، تقول المصادر نفسُها، وافقَ عليها كلّ من ميقاتي وفرنجية ورئيس الجامعة اللبنانية، «في انتظار موافقة العماد ميشال عون لتصبحَ موضعَ التنفيذ، ليُصار بعدها فوراً إلى تعليق الإضراب في كلّية إدارة الأعمال في طرابلس، وعودة الطلّاب إلى مقاعد الدراسة».