على وَقع التأزّم السياسي المستمر والتحرّك الشعبي المتواصل، خرقت جدار الأزمة السميك مبادرة إنقاذية جديدة أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، يتوقع ان تشكّل باباً للحل اذا تجاوب معها سائر الاطراف السياسية، خصوصاً أنها رسمت خريطة حلّ يفترض ان تشكّل نقطة التقاء بين القوى السياسية. كذلك يمكن ان تنسحب على الحراك الشعبي الذي هَدد بتصعيد جديد على الارض غداً بعدما أمهلت حملة «طلعِت ريحتكم» أمس الأول الحكومة 72 ساعة لتحقيق مطالبها تحت طائلة هذا التصعيد، وقد أعطى بري هذا الحراك الحقّ في مطالبه، مُصوّباً بوصلته في اتجاه فتح مجلس النواب وتفعيل المؤسسات والضغط في اتجاه الدولة المدنية. الأمر الذي قد يجعل ايّ تصعيد شعبي بمثابة إطلاق نار مُسبق على نتائج المبادرة، خصوصاً انها أمّنت مخارج للقوى السياسية وللحراك الشعبي معاً.
وفي ضوء هذه المبادرة من البديهي ان لا ينعقد مجلس الوزراء خلال الايام العشرة المقبلة وقبل بتّ الازمة الحكومية على طاولة الحوار التي دعا اليها بري.
فحوى المبادرة
فقد أعلن بري في كلمته أمس من النبطية، في الذكرى 37 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، انه سيدعو في الأيام العشرة الأولى من أيلول، الى حوار يقتصر هذه المرة، بالإضافة الى رئيس الحكومة، على قادة الكتل النيابية، ولا يختلف كثيراً في الشكل عن حوار الـ 2006، ولكنه يختلف عنه في المضمون.
وحدّد جدول الحوار بـ7 نقاط، هي: البحث في رئاسة الجمهورية، عمل مجلس النواب، عمل مجلس الوزراء، ماهية قانون الإنتخابات، ماهية قانون استعادة الجنسية، مشروع اللامركزية الإدارية، وموضوع دعم الجيش اللبناني. وأمل بري الإستجابة للدعوة واعتبارها «نداء إغاثة لهذا الوطن».
وإذ أكّد تمسّكه بالحكومة، معتبراً انّ «بقاءها يشكل ضرورة وطنية»، اعتبر انّ «الاعتداء على التشريع هو اعتداء على ممثّلي الشعب والشعب»، مشدداً على «انّ للتغيير باباً واحداً، هو باب المجلس النيابي».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ بري أطلق مبادرته بعد مشاورات حثيثة أجراها خلال الأسبوعين الماضيين، ومَهّد لها بتجميد المواجهة الحكومية وتعطيل «عبوة ناسفة» كانت مزروعة تحت سلّة المراسيم التي وقّعها ثلثا الوزراء وجمّدها رئيس الحكومة تمام سلام حائلاً دون دخولها حقل الألغام الذي كانت قد اقتربت منه لَو نُشرت في الجريدة الرسمية الخميس الماضي.
ولفتت المصادر الى ترحيب «حزب الله» بلسان النائب حسن فضل الله بمبادرة بري قبل ساعات من إطلاقها، فيما صرّح الرئيس سعد الحريري، بعد ساعة من إطلاقها، انه يلتقي مع بري في الدعوة الى حوار يناقش البنود التي اوردها فيها، مؤكداً «أننا سننظر بإيجابية لموضوع الحوار عندما نتلقّى الدعوة، وانّ الاتفاق على بَتّ موضوع رئاسة الجمهورية يشكّل المدخل السليم للبحث في القضايا الاخرى». وقال: «انّ إعلان التمسّك بالحكومة وتفعيل عمل المجلس النيابي يشكّلان قاعدتين للاستقرار المطلوب في هذه المرحلة».
وقالت المصادر انّ حزب الكتائب كان في جوّ المبادرة، وقد سبق لرئيسه النائب سامي الجميّل ان تحدث عن شيء منها إثر زيارته بري قبل اسبوعين، مشيراً الى مشاورات تُجرى في شأن مبادرة يستعدّ لها بري، كما انها كانت موضوع تشاور مع نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» جورج عدوان مطلع الأسبوع الماضي، والذي رحّب بأيّ مبادرة يطلقها بري لأنّ الحوار بوّابة العبور الى الحلول المرجوّة.
ولذلك، قالت المصادر انه من الضروري انتظار ما سيكون عليه موقف رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون الذي لم تنجح الإتصالات في ترميم علاقته مع بري حتى الآن، على رغم الجهود المبذولة لهذه الغاية على أكثر من مستوى.
موقف سلام
في غضون ذلك اكدت مصادر سلام لـ»الجمهورية» انه يرحّب بأيّ مبادرة تُخرج البلد من حال الجمود، وأنه يرحّب بالتأكيد بمبادرة بري التي دعت في أوّل بنودها الى مقاربة موضوع الانتخابات الرئاسية، علماً أنه لم ينفكّ يوماً، وفي مستهلّ ايّ جلسة لمجلس الوزراء وفي اتصالاته وزياراته الخارجية، عن التشديد على هذه الاولوية، لأنّ البلاد في حاجة الى رئيسها.
وقالت المصادر: «من المهم ان تلقى المبادرة إجماعاً لبنانياً لتتوّج الدعوة بخطوة ما نحو الحلحلة تفتح الطريق الى مخارج وحلول لا بد من ان تحظى بالإجماع الوطني للإنطلاق بها ولتصِل الى مبتغاها الشريف».
الحريري
وكان الحريري أعلن، في تغريدة له عبر «تويتر»، انه يلتقي مع بري في الدعوة الى حوار يناقش البنود التي اوردها في خطابه. وقال: «نحن بالتأكيد سننظر بإيجابية لموضوع الحوار عندما نتلقّى الدعوة، وانّ الاتفاق على بتّ موضوع رئاسة الجمهورية يشكّل المدخل السليم للبحث في القضايا الاخرى». واضاف: «انّ اعلان التمسّك بالحكومة وتفعيل عمل المجلس النيابي يشكلان قاعدتين للاستقرار المطلوب في هذه المرحلة».
«حزب الله»
وقوبلت مبادرة بري بترحيب «حزب الله» وتأييده. ووصفتها مصادر مطّلعة على موقف «الحزب» لـ»الجمهورية» بأنها «مبادرة لكسر الحواجز بين الافرقاء من خلال الحوار وإزالة المعوقات لإعادة تفعيل المؤسسات عبر طرح المواضيع التي تدور حولها إشكاليات، من انتخابات رئاسة الجمهورية الى العمل التشريعي والحكومي، الى قانون استعادة الجنسية للمغتربين وقانون الانتخابات النيابية واللامركزية الادارية».
وقالت: «هذه نقاط جوهرية وطنية مطروحة في البلاد وحولها تباين وسجال أدّيا الى أزمة عميقة لها تداعياتها على مصالح البلد واللبنانيين ولها تأثيرها في انتظام عمل المؤسسات، وهَدف هذه المبادرة هو تَلمّس حلول من خلال الحوار لكلّ هذه النقاط التي طرحها الرئيس بري».
واعتبرت ان «لا أحد يجب ان يرفض المبادرة، خصوصاً انّ ايّ موضوع يريد كل طرف ان يبحَث فيه موجود في جدول الاعمال». واشارت الى أنّ للمبادرة «حظوظاً في النجاح».
«القوات اللبنانية»
والى ذلك قال مصدر «قواتي» رفيع لـ«الجمهورية» إنّ «القوات اللبنانية» تَنكبّ على درس مبادرة بري. لكنه تساءل عن «مؤدّيات هذا الحوار في ظل التجربة السابقة التي كانت، ويا للأسف، فاشلة، حيث أن ّما اتّفق عليه تمّ التراجع عنه، فيما بقيت القضايا الأخرى عالقة وفي طليعتها الاستراتيجية الدفاعية التي تشكّل العنوان الأبرز لعودة فعالية الدولة اللبنانية وإمساكها بالقرار الاستراتيجي».
ورأى المصدر أنّ البنود التي طرحها بري تُطرَح في الحوارات الثنائية بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، وبين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر»، ولم يحصل بعد اتفاق عليها. وبالتالي، لماذا سينجح الحوار الشامل، حيث فشلت الحوارات الثنائية حتى الآن في تحقيقه، خصوصاً لجهة انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟».
وتخوّف المصدر من «أن يتمّ وَضع البند الرئاسي على الرفّ نتيجة غياب القدرة على تحقيق خَرق على هذا المستوى. وبالتالي، تتحوّل الأولوية الى البنود الأخرى والتي تَشي بحد ذاتها بأنّ الفراغ سيطول كثيراً بعد».
وشدّد المصدر على «انّ المطلوب اليوم هو انتخاب رئيس وليس الذهاب إلى حوار جديد أو بحلّة جديدة، فضلاً عن أنّ المطلوب الوصول إلى نتائج سياسية عملية، وليس الحوار للحوار أو للصورة. فاستعراض المواضيع لا يكفي».
وقال المصدر «القواتي» نفسه «إنّ الموقف الرسمي لـ»القوات» سيصدر قريباً، وهو لا علاقة له بالعلاقة الشخصية بالرئيس بري، إنما يتصِل بالموقف السياسي لـ»القوات» التي كانت اساساً عَلّقت مشاركتها في جلسات الحوار للأسباب المُشار إليها أعلاه، والتي تتصِل اساساً بانعدام الثقة بالوصول إلى النتائج المرجوّة من خلال هذه الجلسات الحوارية».
قزي
وقال وزير العمل سجعان قزي لـ»الجمهورية»: «ما يهمّنا اليوم ان يحصل تحريك للعمل البرلماني والعمل الحكومي، خصوصاً انّ الجزء الأكبر من مطالب المتظاهرين هو من اختصاص المجلس النيابي وليس الحكومة.
فمجلس الوزراء معنيّ بمطلب واحد هو رفع النفايات، بينما تغيير النظام وتغيير الطبقة السياسية والتعديلات الدستورية وانتخاب رئيس جمهورية ووضع قانون انتخابي جديد هو من مسؤوليات مجلس النواب وليس الحكومة. لذلك المجلس النيابي يجب أن يُفعّل، والتفعيل الاول له يجب ان يكون بانتخاب رئيس جمهورية، ومبادرة الرئيس بري يجب ان تصبّ في هذا الاتجاه».
ابو فاعور
بدوره، قال وزير الصحة وائل أبو فاعور: «ندعم دعوة الرئيس بري للحوار ونؤيّدها من حيث المبدأ، ونرى فيها بصيص أمل، وقد أتَت في الوقت المناسب».
قمة روحية؟!
وفي هذه الأجواء، تتجه الانظار الى بكركي التي من المتوقع ان تعقد فيها قمة روحية بدعوة من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اذا لم تطرأ تطورات تفرض تأجيلها أياماً، خصوضاً انّ الاتصالات في شأنها بين بكركي والمعنيين استمرّت الى ساعة متأخرة من ليل أمس
وفي حال انعقادها، من المنتظر ان تبحث في القضايا الناتجة التي نتجَت عن الفراغ الحاصل في رئاسة الجمهورية ومعالجته سريعاً، إضافة الى ما يشهده لبنان من حراك شعبي مطلبي راهناً. كذلك ستبحث في القضايا الداخلية اللبنانية والتطورات الاقليمية التي يتأثر بها لبنان حكماً.
وكانت مصادر مشاركة في التحضير للقمة قالت لـ»الجمهورية» إنه بعد التطورات الاخيرة، ساد اقتناع بأنّ هناك رغبة لدى الشعب اللبناني بمختلف فئاته واطيافه وانتماءاته بأن يسمع صوت المبادىء والعقل والمحبة الذي اعتاد سماعه لدى رؤساء الطوائف، والجميع يعلم انّ الطوائف في لبنان ليست مجرد تجمعات دينية، بل انها دينية اجتماعية وجزء منها سياسي. ومن هذا المنطلق، وتجاوباً مع هذه الرغبة، تَولّد اقتناع لدى البطريرك الراعي بأهمية انعقاد قمة روحية تبحث في التطورات المصيرية المتعلقة بمستقبل الاجيال الصاعدة.
مشروع البيان
واكدت المصادر انّ البيان الختامي للقمة أُعدّ مسبقاً في انتظار اللمسات الأخيرة للمعنيّين، وهو يقع في صفحة ونصف صفحة فولسكاب، ويتضمن بنداً اساسياً يدعو الى أولوية انتخاب رئيس الجمهورية، معتبراً انّ التأخير في إنجاز الإستحقاق سَبّب معظم المشكلات التي تعانيها البلاد. ولذلك فإنّ هذا الاستحقاق هو المدخل الحقيقي لأي اصلاح يطالب به الجميع بأشكال مختلفة.
كذلك سيتناول البيان الوضع الإقتصادي والإجتماعي في البلاد، ويدعو الى معالجته بتحصين موارد الدولة ومكافحة الفساد وانتظام العمل في المؤسسات. وسيدين في جانب منه الجماعات الإرهابية التي تَتلبّس الإسلام، ويدعو الى حماية مسيحيي الشرق على انهم مكوّنات المنطقة تاريخياً، وهم سَبب غِناها.
الى ذلك، تواصل بكركي دعمها الحركة الإعتراضية المطلبية، وتأييدها التظاهرات، ما يرفع عن التحرّك الصبغة اليساريّة التي حاول البعض إلباسه إيّاها بغية إحباطه، علماً أنّ الراعي كان أوّل المُنادين بالنزول الى الشارع للمطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية وتحقيق المطالب المعيشية المحقّة.
مصادر كنسيّة
وأبدت مصادر كنسيّة، عبر «الجمهورية»، ارتياحها الى تظاهرة السبت لجهة الحشد الشعبي الذي أثبتَ أنّ اللبنانيين حاضرون بالآلاف للمطالبة بقضاياهم المحقّة بعيداً من الغوغائية. كذلك، فإنّ وضع انتخاب رئيس الجمهورية، خلال الكلمة التي ألقيت في ساحة الشهداء في سلّم أولويات مطالب المتظاهرين، يدلّ على أنّ التظاهرات تسير على الطريق الصحيح الذي يفرض انتخاب الرئيس أولاً من ثم إجراء انتخابات نيابية والشروع في عملية إصلاح مؤسساتي، وهذه مطالب الكنيسة والشعب اللبناني».
وكان الراعي أكّد من الديمان أنّ «التظاهرات الشبابية والشعبية المحقّة من المجتمع المدني في العاصمة اللبنانية وعواصم بلدان الانتشار قامت بسبب الحال المأسوية التي وصلنا اليها»، داعياً الى «عدم تمييع مطالبها بالطرق الكاذبة».
وطالب بـ«ألّا تنحرف التظاهرات عن هدفها الأساس، وهو المطالبة برجال دولة يمارسون السياسة النبيلة القائمة على الحقيقة والعدالة والتجرّد والتفاني في تأمين الخير العام بكلّ أوضاعه الاقتصادية والمعيشية والصحّية والأمنية، وبكلّ مقتضياته التشريعية والإجرائية والإدارية والقضائية»، لافتاً الى أنّه «من أجل البلوغ إلى هذه الغاية، يجب الدخول من الباب المؤدّي اليها، وهو انتخاب رئيس للجمهورية فوراً ووفق الأصول الدستورية».