لم يكن وصفُ رئيس تيار»المردة» سليمان فرنجية رئيسَ «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بـ»السئيل» إلّا ليضيفَ بعض «البهارات الحارّة» على العلاقة الملتبسة بين حليفَي الأمس. وما صارت تراكمه من خلافات ولو منضبطة تحت سقف الإلتقاء حول القضايا الاستراتيجة، يغنيها عن أيِّ إضافاتٍ قد يزيدها فرنجية على طريقته الخاصة في التعبير.
من الواضح أنّ التيارين بلغا مرحلة اللاعودة في العلاقة. حدودها صارت معروفة: تفاهم غير مباشر حول الاستراتيجيات، ونزاعات جوّالة حول التفاصيل الداخلية. الحزبان يلعبان في ملعب المصالح والأهداف نفسها، وسيكون من الصعب التقاؤهما. «نزاع الموارنة» يفعل فعله في قواعد التواصل والتنسيق… فيما الرهان على تدخّل وسيط أو صديق مشترَك، لا يبدو في محلّه.
أُقفلت صناديق الاقتراع وأسكتت معها كل الضوضاء والصخب اللذين جرّتهما معها. عادت لغة المنطق والعقل لتسود بعدما كانت مصطلحات الشحن وخطابات التعبئة هي المتحكّمة بمفاصل اللعبة. ولكنّ العلاقة بين العونيين و»المردة» لا تزال معلّقةً على حبل الخلافات المتراكمة.
كان الاعتقاد السائد أنّ الاستحقاقَ الرئاسي، الذي انتقلت «ملعقته» بلمح البصر من «حلق» فرنجية إلى «فم» العماد ميشال عون، هو الذي يُرخي بذيوله على التواصل الثنائي، ويحول دون استعادته عافيته. وإذ بمرور الزمن يُثبت أنّ الفريقين غيرُ متحمّسين أصلاً لإصلاح ما أفسدته كرسي بعبدا، ومتمسّكان بموقعيهما الجديدَين بعد المسافة المتباعدة التي اختاراها.
والأرجح هذا ما يفسّر غياب الوساطات وانعدام التواصل بين الفريقين. وما زيارة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي لبنشعي للقاء فرنجية إلّا من باب الصداقة ولشكره على التصويت لمصلحته، ولو أنه يرغب في تشغيل محرّكات الوساطة، لكن يبدو أنّها «معطّلة»، وفق المطلعين. حتى «حزب الله»، لا يشعر أنه «مضغوط» أو «مزروك» لكي يتوسّط بين حليفيه، طالما أنّ الخلاف لم يخترق سقفَ التفاهم الاستراتيجي.
يقول قيادي في «المردة» إنّ «الإلتقاءَ حول القضايا المصيرية لا يزال يجمعنا، منها مثلاً مسألة العودة الآمنة والطوعية للنازحين السوريين، كما نسجّل ملاحظاتٍ على أداء المفوّضية الأوروبية لشؤون اللاجئين، لكننا لا نتبنّى طريقة وزير الخارجية المتفرّدة وكنا نتمنّى لو أنّ خطواتِه مغطاة بمجلس الوزراء».
ويضيف «إنّ المسيحيين في غنى عن المعارك الوهميّة التي تخوضها قيادة «التيار الوطني الحر» وهذا ما يزيد التباعد بيننا كوننا لا نوافق على هذا الأداء المضرّ بحقّ اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، حيث نشهد يوماً على مصالحة مع الرئيس نبيه بري ويوماً آخر على إشكالية غير مفهومة وغير مبرَّرة حول توقيع وزير المال، خصوصاً وأنّ رئيس الجمهورية «اعترف» لوزير المال بتوقيعه الإلزامي بعد أزمة مرسوم أقدميّات الضباط. وكما مع بري، كذلك مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط حيث تُنبش القبور في ليلة لا ضوءَ قمر فيها بعد مصالحات يُفترض أنّها طوت صفحات الماضي الأليم».
في نظر هذا القيادي، أنّ «هناك مَن يلعب على وتر الثنائيات الطائفية، فيجمع اثنين على حسابِ ثالث، وهي لعبة خطيرة في حقّ المسيحيين. بينما العهد القوي الذي توافق عليه الرباعي المسيحي في بكركي، هو القادر على بناء شراكة حقيقية وقوية مع كل المكوّنات مع احترام خصوصيّة كل فريق».
هكذا، لا يعود تفصيلاً بسيطاً أن يصيرَ مرورُ مواكب العونيين خلال الانتخابات النيابية في قضاء زغرتا، موضعَ حذر وخشية من توتّر محتمَل، بينما يكون مرورُ مواكب «القوات» مقبولاً وغيرَ استفزازي! يقولها القيادي بتعجّب وغرابة. ويتحدث عن «تطبيعٍ للعلاقة مع معراب، يأخذ مجراه ومحلّه في خريطة تحرّك «المردة» في انتظام. استعادت اللقاءاتُ الثنائية مع «القوات» نمطها غير الدوري، بعدما تمكّنت من تحويل العلاقة من «عداء» مزمن إلى خلاف استراتيجي ولكن خالٍ من الحساسيات والتوتر.
الفريقان لا يطمحان الى جرّ بعضهما البعض إلى ملعب الآخر، ويدركان أنّ الخلاف العميق يقف بينهما كفالق زلزال قادر على نسف كل تقارب، ولهذا التحالف غيرُ مطروح أبداً، لكنّ التقاطعَ واردٌ في أيِّ ملف داخلي، وقد حصل. قناة الاتّصال والتواصل المتجدّدة راهناً نجحت في تجنيب الانتخابات، على أشدها، توتراتِ الشارع في مناطق التماس. وهذا إنجاز لا يمكن تجاوزُه.
في دائرة الشمال الثالثة التي سُمّيت في دائرة «الرؤساء» كان التنافس بين «القوات» و»المردة» على الحاصل الرابع، ما يُسقط السيناريوهات التي قالت إنّ معراب تساهلت مع بنشعي في معركة زغرتا (نال ماريوس البعيني 2776 صوتاً تفضيلياً)، خصوصاً وأنّ «المردة» خاضوا معركة جدّية في بشري (نال ملحم طوق 4649 صوتاً).
ولهذا لا يستغرب القيادي نفسُه السيناريوهات الخيالية عن تقاطع انتخابي غير مرئي بين «المردة» ومعراب ويقول إنّ «أداءَ باسيل الانتخابي الذي اختار التحالف مع كل القوى السياسية من بينها «الجماعة الإسلامية»، باستثناء الأحزاب المسيحية، يدفع الى تصديق هذه الروايات»!