IMLebanon

مانشيت:ضغط دولي لتحصين لبنان وتحييده.. وباريس تتحدّث عن مبادرات

إنشغلَ اللبنانيون في تقييم المقابلة التلفزيونية لرئيس الحكومة سعد الحريري، وفي محاولةِ قراءة ما بين سطورها، فيما الأجواء الداخلية بدأت تسلك مساراً تراجعياً لجوّ الاحتقان السياسي والشعبي الذي ساد لبنان منذ «سبتِ الاستقالة»، والذي ترافقَ مع تخوّفات من آثار جانبية سلبية للاستقالة وخصوصاً على الوضع المالي والاقتصادي. وإذا كانت العودة المرتقبة للحريري هي العنوان الأساس الذي انضبَط تحته الوضع الداخلي بشكل عام، إلّا أنّ اللافت للانتباه فيه، هو أنّ الإيجابية بدأت تتسلّل إلى مواقف أركان الدولة، وظهر ذلك جليّاً في الأجواء التفاؤلية التي يمكن لحظُها في المقرّات الرئاسية والتي صارت تتحدّث عن عودة وشيكة للرئيس المستقيل، وضمن سقفِِ زمنيّ لا يتعدّى أياماً قليلة. وتتقاطع مع حركة دولية صبَّت كلّها في اتّجاه الدفع نحو تبريد الأزمة الراهنة والنأي بلبنان عن أيّ توتّرات، وسط حديثٍ فرنسي عن مبادرات تَخدم هذا المنحى، ولكن من دون أن يكشف عن ماهية هذه المبادرات، ولا عن زمان إطلاقها.
عشرة أيام مرّت على إعلان الحريري استقالته، فيما الداخل اللبناني تحرّكَ في الساعات الاربع والعشرين الماضية على وقع ما اعلنَه في مقابلته التلفزيونية من الرياض.

واللافت للانتباه في هذا السياق، كانت المقاربات الايجابية لِما قاله، وهو ما عكسَه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتوقفِه باهتمام عند قوله بـ«أنّ التسوية السياسية لا تزال قائمة»، وكذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قرأ في كلام الحريري إيجابيات، إلّا انّ الاهمّ في نظره هو ان يعود الرئيس الحريري ليُبنى على الشيء مقتضاه، مع تفضيله عودتَه عن استقالة، حيث قال: «العدول عن الاستقالة فيه عدالة».

فيما بَرز موقف كتلة «المستقبل»، الذي اكّد على مواقف زعيمه على مبدأ النأي بالنفس، ورفض كلّ أشكال التدخّل الإيراني وأدواته في الشؤون الداخلية لجميع البلدان العربية الشقيقة. وتقاطع ذلك مع مواقف داخلية دعَت الى وجوب انسحاب «حزب الله» من أزمات المنطقة.

بعبدا

إلى ذلك، أبدى عون سروره لإعلان الحريري عن قرب عودتِه الى لبنان، وقال بأنه ينتظر هذه العودة للبحث معه في موضوع الاستقالة وأسبابها وظروفها والمواضيع والهواجس التي تحتاج الى معالجة، لافتاً الى انّ الحملة الوطنية والديبلوماسية التي خاضها لبنان من اجلِ جلاءِ الغموض حول وضعِ الرئيس الحريري في المملكة العربية السعودية أعطت نتائجها الإيجابية.

وتوقّفَ عون عند ما اعلنَه الحريري من انّ التسوية السياسية لا تزال قائمة، وأنّ مسألة عودته عن الاستقالة واردة من ضِمن خياراته.

وأبلغت دوائر قصر بعبدا «الجمهورية» ارتياحَ رئيس الجمهورية الى حصيلة المشاورات التي قام بها على اكثر من مستوى سياسي وديبلوماسي.

وعبّرت عن حِرص عون على مبادلة الحريري مشاعرَه الشخصية تجاه رئيس الجمهورية، وهو ما دفعَه الى المزيد من مواقف الدعم، معتبراً أنّ عودته هي الأولوية التي لا تتقدّم عليها ايّ قضية، لِما لها من أبعاد وطنية تتجاوز الملفّات الأخرى أياً كانت اهمّيتها.

وقالت هذه الدوائر إنّ عون سيواصل اليوم مشاوراته مع الهيئات الحزبية والسياسية، فيلتقي عدداً من التجمّعات السياسية والوطنية قبل ان يخصّص يوم الأربعاء للملفّ الإعلامي بلقاءات تشمل النقابات الإعلامية ومنها نقابة محرّري الصحافة اللبنانية.

بيت الوسط

وتزامُناً مع إبقاء جلسات كتلة «المستقبل» ووزرائها مفتوحة لمراقبة التطورات المحيطة بالمساعي المبذولة لمواكبة عودة الحريري، عبّرت اوساط بيت الوسط لـ«الجمهورية» عن ارتياحها المطلق الى شكلِ المقابلة المتلفزة ومضمونِها، لِما شكّلته من عامل اطمئنان لدى جمهوره خصوصاً واللبنانيين عموماً.

ونفَت الكثير ممّا ذكر حول الأوضاع السياسية والحزبية الداخلية في «التيار»، ورأت في معظم ما نشِر فبركات وأوهام لم تكن مطروحة للحظةٍ في هذه الأزمة ولا قبلها ولن تكون مطروحة بعدها. وأكّدت انّ مواقف الحريري هي السقف الأعلى لمواقف «التيار» بكامل هيئاته القيادية وعلى مختلف المستويات السياسية والحزبية والشعبية.

وقالت الأوساط إنّ الحديث عن امور تتصل بغير عودة الحريري الى بيروت ليس أوانها، وإنّ هذه العودة مفتاح النقاش في الكثير من القضايا المثارة بما فيها من تسريبات وروايات لا أساس لها من الصحّة على الإطلاق.

مرجع مسؤول

وقال مرجع مسؤول لـ«الجمهورية» إنّ السقف الزمني لعودة لحريري الى بيروت ثلاثة ايام، وهناك اجواء إيجابية تؤكد هذه العودة ضمن هذه الفترة، ونحن ننتظر عودته ليُبنى على الشيء مقتضاه. وأضاف: هناك إيجابية كبيرة في كلام الحريري وينبغي التوقّف عندها.

وعمّا إذا لم يعد الحريري من الآن حتى نهاية الاسبوع الحالي، أجاب: «الأجواء التي لدينا مشجّعة والجوّ الدولي مشجّع، من الاميركيين الى البريطانيين الى الفرنسيين وكذلك الألمان، وهذا الجو يجعلنا نقتنع بأنّ الرئيس الحريري سيأتي وآملُ قبل نهاية الاسبوع.

وسُئل لو أنّ الحريري لم يعُد من الآن وحتى نهاية الاسبوع، فأجاب: ساعتئذٍ لكلّ حادثٍ حديث، الأجواء الداخلية اكثر من مشجّعة خصوصاً على مستوى التضامن الداخلي، وهو الأمر الذي يحصل في لبنان نكاد نقول للمرّة الاولى في تاريخه حيال قضية داخلية، وهذا الأمر يساعد اكثر على تمتينِ الداخل ومنعِ اختراقه من أيّ كان.

وردّاً على سؤال قال المرجع: يجب أن يكون معلوماً أنّ لبنان لا يستطيع ان يغرّد وحده ولا يقع ضمن صحراء وحده. لبنان ضمن الخريطة العربية وضمن المجموعة العربية وضمن العائلة العربية، وهو يريد افضلَ العلاقات مع كلّ العرب وفي مقدّمها السعودية.

تطمينات

وبالتوازي مع التطمينات الأمنية التي تؤكّد عليها المراجع الامنية، تطميناتٌ اقتصادية، وهو ما عكسَته مراجع معنية لـ»الجمهورية» بقولها: لبنان تجاوَز قطوعاً مالياً نتيجة المخاوف من انعكاس الاستقالة على الوضع المالي واتّخذت إجراءات حمائية نجحت في استيعاب المشكلة.

وعلمت «الجمهورية» أنّ اجتماعاً موسّعاً سيُعقد الخميس للقطاعات العمالية والاقتصادية بهدف تحصين الوضع الاقتصادي ومنعِ ايّ محاولة لاختراقه والتأكيد على متانتِه.

والملاحظ في هذا السياق أنّ الاسواق تجاوبَت مع المناخ الإيجابي الذي ولّدته إطلالة الحريري ومضمون كلامه الهادئ، وانعكسَ الامر من خلال تراجعِ الضغط السلبي على السندات اللبنانية في الاسواق الخارجية، وارتفاع أسعار الأوراق اللبنانية التي كانت قد تراجعَت الى مستويات قياسية في الأسبوع الماضي.

ويُعتبر ارتفاع أسعار السندات بمثابة إشارة الى توقّفِ حركة البيع وارتفاع الطلب مجدّداً بما يعني عودةَ الثقة بالوضع اللبناني.

في الموازاة، جاءت تطمينات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لترفعَ منسوبَ التفاؤل في الاسواق. وكرّر سلامة تأكيداته السابقة أنّ سعر الليرة مستقرّ وسيبقى كذلك. وأعاد التأكيد كذلك انّ البلد يواجه أزمة سياسية لكن لا وجود لأزمة نقدية.

الحريري والراعي

يأتي ذلك، في وقتٍ عكسَت أخبار الرياض نشاطاً ملحوظاً للحريري، تجلّى في لقاءات أجراها مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في السعودية ميكيلي سيرفون دورسو، والسفير الألماني في المملكة ديتر والتر هالر، والسفير البريطاني في الرياض سايمون كولينز.

وفي سياق متصل علمت «الجمهورية» انّ تواصُلاً تمّ بين الحريري وبعض القريبين منه في بيروت خلال الساعات الماضية، فيما ينتظر ان يُعقد لقاء بين الحريري والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي وصَل الى الرياض أمس، حيث يلتقي اليوم الملك سلمان بن عبد العزيز ووليَّ العهد الامير محمد بن سلمان الذي سيقيم مأدبة غداء على شرفه والوفد المرافق.

وأكّد الراعي في كلمة امام الجالية اللبنانية في السعودية، على أنّ «علاقات الصداقة بين لبنان والمملكة متجذّرة بالتاريخ». موضحاً أنه «على الرغم من الأزمات تبقى علاقة الاخوة تجمع لبنان والسعودية، التي كانت حاضرةً دائماً في أزمات لبنان الاقتصادية والسياسية، ولبنان لا يزول طالما أنّ التعايش الإسلامي – المسيحي قائم».

وعن دور «حزب الله» وإيران قال: «الحريري تحدَّث عن النأي بالنفس ويجب أن يتناولَ هذا الموضوع مع الرؤساء»، متمنياً أن «يعود الحريري الى بيروت في أقرب وقت».

الحركة الدولية

إلى ذلك، برز الاهتمام الدولي الواسع بما يجري في لبنان، وفيما أكّد المتحدت باسمِ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أنّ «ما من طريقة لنؤكّد طبيعة وجود الحريري في السعودية»، أعلنَت الرئاسة الفرنسية أنه «سُجّل بعض الانفراج بعد مداخلة الحريري على التلفزيون مساء الأحد».

واضاف بيان الاليزيه: «نبقى يقِظين جداً، سنرى ما سيحصل بالفعل خلال الايام المقبلة، وسنواصل أخذ المبادرات التي نفكّر فيها خلال مستقبل قريب، خصوصاً بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة».

وتابعَ البيان: «إنّ هذه المبادرات تبقى مرتبطة بتطوّر الأزمة، والأمور تتحرّك كثيراً». ولفتَ الى انّ «ماكرون وغوتيريس تطرَّقا الى المبادرات التي يتوجّب اتّخاذها لطمأنةِ اللبنانيين، وضمانِ الاستقرار في لبنان وحمايته من التأثيرات الاقليمية التي يمكن ان تكون مزعزعةً للاستقرار».

واعتبَر البيان: «أنّ الخروج من الأزمة الحالية يمرّ بعودة الحريري الى لبنان، وتمكينِه من تقديم استقالته الى رئيس الدولة في حال كان راغباً بالفعل بالاستقالة، ما لم يكن قد غيَّر رأيه منذ ذلك الوقت». وأشار الى انّ «فرنسا ضدّ كلّ التدخّلات في الأزمة اللبنانية، وأنّ هذه التدخّلات لا تأتي فقط من بلد واحد».

باسيل

ومِن المقرّر أن يستقبل ماكرون اليوم وزيرَ الخارجية اللبناني جبران باسيل الذي يزور باريس ضمن جولة تقوده الى بريطانيا، المانيا، بلجيكا، روسيا والإتحاد الأوروبي فتركيا، ناقلاً إليها الموقفَ اللبناني ورسائلَ خاصة من رئيس الجمهورية.

وحضَر الملف اللبناني في محادثات وزراء خارجية ودفاع الدول الأوروبية في بروكسل، وكان إجماع على الدعوة إلى عدمِ التدخّل بشؤون لبنان، وحماية دستوره. فيما أعلنَ المتحدّث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد محجوب أنّ بغداد تتواصل مع السعودية ولبنان لحلّ أزمة الاستقالة، كما اعلنَ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي أنّ بلاده لا تتدخّل في شؤون لبنان، وأنّ بلاده تتمنّى عودة الحريري إلى بيروت في أسرع وقت.