Site icon IMLebanon

تعويل لبناني على إنعاش إيراني للرئاسة

على رغم أنّ الإطار العام لزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تمَّ تحديدُه بملفّين أساسيين: الاتفاق النووي، والمبادرة السياسية لحلّ الأزمة السورية، إلّا أنّ بعض الأوساط السياسية رأت في الزيارة مدخلاً لحلّ الأزمة اللبنانية من باب رئاسة الجمهورية، خصوصاً أنّها تتزامن مع انعقاد الجلسة النيابية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية غداً. واعتبَرت الأوساط أنّ طهران لن تكتفي بإطلاع المسؤولين على حيثيات النووي والمبادرة، إنّما ستستطلع جدّياً كيفية الخروج من المراوحة اللبنانية. ولم تستبعد الأوساط أن يحمل ظريف مبادرةَ حلّ لبنانية على غرار المبادرة السورية، سيّما وأنّ الملف اللبناني هو مِن أسهل الملفات في المنطقة، وبالتالي السؤال اليوم: هل تشَكّل زيارة ظريف فاتحةً لمرحلة لبنانية جديدة؟ لا شكّ في أنّ الأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كان فعلاً تمَّ وضعُ الملف اللبناني على نارٍ حامية.

عشيّة وصول ظريف إلى لبنان، استقبلَ رئيسُ مؤسسة الإنتربول نائبُ رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والداخلية السابق الياس المر أمس السفيرَ الإيراني في لبنان محمد فتحعلي، وعرضَ معه للتطوّرات في لبنان والمنطقة. وبَعد الظهر، استقبلَ المر السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل، وعرضَ معه لآخر التطوّرات المحلية والإقليمية والدولية وآفاقَ المرحلة المقبلة.

لقاءات ظريف

وفي غمرةِ التأزّم السياسي، يبدأ وزير الخارجية الإيراني الذي يصل إلى بيروت بعد ظهر اليوم لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين والتي تشمل رئيسَ مجلس النواب نبيه برّي ورئيسَ الحكومة تمام سلام ووزيرَ الخارجية جبران باسيل والأمينَ العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله، وعدداً من القيادات الأخرى، من دون أن تستبعد المعلومات أن يكون في مقدّمها عون.

مصادر ديبلوماسية

وقالت مصادرديبلوماسية في بيروت لـ»الجمهورية» إنّ زيارة ظريف للبنان تأتي في إطار جولته على بلدان في غرب آسيا، والغاية منها شرحُ جوانب الاتفاق النووي بين إيران ودوَل الغرب، وإتاحة الفرصة للمساعدة في حلّ المشكلات الإقليمية وتعزيز التعاون بين إيران وهذه الدوَل.

وأشارت المصادر إلى أنّ هذه الزيارة للتأكيد أنّ نهجَ إيران تجاه سوريا والمقاومة اللبنانية لم يتغيّر، خِلافاً لاعتقاد البعض، كذلك إنّها تشَكّل رسالة واضحة مفادُها استمرار سياسة إيران في كلّ المجالات.

وأضافت المصادر أنّ للبنان والمقاومة مكاناً مهمّاً في السياسة الخارجية الإيرانية، بدليل أنّ إيران لم تتردّد في السنوات الأخيرة في تقديم أيّ دعم للبنان، كذلك فإنّ قضية فلسطين والمقاومة ضد إسرائيل هي من المكوّنات الأساسية للسياسة الخارجية الإيرانية. ولهذا فإنّ إيران دعَمت منذ انتصار ثورتها ولا تزال شعوبَ لبنان وفلسطين وسوريا ضد إسرائيل.

وأشارت المصادر إلى أنّ طهران تُثمّن عالياً مواقفَ المسؤولين اللبنانيين والشعب اللبناني الإيجابية تجاهها، بعد الاتفاق النووي، وقد ظهرَت هذه المشاعر الحارّة والصادقة في رسائل هؤلاء المسؤولين وقادة الأحزاب السياسية وحتى فئات الشعب اللبناني إلى السفارة الإيرانية في بيروت.

وأكّدَت المصادر الديبلوماسية أنّ ظريف، إلى تناوُلِه موضوعَ الاتفاق النووي، سيَبحث مع المسؤولين اللبنانيين في تعزيز التعاون الإقليمي والتعاون الثنائي، وسيؤكّد تمسّكَ إيران بسياستها المبدئية في دعمِ المقاومة ضد إسرائيل.

وسيَبحث ظريف أيضاً في مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصاً أنّ إيران حقّقَت في السنوات الأخيرة، على رغم العقوبات الغربية، تقدّماً كبيراً في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية. وفي هذا المجال، يمكن لبنان وإيران أن يتعاونا على هذا الصعيد.

وأكّدَت المصادر نفسُها أنّ موقف إيران الدائم إزاءَ شؤون لبنان الداخلية هو عدمُ التدخّل فيها، وهذا الموقف يؤكّده دوماً ويشَدّد عليه السفير الإيراني في بيروت محمد فتحعلي.

ترَقّب محطتين

يتوزّع الاهتمام السياسي بين عناوين عدّة، أبرزُها الوضع الحكومي بعد تفاقمِ الأزمة السياسية بين رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون والحكومة، وسط ترَقّب محطّتين، الأولى اليوم تتمثّل باجتماع «التكتّل» والمواقف التي ستَصدر بَعده، والثانية بعد غدٍ الخميس، حيث ستتحوّل جلسة مجلس الوزراء ساحةَ اختبار للتضامن الوزاري.

وكان رئيس الحكومة تمام سلام التقى أمس عشيّة سَفره إلى الأردن، وزيرَ الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، ثمّ وزيرَ الصحة العامة وائل أبو فاعور وعرضَ مع كلّ منهما الأوضاع العامّة.

«التكتّل»

وفي هذه الأجواء، تشخصُ الأنظار إلى الرابية مجَدّداً اليوم، لرصدِ المواقف التي ستصدر عقبَ الاجتماع الأسبوعي لتكتّل «التغيير والإصلاح»، والذي سيُجري تقييماً للتطوّرات الحاصلة منذ الجلسة الاستثنائية التي عقدَها يوم السبت الماضي والتي دعا بعدها رئيسُه النائب ميشال عون المناصرين واللبنانيين إلى الجهوزية، كذلك سيَبحث المجتمعون في المستجدّات الأخيرة قبل جلسة مجلس الوزراء الخميس.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ عون سيترَأّس اجتماعاً آخر بعد اجتماع «التكتّل» لمنسّقي القرى والمناطق ومختلف القطاعات الشبابية والمهنية والنقابية في «التيار»، لعرضِ آخِر خططِ التحرّك على الأرض.

وفيما أكّدَت مصادر مواكِبة لخطّة التحرّك أنّ الرابية تحوّلَت في الأيام الأخيرة خليّة نحل لدرسِ وتنسيق التحرّكات الشارعية، لم تستبعِد أن يطلقَ عون غداً صفّارة انطلاق هذا التحرّك في حال لم تؤَدّ المساعي التي يُجريها أكثرُ مِن طرف إلى شيء ملموس لمعالجة المأزق القائم.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ الاتصالات التي جرَت أمس مع عون فشلت في انتزاع موقف واضح منه لمعرفة طريقة تحرّكه والقرارات التي سيُقدِم عليها على صعيد الشارع، وهو اكتفى بالرد على سائليه بالقول: «سترَون في الوقت المناسب وستتفاجأون»، في وقتٍ لا تشير المعطيات الموجودة لدى الأجهزة الأمنية إلى احتمال حصول تحرّك واسع على صعيد الشارع.

كما علمت «الجمهورية» أنّه يتمّ التحضير للقاء بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» على مستوى وزير الخارجية جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل، ترجمةً لوساطة قامَ بها خلال الأيام الماضية المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لترطيبِ الأجواء بين «أمل» و»التيار» من جهة، ولاستكمال مبادرة ابراهيم التي تنصّ على رفع سِنّ التقاعد للعسكريين ثلاث سنوات من جهة ثانية.

البَحث عن مخارج

وكشفَت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ المفاوضات التي يقودها أكثر من وسيط شهدَت تبادلاً لعددٍ قليل من المخارج المقترحة في إطار حركة الرسائل والمقترحات المتبادلة التي ما زال معظمها قيدَ التكتُّم الشديد.

«حزب الله» و«التيّار الحر»

وفيما الاتصالات مقطوعة بين تيار «المستقبل» والرابية، علمَت «الجمهورية» أنّ الساعات المقبلة ستحمل اتّصالاً بين»حزب الله» و»التيار الوطني الحر» لوضعِ إطارٍ للمعارضة، عِلماً أنّ الحزب أبلغَ إلى عون أنّه في الوقت الذي يتضامن فيه معه فإنّه يَعتقد أنّ فتحَ موضوع التمديد للقادة العسكريين والأمنيين أصبح وراءَنا ولم يعُد طرحاً قابلاً لإيجاد أصداء وآذان صاغية، ولم يعُد هناك مِن فائدة لإثارته، ومِن الأفضل تركيز المعارضة على غير الجيش، لأنّ للحزب مصلحةً مع الجيش على الجبهة الشرقية والشمالية، والتنسيقُ قائم معه على صعيد مكافحة الإرهاب وملاحقة الخلايا التكفيرية، وبالتالي فإنّ الحزب لا يستطيع أن يدخل في أزمة مع المؤسسة العسكرية، وخصوصاً مع قائد الجيش، وبالتالي فإنّ نصيحتَه لعون هي أن يحاولَ استيعابَ الوضع من خلال تصعيد سياسيّ وإعلامي، ولكن ليس تصعيداً ضدّ المؤسسة العسكرية.

رسائل للتهدئة

وفي سياق متّصِل، كشفَت مصادر حكومية لـ«الجمهورية» أنّ «حزب الله» سَلّمَ إلى حلفائه والعماد عون رسالةً مختصَرة مفادُها ضرورة ضبط النفس إلى الحدود القصوى وعدم التوَرّط في أيّة مواجهة مع الجيش على خلفيةٍ تزرَع الشكوكَ في دور المؤسّسة العسكرية التي تقوم بمهامّ وبأدوار بالغة الدقّة في أخطر المراحل التي تعيشها البلاد، سواءٌ على الحدود اللبنانية – السورية من جرود رأس بعلبك وعرسال إلى القطاع الأوسط والبقاع الغربي ومن وادي خالد إلى الحدود اللبنانية – السورية الشمالية كما في الداخل اللبناني حيث الخطط الأمنية جارية التنفيذ في الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى من لبنان، وهي أمور يعطيها الحزب الأولوية في هذه المرحلة وتتقدّم بالتأكيد على ملفّ التعيينات في المواقع العسكرية أيّاً كانت الظروف التي رافقَتها.

وفي الرسالة نصيحة بأنّ أية معركة مع الجيش اللبناني هي معركة خاسرة وليس أوانها على الإطلاق، ولذلك كلّه قد يوقف العماد عون كلّ السيناريوهات التي ينسجها إذا ما قاربَت أيَّ شكلٍ من أشكال المواجهة في الشارع مع الجيش، والتي ستكون مواجهةً خاسرة بكلّ المعايير والمقاييس السياسية والعسكرية والأمنية.

وأخرى للاستقرار

وفي الإطار عينه كشفَت المصادر لـ«الجمهورية» عن تبَلّغِ المراجع الحكومية الرسمية رسالةً مشابهة من القيادة الإيرانية وصلت على عجَل عشيّة زيارة ظريف إلى بيروت اليوم، وهي تدعو إلى الحفاظ على الاستقرار في لبنان على أنّه أمرٌ يتمتّع بدعمِ ورعاية كلّ الأطراف الإقليميين والدوليين، ولا سيّما إيران والمملكة العربية السعودية، كما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وغيرها من دوَل مجموعة الخمسة زائداً واحداً.

كنعان

وعشية اجتماع «التكتّل» قال النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية»: «إنّ محاولات تجميد الوضع وتحميلنا مسؤولية الشغور الرئاسي والتعطيل الحكومي والتشريعي هي مشاركة في جريمة اغتيال الحضور المسيحي الفاعل في النظام السياسي للمرّة الثالثة منذ الطائف.

فـ 13 تشرين 1990 لا تزال ماثلةً أمامنا، والتحالف الرباعي الذي أطاح بفرصةِ تثمير استعادة سيادة لبنان واستقلاله على المستوى الداخلي من خلال استعادة الدور والشراكة الحقيقة والديموقراطية، واليوم نرى بعد أن لاحَ في الأفق، إقليمياً ودولياً، اتّفاقٌ مِن المؤكّد أنّه سيقود إلى رسم خريطة جديدة في لبنان والمنطقة، توالت المحاولات لحذفِ «التيار الوطني الحر» من المعادلة، ومِن المؤسف أن يغَطّي هذه المحاولة بعضُ الذين يَدّعون الديموقراطية والحقوقَ ومنطقَ الدولة.

نحن أصحاب قضية ولا خيارَ لنا سوى رفض هذا الواقع الذي لم يترك لنا إلّا المواجهة، ولم نعتدِ الهروب أو الانكفاءَ، ونُذكّر مجَدّداً بأنّه إذا ربحَ «التيار» خياراته فسيستفيد الجميعُ، وخصوصا المسيحيين، أمّا إذا خسر، فالجميع خاسرون، لأنّ الدولة لن تقوم على منطق الغالب والمغلوب كما رأينا في السنوات العشرين الماضية».

أوغاسابيان

وفي المواقف، قال عضو كتلة «المستقبل» النائب جان أوغاسابيان لـ»الجمهورية»: «لا نستطيع الفصلَ بين العماد جان قهوجي والجيش، وبالتالي إنّ استهداف العماد قهوجي يَعني استهدافَ الجيش، وهذا أمرٌ مرفوض. فالمرحلة الراهنة تقتضي الوقوفَ إلى جانب الجيش وعدمَ إدخاله أو زَجِّه في الصراعات السياسية».

وأضاف: «في النتيجة، إنّ قرار التمديد للعماد قهوجي هو قرار سياسيّ، وفي الوقت نفسه جاءَ نتيجة الشغور في رئاسة الجمهورية، وعدم قدرةِ الحكومة على اتّخاذ أيّ قرار، ومنها هذا القرار، وفي الوقت نفسِه عندما يطالب «التيار الوطني الحر» بأن يُتّخَذ القرار في مجلس الوزراء بالإجماع، فهذا أمرٌ لا يسَهّل الأمور بل يصَعّبها».

وقال: «لقد استطاع الجيش على رغم كلّ المخاطر الأمنية في الداخل وعلى الحدود، حماية الاستقرار الداخلي وفي الوقت نفسه حماية الحرّيات، ولا يجوز بأيّ شكل إدخاله في معمعةِ الخلافات التي تتّجه إلى مزيد من التوتّر والتشنّج في انتظار الحلّ الإقليمي».

وعن زيارة ظريف إلى لبنان قال أوغاسابيان: «هي زيارة تشاوُر، وفي الوقت نفسِه للوقوف على مواقف الأطراف السياسية، وتحديداً رئاسة الحكومة، ولكن لا نستطيع انتظار حلول فورية. مِن الواضح أنّ هناك حراكاً إيرانياً في المنطقة، ومِن المرجّح أن يكون بغطاء أميركي ـ روسي.

ولبنان يتأثّر سَلباً أو إيجاباً بالتحوّلات الإيجابية أو السلبية في سوريا، و ما نستطيع فعله في خلال مرحلة الانتظار والمرحلة الانتقالية هو إدارة خلافاتنا والحدّ مِن الخسائر إلى حين الحلّ».