لا يبدو تيار «المردة» مرتاحا بتاتا للاجتماعات المتلاحقة التي يعقدها مسؤولون في «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» والتي تهدف لاعادة احياء التحالف بينهما واستنهاض «تفاهم معراب». اذ يُدرك قياديوه ان الانكباب على معالجة التصدعات التي أصابت بالعمق علاقة خصميه اللدودين على الساحة المسيحية، سيليه تحالف انتخابي قد لا يفضي الى خوض ما اصطُلح على تسميته بـ«الثنائي المسيحي» الانتخابات على لوائح موحدة، الا انّه لا شك سيؤدي في نهاية المطاف الى تعاون انتخابي يؤمّن مصلحة الطرفين، وان ارتأيا في مناطق مختلفة ان يكون مرشحوهم على لوائح منفصلة.
ولم تنجح النقاشات التي بدأت على خط بنشعي – معراب في الأشهر الماضية بالتوصل الى تفاهم ما يمهد لمصالحة تاريخية بين رئيس «المردة» سليمان فرنجية ورئيس «القوات» سمير جعجع، تؤدي بدورها الى تعاون انتخابي في دوائر الشمال كان ليقطع الطريق على «الوطني الحر». فالاستياء الشعبي وبخاصة في مناطق نفوذ فرنجية من التقارب مع «القوات» كان كفيلا باتخاذ قرار نهائي على صعيد قيادة «المردة» بالتراجع عن أي مسار قد يؤدي في نهاية المطاف الى نوع من التحالف الانتخابي مع جعجع، تبين أنّه سيأكل من رصيد «آل فرنجية» بدل أن يضيف اليه. لذلك قرر طرفا «المردة» و«القوات» بالاكتفاء بالتفاهم على وضع حد للسجال السياسي والاعلامي وترطيب العلاقات بينهما والتي لطالما سادها احتقان كبير كان يؤثر تلقائيا على القواعد الشعبية للحزبين.
واذا كان ارساء التهدئة بين الطرفين أشبه بانجاز يُسجل لهما، فان التوتر لا يزال سيد الموقف على خط «الوطني الحر «المردة»، وهو توتر قابل للتفاقم ان لم نقل للانفجار على وقع انطلاق الحملات الانتخابية للفريقين التي ستركز على ما يبدو على مهاجمة بعضهما البعض. ولا تتردد مصادر قيادية بـ»المردة» بوصف العلاقة مع «الوطني الحر» بأنّها في أسوأ أحوالها، لافتة الى انّه لم تصل الى هذا المستوى في يوم من الأيام. لكن المصادر تصر أيضا على الفصل بين العلاقة مع «التيار» وتلك التي تجمع فرنجية – عون والتي تصفها بـ»الرسمية والجيدة».
وتعتبر المصادر أن رئيس «الوطني الحر» جبران باسيل «هو الذي أوصل العلاقة مع «المردة» الى ما وصلت اليه، بناء على خطط بعيدة المدى رسمها لمحاولة تحجيم دور النائب فرنجية قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي يرسم كل سياسات «التيار» على أساسها، لطرح نفسه مرشحا وحيدا خلالها». وتضيف المصادر:«هذه السياسات من شأنها أن تنقلب عليه، وهو ما يحصل عمليا باعتبار ان القواعد الشعبية للتيار تتآكل على حساب تنامي قواعدنا كما قواعد فرقاء مسيحيين آخرين».
ويجلس «المردة» حاليا على مقعد المتفرج على ما تقول مصادره انّه «انكباب وزير الخارجية على اعداد لوائح تؤدي الى خسارة مرشحين عونيين يغردون خارج السرب الباسيلي سواء في جبيل او في جزين»، الا ان «الاستمتاع» بمشاهدة ما يحصل في كنف التيار، لا يعني التراخي بالاستعداد للانتخابات التي يتحضر «المردة» لخوضها بجهد كبير في دوائر الشمال الثلاث، سواء بمرشحين ملتزمين أو بأصدقاء، على ان يدعم مرشحين آخرين يعتبرهم حلفاء سواء في كسروان أو جزين أو بعبدا أو حتى زحلة.
ويتعاطى كل الفرقاء مع المرحلة الحالية كـ«انتقالية»، لذلك تراهم قد بدأوا بالاستعداد لمرحلة ما بعد الانتخابات من خلال محاولة رسم صورة أولية للمجلس النيابي المقبل وللتحالفات التي سيكون لها الكلمة الفصل في تحديد موازين القوى وبالتالي فرض قرارها سواء بعملية انتخاب رئيس جديد للمجلس او تشكيل الحكومة الجديدة. وفيما يعوّل «الوطني الحر» على تحالف الأقوياء الذي يضمه الى «المستقبل» و«حزب الله» و«القوات»، يتطلع «المردة» الى تحالف قادر على كسر الأول يضمه الى رئيس المجلس النيابي والنائب وليد جنبلاط كما الى الوجوه الجديدة التي ستنضم الى البرلمان بدفع شعبي من شأنه ان يشكل رافعة للتحالف ككل.