تأسّست جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية عام 1878 على أيدي نخبة من أهل الفكر والرأي على رأسهم الشيخ عبد القادر قباني رئيس بلدية بيروت يومذاك وصاحب جريدة «ثمرات الفنون». ومن على صفحاتها أطلق الشيخ قباني الدعوة لتأسيس الجمعية كي تُعنى بتعليم المسلمين بمؤازرة عدد من الشبان الذين يمثلون مختلف العائلات البيروتية.
وجمعية المقاصد لا تبغي الربح، بل تسعى لإنشاء مجتمع مقاصدي متميز مبني على القيم السامية، فخور بانتمائه الوطني.
وهي كذلك جمعية تعمل من خلال مؤسساتها على نشر التربية السليمة وتأمين العناية الصحية وتقديم الخدمات التربوية المميزة.
وما يميز الجمعية أيضاً انها فتحت أبوابها لتستقبل الطلاب من مختلف الأديان من دون أن تلزمهم بأخذ الدروس الدينية.
هذه المؤسّسة التعليمية والطبية والاجتماعية الناجحة، يجب أن تبقى مهما كانت الظروف… خاصة وأنّ في الطائفة السنّية الكريمة الكثير من الرجالات الناجحين المعطائين والقليل من البخلاء.
تاريخ المقاصد عريق… ونحب هنا أن نتحدث عن الفترة الذهبية التي تولى فيها رئاسة هذه الجمعية المغفور له دولة الرئيس صائب سلام وذلك منذ عام 1957 حتى عام 1982… لقد عاشت المقاصد والمقاصديون في عهده، أجمل الأوقات وقامت بأهم التقديمات، إن كان على صعيد المستشفى أو المدارس المنتشرة في جميع أنحاء لبنان من بيروت حيث الجمعية الأم، بمدارسها الثانوية والابتدائية، التي نالت شهرة واسعة الى مدارس القرى، حيث أمنت العلم للفقراء وذوي الدخل المحدود في الشمال والجبل والجنوب والبقاع.
وهنا لا بد من التقدّم بالشكر الى المملكة العربية السعودية، التي دعمت المقاصد بشكل مميز، وكانت لها اليد الطولى في شراء أحدث الآلات الطبية، وتوفير أهم غرف العناية الفائقة وغرف العمليات الجراحية.. كما نشكر دولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة قطر…
بعد تلك الفترة، وبعد دخول لبنان في أتون الحرب الأهلية بدأت الصعوبات الكبيرة تعترض مسيرة المقاصد، فالمقاصد أصبحت بكل بساطة دولة، وعندها مصاريف كبيرة، وتراجع الدعم المادي العربي الى أن وصلت المقاصد الى أيام صعبة جداً.. ظروف هددت بقاء المستشفى والمدارس وفي كل محنة كان رَبّ العالمين ينقذ المقاصد ويبعث بـ«أولاد الحلال» في محاولة إنقاذية لها.
وحين تسلّم الدكتور فيصل سنو رئاسة الجمعية بعد المهندس أمين الداعوق، هذا الرجل الذي تحمّل مسؤولية أكبر وأهم مؤسّسة إسلامية في لبنان، على مدى أربعين عاماً، حيث عمل نائباً لرئيس الجمعية مع الرئيس تمام سلام لأكثر من عشرين عاماً قبل أن يتولى الرئاسة عام 2000، إثر استقالة الرئيس سلام من المقاصد.
لقد تسلّم الدكتور سنو الأمانة من المهندس أمين الداعوق، وتحمّل مسؤوليتها في ظروف صعبة وأيام أصعب.
وحين تسلّم الدكتور سنو رئاسة الجمعية كانت أمامه صعوبات كثيرة، أهمها المالية، فأعاد تنظيم كل المؤسّسات، ووضع خطة عمل، يبدو انها نجحت حيث بدأنا نشعر أنّ هناك تحسناً ملموساً على جميع الأصعدة الطبية والتعليمية… وهنا لا بد من القول إنّ المقاصد تعاني من شبه حصار، بدءاً بتوقف الدعم العربي لأسباب معروفة… لكن د. فيصل وضع في حساباته، نظرية جديدة يبدو أنها تشبه نظيره الاستاذ محمد بركات، الذي تسلّم دار الأيتام، واستطاع بجهده ومعاونة المساعدين الذين اختارهم، تحقيق النجاح باعتماده على الطائفة السنّية في لبنان اقتناعاً منه، انه عند قيام أي مشروع خيري محترم ونظيف، لا بد من إيجاد «أولاد الحلال» لدعمه.
وهنا لا بد من ذكر المبادرة التي قام بها طلاب المقاصد بتنظيف شارع الحمراء في مبادرة لتعويض «التقصير» الذي تعاني منه مدينة بيروت، بسبب الظروف الصعبة، وما يعاني منه اللبنانيون على الصعيد المالي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والطبي، بسبب هذا الحكم الفاشل الذي أوصل البلاد الى هذا الدرك.
أخيراً، هنيئاً لأهل بيروت وهنيئاً لكل اللبنانيين الذين يثبتون يوماً بعد يوم أنّ المؤسّسات الخاصة أنجح من الدولة التي تُدار بالمحسوبيات وبزعماء غير مؤهلين لأن يكونوا زعماء.
المقاصد ستظل منارة مُشِعّة في تاريخ لبنان، جذورها ثابتة في الارض وفروعها في السماء تؤتي أُكلَها ولو بعد حين.