أعادت حادثة الجاهلية نسج خيوط الاصطفافات على الساحة الدرزية، حيث تجاوز الوزير طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب خلافهما وامتدت الجسور مجدداً بينهما، بعدما تضامن رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» مع بلدة الجاهلية، ومُسارعة رئيس «حزب التوحيد العربي» الى الرد على التحية بأحسن منها.
وتحت سقف «الوئام» المتجدد بين الرجلين، طالبَ وهاب بأن يؤول المقعد الدرزي الثالث في الحكومة المفترضة الى إرسلان، على قاعدة انّ المعادلة تغيّرت عقب موقعة الجاهلية، إضافة الى تأكيده انه سيزور دارة «المير» في خلدة لاحقاً، ضمن سياق لَمّ شمل القوى الدرزية التي تلتقي حول خيارات استراتيجية واحدة في مواجهة سياسات وليد جنبلاط.
ولكن، ماذا يقول إرسلان عن معاودة طرح مسألة توزيره؟ وهل من لقاء قريب مع وهاب؟
يؤكد ارسلان لـ»الجمهورية» انه ملتزم الاتفاق الذي سبق ان توصّل اليه مع الرئيس ميشال عون في شأن تسمية وزير درزي ثالث يكون قريباً في السياسة من خلدة، «وأنا متمسك بهذا التفاهم، ولن أتراجع عنه»، لافتاً الى انه شخصياً لم يكن راغباً من الاساس في توزيره «ولا أزال عند موقفي، وبالتالي ليست لدي أي حماسة للعودة الى الحكومة المقبلة». ويضيف: «انا اشكر وهّاب على محبته وعاطفته، ولكن الأمر انتهى، وما اتفقت عليه مع رئيس الجمهورية سيبقى ساري المفعول».
وبالنسبة الى احتمال عقد لقاء قريب مع وهاب بعد خصومة وقطيعة، يوضح ارسلان «ان الامور مرهونة بأوقاتها»، مؤكدا انفتاحه «على اي تعاون مستقبلي ما دام هناك تفاهم حول الخيارات السياسية الكبرى»، مضيفاً: «أنا لا أضيّع البوصلة، والمسائل الاستراتيجية تتفوق لدي على الاعتبارات التكتيكية، إنما علينا في الوقت نفسه أن نضع أسساً واضحة لأي لقاء، وأن نحدد مضمونه حتى يكون متناسباً مع التحديات التي نواجهها».
ويلفت الى انه لم يكن في استطاعته ان يسكت إزاء طريقة التعامل التعسفية مع الجاهلية، «على رغم من جرحي الشخصي، إذ انني لا أخلط بين جوانب شخصية وبين قضية تتعلق بحماية التنوع في الجبل. وبالتالي، ليس وارداً لدي أن أعطي براءة ذمة لأولئك الذين تصرفوا برعونة»، محذّراً من أنه «لو صمتنا فهذا سيعني أنّ كل صاحب رأي آخر في البيئة الدرزية سيكون مهدداً بالالغاء، الأمر الذي لن نسمح به».
ويستعيد ارسلان بمرارة واستغراب ما حصل في الجاهلية أخيراً، قائلاً: «إنّ اقتحام هذه البلدة الآمنة بقوة أمنية ضاربة لم يكن سوى ضرب من ضروب الهَبَل، وكأنهم كانوا يحررون القدس… يا للمسخرة». ويستهجن كيف انّ التبليغ القضائي يمكن ان يتم بهذه الطريقة الحادة والمنافية للأصول المتعارف عليها، «حيث تم انتهاك الحرمات وترهيب العائلات، في نوع من العقاب الجماعي للجاهلية التي صوروها متمردة على القانون والدولة، بينما الحقيقة هي انّ ما فعلوه هو الذي لا يمتّ بأيّ صِلة الى مفهومَي القانون والدولة».
ويعتبر ارسلان «انّ جهات عدة، رسمية وحزبية، متورطة في تلك المغامرة الطائشة والمتهورة، كلٌ وفق حجمه وحساباته»، لافتاً الى «انّ السحر انقلب على الساحر في نهاية المطاف، وصارت عملية الجاهلية ورطة لهم بكل المعايير». ويشدد على انّ سياسة الإلغاء والتسلط والهيمنة والتزوير المعتمدة لدى البعض في الجبل سقطت، وقد ثبت ان طائفة الموحدين الدروز لا تقبل مثل هذا السلوك»، مُنبّها الى «وجوب عدم تحميل الناس فوق طاقتها».
ويشير ارسلان الى انّ «سيناريو مُشابه لِما حصل في الجاهلية طَبّقوه من قبل في الشويفات، «حيث تمّت محاولة لاستفرادنا، وتمّ تسخير الاجهزة الامنية والقضائية لخدمة مآرب حزبية وفئوية»، معتبراً «انّ الدولة باتت سائبة للأسف، وحاميها حراميها». ويختم: «من المفارقات أن بعض الامن والقضاء تحوّل مشكلة بدلاً من ان يكون الحل، بسبب انحيازه المكشوف وتأثره بالضغوط».