بعد إقفال باب تقديم الترشيحات تركزت الأنظار باتجاه موعد إجراء الانتخابات النيابية في 16 تشرين الثاني، حيث تضج البلاد بالسيناريوات المحتملة، ومن أبرزها أربعة: إنتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل منتصف تشرين الثاني نتيجة تطورات دولية – إقليمية تؤدي إلى إنهاء الفراغ، الأمر الذي يفرض تأجيلاً تقنياً للانتخابات النيابية. إجراء الانتخابات في موعدها مع احتمال أن تقود هذه الخطوة إلى كارثة أمنية بفِعل غليان الشارع واستهداف القوى الإرهابية مراكز تجمّع المقترعين. التمديد بغية تلافي إشكالية من طبيعة دستورية تتصِل باستحالة إجراء استشارات التكليف، كما تلافي أيّ تسخين للواقع الشعبي والتفجيرات الأمنية. والفراغ الشامل نتيجة تعذّر إتمام الانتخابات وإقرار التمديد، وبالتالي الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي. وبانتظار أن تعتمد القوى السياسية أحد هذه السيناريوات، من المتوقع أن يتكثّف الحراك السياسي. وفي هذا السياق علمت «الجمهورية» انّ الأيام المقبلة ستشهد لقاءات قيادية على اكثر من محور تدور «رحاها» حول التمديد النيابي والجلسات التشريعية حصراً مع الحديث عن قرب الإفراج عن ملف سلسلة الرتب والرواتب. ومن بين هذه اللقاءات المتوقعة زيارة رئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون الى عين التينة وأخرى لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الى معراب، من غير استبعاد زيارة مماثلة لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الى كليمنصو، علماً أنّ عون كان قد بادر أمس بزيارة جنبلاط، واللافت في هذه الزيارة أنها جاءت بعد أسبوع على اللقاء الذي جمع عون بأمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله، وذلك على غرار زيارة جنبلاط لعون التي حصلت أيضاً بعد أسبوع على لقاء جنبلاط – نصرالله، ما يؤشّر إلى دور ما يقوم به أمين عام الحزب على هذا المستوى.
ينهَمك الداخل اللبناني في ترتيب شؤونه وتركّز الحراك السياسي على إنجاز التمديد النيابي بعدما تحوّل امراً واقعاً، مع بدء العد العكسي لانتهاء ولاية مجلس النواب في 20 تشرين الثاني المقبل، وسط نَفي رسمي لوجود ايّ صفقة في شأنه تحت الطاولة، وهو ما حرص رئيس مجلس النواب نبيه بري على تأكيده أمس مجدداً رفضه التمديد ومؤكداً حصول تقدّم في استئناف العمل التشريعي.
الحريري
في الموازاة، أشار الرئيس سعد الحريري، عبر «تويتر» مساء أمس، الى «أن كلاماً كثيراً سيُقال عن صفقة للتمديد لمجلس النواب»، وإذ شدد على «أننا ببساطة لن نشارك في الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية»، قال: «ليتفضّلوا الى إنهاء الفراغ في الرئاسة، ونحن على استعداد لأيّ استحقاق آخر. خلاف ذلك، هناك رهان على المجهول وربما السقوط في الفراغ التام».
… ويردّ على عون
وقالت أوساط سياسية لـ«الجمهورية» إن موقف الحريري جاء رداً على عون الذي كان قد أشار إلى أنّ «صفقة التمديد تمّت»، فأكد أن «لا صفقة ولا مَن يحزنون»، ورأت أنّ الحريري تقاطعَ مع بري في الردّ على كلام عون عن وجود صفقة، وأشارت إلى أنّ مواقف «المستقبل» ورئيسه لا تحتمل التأويل والالتباس، إنما هي بغاية الوضوح في التأكيد على أولوية الانتخابات الرئاسية، لأنّ إجراء الانتخابات النيابية في ظل الفراغ الرئاسي يمكن أن يُدخِل لبنان في الفراغ التام والمجهول.
وكانت كتلة «المستقبل» جددت موقفها «المبدئي بأنّ الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية قبل أيّ استحقاق آخر، وذلك في ظل استمرار الشغور في موقع الرئاسة، خصوصاً أنّ إجراء انتخابات نيابية في ظل هذا الشغور سيَشوبه عَيبان أساسيان، أوّلهما دستوري من خلال الفراغ المحتّم الذي سيحصل في حال إجراء الانتخابات النيابية قبل انتخاب الرئيس، فالحكومة ستصبح مستقيلة وما من جهة دستورية قادرة على إجراء الاستشارات النيابية المُلزمة، وبالتالي ستذهب البلاد إلى الفراغ الخطير بما يهدّد الكيان اللبناني من أساسه.
أمّا العيب الثاني فهو تزايد المخاوف الأمنية التي عبّر عنها سابقاً وزير الداخلية بناء على تقارير الأجهزة الأمنية المختصة، وبالتالي الوصول إلى إمكانية تعذّر إجراء الانتخابات النيابية بعد أن تكون ولاية المجلس قد انتهت».
فتفت لـ«الجمهورية»
وفيما تستعد قوى 14 آذار لحضور الجلسات النيابية التشريعية انطلاقاً من «تشريع الضرورة»، قال عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ«الجمهورية»: «إنّ موقفنا لم يتغير، لقد قلنا من اليوم الاول اننا مع تشريع الضرورة والذي يشمل سلسلة الرتب والرواتب والموازنة وقانون الانتخاب وسندات اليوروبوند وأموراً مالية، فنحن لم نغيّر موقفنا لا بل على العكس هم اليوم وافقوا على تشريع الضرورة بعدما رَفضوه في عهد الحكومة المستقيلة ثم رفضوه لاحقاً».
وإذ نفى وجود أيّ صفقة للتمديد النيابي، قال: «لم نجر أيّ صفقة بل لدينا موقف سياسي، فقد أعلنّا بكلّ صراحة اننا مع التمديد اذا لم تنجز الإنتخابات الرئاسية لنتفادى خطر الوصول الى فراغ دستوري، فنحن نتصرّف بعقل لا ندخل في سياسة شعبوية ولا نكذب على الناس بل نقول لهم انّ أيّ انتخابات نيابية تحصل في غياب رئيس جمهورية أمر بالغ الخطورة من الناحية الدستورية».
مصادر نيابية
الى ذلك، أشارت مصادر نيابية الى انّ اللقاءات التي أجراها بري مع كل من النائبين سامي الجميل وجورج عدوان تناولت الحاجة الى الخروج من المأزق التشريعي والدستوري.
ففي رأي برّي انه إذا بقيت البلاد في حال الجمود الرئاسي لا يمكن الإستمرار في الشلل التشريعي، حيث أنّ هناك اموراً يجب بَتّها حتى لو تقرّر المضيّ في الانتخابات النيابية، إذ على المجلس سَنّ قانون جديد بالمهل التي استهلكتها الحكومة في كثير من المحطات المتصلة بالانتخابات النيابية وليس على مستوى فقدان هيئة الإشراف على الإنتخابات فحسب، لأنّ هناك مهَلاً أخرى استهلكت ايضاً.
وقالت مصادر تواكب الحركة الإنتخابية انّ البحث يتركز على مضمون الدعوة الى هيئة تشريعية وتحديد جدول أعمالها والتوافق المُسبق على بَتّ، ليس فقط السلسلة وإصدار اليوروبوند، إنما حلّ قانون الانتخاب وإعادة النظر بالمهَل الجديدة التي ستؤدي حتماً الى التوافق على حجم التمديد للمجلس النيابي ومدته قبل القيام بأيّ أمر آخر، وذلك بغية إقفال الطريق على ايّ احتمال بالطعن بقانونية الإنتخابات إذا تَمّت في 16 تشرين الثاني المقبل.
وتعليقاً على الحديث عن صفقة ما للتمديد للمجلس في الجلسة عينها، قالت المصادر إن لا حاجة للصفقات، فمقاربة ملف الانتخابات النيابية ستفرض التمديد قانوناً ولا حاجة لصفقات تحت الطاولة أو فوقها. فالمخالفات الدستورية في ما حصل كثيرة وتتزايد يوماً بعد يوم، ولا بد من التمديد الذي سيكون امراً واقعاً لن يستطيع أحد تجاوزه.
عون ـ جنبلاط
وفي هذه الأجواء، جمع خطر «داعش» رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون برئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في كليمنصو أمس، في لقاء استمر لأكثر من ساعة، ووصِف بالإيجابي، وحرصَ الطرفان على التأكيد انه لم يتناول الاستحقاق الرئاسي، على رغم انّ جنبلاط قال انه مقتنع انّ لعون «حيثية أساسية في الترشح للرئاسة، ولا يمكننا إنكار حيثيته الوطنية».
وأكّد عون أنّ الظروف التي يعيشها لبنان استوجَبت عقد هذا اللقاء الذي لن يكون الاخير، وليس رداً لزيارة جنبلاط للرابية. وتحدث عن تقارب النظرة مع جنبلاط حيال المواضيع مؤكداً انّ التنسيق مستمر». وقال: «لدينا نظرة متقاربة ومتطابقة للأحداث في لبنان»، وكرّر «موقفه الرافض للتمديد».
مصادر «التيار الحر»
ووضعت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» زيارة عون الى كليمنصو في إطار سياسة التفاهم والانفتاح التي ينتهجها التيّار مع جميع الاطراف، وذكرت أنّ الاجتماعات بين «التيار» والحزب التقدمي الاشتراكي مستمرة، وأشارت الى انّ الطرفين استكملا البحث في المواضيع التي طرحت خلال زيارة جنبلاط الاخيرة الى الرابية في 6 آب الفائت.
واضافت المصادر: «لا أحد يستطيع أن ينكر، بمَن فيهم جنبلاط، انّ لدى الجنرال حَيثية، لكن لدى جنبلاط نظرة خاصة للاستحقاق الرئاسي ونعتقد انّ لقاءات كهذه بين الطرفين تقرّب نظرتهما للموضوع».
وهل سيشمل الانفتاح العوني «القوات اللبنانية» ونرى عون في معراب كذلك، أجابت المصادر: «لا فيتو لدينا على احد، لكن ايضاً لا تستطيع معراب اليوم ان تخوّن اللبنانيين ثم تجلس معهم في الوقت نفسه». وأكدت المصادر انّ «التنسيق مع «المستقبل» مستمر في كثير من الملفات عبر وزراء ونواب الطرفين»، وأشارت الى انّ العلاقة مع بكركي غير مقطوعة والتواصل المباشر وغير المباشر مستمر.
أوساط الاشتراكي
من جهتها، قالت اوساط الحزب التقدمي الإشتراكي لـ«الجمهورية» إنّ «البناء كثيراً على لقاء جنبلاط ـ عون ليس في محله، فالعماد عون رغب بردّ الزيارة ورحّب به «البيك»، وقال الأوّل ما لديه وردّ الثاني بالمِثل، والرهان على تفاهمات ثنائية ليس أوانها لأنها ليست واقعية، إذ انّ المواقف من أبرز العناوين متناقضة الى اليوم.
واعتبرت الأوساط «انّ اللقاء شكّل محطة صريحة في قراءة التطورات في المنطقة وانعكاساتها على الساحة اللبنانية وسُبل توفير مزيد من الأزمات الداخلية على البلد في ظلّ النزاع بين المحاور الكبرى في المنطقة».
ولفتت الى انّ استعراض الطرفين للمواضيع يؤدي حتماً الى الإشارة الى مواقف متناقضة على الأقل من بعض الملفات الداخلية. فالحزب يرغب بتمديد ولاية المجلس لأنّ الأولوية هي لانتخاب رئيس جمهورية، أمّا اولوية العماد عون المُعلنة فهي انتخابات نيابية بوجود رئيس أو بغيابه.
وكذلك فإنّ النائب جنبلاط يحذّر ممّا ذهب اليه وزير الخارجية جبران باسيل من تورّط لبنان في حرب المحاور حتى على «داعش» في ظلّ الرفض الإيراني لمشاركة العالم العربي في الحرب عليها من دون أيذ تنسيق مع النظام السوري لا بل بتجاهله، وهو ما لا يقبل به الحِلف الدولي على الإطلاق.
وبرأي الزعيم الإشتراكي لربما أدّت التطورات في سوريا الى حرب على «داعش» والنظام معاً، لذلك هو راغب في عدم التورّط كثيراً في هذا الحلف وحماية الساحة الداخلية من حِدّة هذا النزاع وما يمكن أن يؤدي اليه والسّعي الى الإفادة منه في دعم الجيش والقوى الأمنية وتوفير الحماية للبنان.
وأشارت الأوساط نفسها الى انّ الحديث عن الإستحقاق الرئاسي بقيَ في العموميات، حيث انه بالنسبة الى جنبلاط إنّ أهمية انتخاب الرئيس ضرورية قبل القيام بأيّ عمل آخر. وعَبّر عن قلقه بأنّ التطورات الإقليمية يمكن ان تؤدي الى تأخير الإستحقاق وتمديد أمد الشغور في بعبدا، في ظلّ المعادلات القائمة بلا أفق واضح حالياً في المنطقة ولبنان.
«القوات» و«المستقبل»
وفيما اكتفى مصدر في حزب «القوات اللبنانية» بالقول لـ«الجمهورية» إنّ زيارة عون الى جنبلاط لا تقدّم ولا تؤخّر في مَسار الإنتخابات الرئاسية، قالت مصادر في تيار «المستقبل» انّ جنبلاط يحاول القيام بحركة سياسية ليؤكّد وجوده على الساحة في هذه المرحلة وهذا حَقّه، والجنرال عون وَجدها فرصة، لكنّ كل ذلك لن يؤدي الى حصول أيّ تغيير، ففي النهاية نعرف انّ هناك قراراً سياسياً في مجلس النواب واذا لم يتأمن نصاب الثلثين فكلّ ذلك يبقى كلاماً».
وقالت: «من الطبيعي ان تكون لدى عون حيثية في الترشّح، وكلّ ماروني في لبنان يملك حيثية في الترشّح، لكن ان يؤيّده «المستقبل» فهذا موضوع آخر. ونَفَت ان يكون لقاء كليمنصو قد أثار «المستقبل»، فقد سَبقته زيارة لجنبلاط الى الرابية، ولم تُثرنا».
8 آذار لـ«الجمهورية»
وتوقعت مصادر قيادية بارزة في 8 آذار لـ«الجمهورية» أن تسير كل الاطراف بالتمديد للمجلس النيابي كمخرج وحيد لإبعاد كأس خوض انتخابات لا صورة واضحة لنتائجها، وكذلك توقعت أن تطول فترة الشغور الرئاسي لأنّ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لا يزال خارج أيّ تسوية تقود غيره الى الرئاسة، كما انّ 8 آذار ليست في وارد الالتفاف عليه، وهو لا يزال مرشّحها في العلن والسر.
وأشارت المصادر الى انّ الاستحقاق الرئاسي غير مرتبط بالتغيّرات الاقليمية، على عكس ما يُقال، ولديه هامش داخلي كبير مرتبط بمعادلات داخلية.
وأكدت المصادر أن لا أحد على الإطلاق يبحث في الاستحقاق الرئاسي ولا حراك حوله والمواقف منه هي فقط المعلنة، بضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد، امّا في الكواليس فالجميع بات يعلم ان لا انتخابات في المدى المنظور طالما انّ عون يفرض نفسه المرشّح الأول ولا نيّة لديه بالانتقال من مرشّح الى صانع رئيس، والطرف الآخر يُدرك صعوبة إجراء الانتخابات في ظل موقف عون هذا».
والجميع مقتنع انّ ملف الانتخاب حالياً وصلَ الى حائط مسدود ولا إمكانية خَرق لا في الاسابيع ولا في الشهور المقبلة، حتى مَن يدّعون انهم غَيارى على الكرسي الرئاسي تجاوزوا هذا الأمر وسَلّموا للواقع الراهن».
أوباما
وفي خضمّ الانهماك الخارجي بمحاربة خطر «داعش»، وافق مجلس النواب الاميركي على خطة مساعدة مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة والتي لا تزال تحتاج الى موافقة مجلس الشيوخ في اطار استراتيجية الرئيس باراك أوباما للتصدي لـ«داعش».
وأيّد 273 نائباً هذا الإجراء الذي اتَّخذ شكل تعديل لقانون المالية مقابل رفض 156. وصوَّت كثير من النواب المنتمين الى الحزبين الديموقراطي والجمهوري ضدّ الخطة، ما يؤشر الى أنّ الكونغرس ليس موحّداً خلف أوباما في حربه على «داعش».