Site icon IMLebanon

«المرشد» يستسلم لـ«القيصر»

«المرشد» يستسلم لـ«القيصر»

أسعد حيدر

خسر المرشد آية الله علي خامنئي، حتى لو بقي بشار الأسد رئيساً الى الأبد، وربح «القيصر» فلاديمير بوتين، لأنه مهما خسر فقد حقق ويحقق ربحاً عظيماً لروسيا. أخيراً استقر «الدب الروسي» وتمدد على شاطئ البحر المتوسط، وأصبح يطل على مياه الخليج الدافئة، ويمنّي نفسه بالنزول فيها. «القيصر» لعب «الشطرنج»، أما المرشد فلم يلعب. لقد وضع لنفسه هدفاً كبيراً، ولم ينظر حوله ولم يدرس إمكاناته مهما فعل ومهما تنازل، أصبح الطرف الضعيف في الحلف سواء كان ثنائياً مع موسكو أو ثلاثياً مع موسكو وأنقرة. 

قرار «مجلس الأمن القومي الايراني«، السماح للجيش الروسي استخدام قاعدة همدان، ضد سوريا باسم محاربة الارهاب، إعلان صارخ ومدوٍّ للهزيمة، بعد خمس سنوات من الحرب في سوريا. المرشد أدرك وقبِلَ واستسلم للوقائع الميدانية، التي خلاصتها أن الجنرال قاسم سليماني فشل في الحصول على انتصار، وأنه إذا استمر في القتال على الوتيرة نفسها، فإن الخسارة ستكون كارثية. الجيش السوري و»الحرس الثوري» و«حزب الله« وميليشيات الأفغان والعراقيين والباكستانيين والطيران السوري والروسي، لم يتمكنوا ولن ينجحوا في انتصار يخلو من ألغام الهزيمة والتراجع.

قرار المجلس الأعلى للأمن القومي، بفتح قاعدة همدان الجوية أمام الطيران الروسي هو قرار من المرشد وهو يتحمل مسؤوليته مباشرة. اختار أعضاء المجلس ومن بينهم رئيس الجمهورية حسن روحاني الصمت، في هذا الوقت الدقيق. نائب واحد وجد لديه الجرأة، فرفع «انذاراً دستورياً» في وجه رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، النائب الذي سيسجل اسمه في تاريخ الجمهورية الاسلامية في ايران هو حشمت الله فلاحت بيشه.

فقد أكد «أن الدستور الايراني لا يسمح وفقاً للمادة 146 بمنح قواعد عسكرية لأية جهة أجنبية حتى لو تم استخدام القاعدة لأغراض سلمية». علي لاريجاني نفى منح قاعدة للروس. لكن ميدانياً، فإن أصغر جندي إيراني سواء كان في الجيش أو الحرس الثوري يعرف أن هبوط طائرات استراتيجية كانت أو مقاتلة، في أي مطار تحتاج الى جهاز عسكري لوجستي وقوة دفاعية وقوة استخباراتية للمحافظة على أسرار هذا الطيران. لذا فإن قوة روسية يجب أن تبقى متأهبة في المطار وحوله وهذا ما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، أي حتى الشاه رضا بهلوي لم يجسر يوماً على أخذ مثل هذا القرار الذي «يقضم» من السيادة الإيرانية.

«القيصر» بوتين، لم يحصر تمدده من سوريا الى القاعدة الجوية في همدان. لقد نزل الى الأرض باسم «المتطوعين». أصبح مؤكداً أن العشرات من الروس قتلوا في المعارك الأخيرة، وأنه يتم تأطير آلاف عدة من الروس الشيشانيين لإرسالهم الى سوريا. بذلك ينقل بوتين الحرب من الشيشان الى سوريا، ليتقاتل الشيشانيون وليصفّي بعضهم بعضاً بعيداً عن «روسيا الأم».

ما يجري من تطورات على الأرض السورية، يؤشر الى مرحلة جديدة لـ»فتنمة» سوريا. مع توجه نحو تعقيدات أكبر. في فيتنام قاتل الفيتناميون وحدهم في حين أن السوفيات والصينيين قدموا الدعم العسكري. في سوريا الجميع نزل على الأرض تحت مسميات مختلفة. حتى الصينيون قرروا دخول «الميدان» تحت بند تدريب الجيش السوري. الأميركيون كانوا وما زالوا الغائبين الحاضرين، «أصبح لهم على الأرض عدة آلاف من الجنود وهم دعموا علناً الأكراد في منبج، ويقال إنهم أقاموا شريطاً أو جداراً عسكرياً وعدة مطارات على طول الحدود الشمالية لسوريا حتى الأتراك لا يستطيعون اختراقه ولا تعريض الأكراد للخطر إذا قرروا الانسحاب«.

«فتْنَمَة» سوريا، لن تترك لأحد مجالاً ليربح الحرب عكس فيتنام حيث انتصر الفيتناميون سياسياً وخسروا عسكرياً، حتى «القيصر» لن يربح وإنما سيجمع النقاط والمواقع للمفاوضات. يطمح «القيصر» بالتعاون مع المرشد، الى وضع الرئاسة الأميركية الجديدة بعد باراك أوباما أمام واقع جديد في سوريا يمكنه من الحصول على أفضل ما يريد. مشكلة بوتين أنه يسابق الوقت، وكأن «الكاوبوي» الأميركي أصبح «عارياً» و»مستسلماً».

في الواقع هذا «الكاوبوي» تراجع وانكفأ لكنه لم يتخلَ عن «مسدسه وحصانه». وهو مازال في اللحظة التي تضرب فيها المؤسسات في النظام الأميركي «يدها على الطاولة« وتقرع «الجرس» «للدب الروسي» لتذكّره أن كل تقدم غير محسوب له حسابات مختلفة تحوله الى غوص في الرمال المتحركة، على غرار أفغانستان.

بين «الفتنمة» و»الأفغنة» خيط رفيع. الروس يعرفون أكثر من غيرهم دقة الوضع. يقال إن الجنرال بوريس غراموف الذي أنجز الانسحاب السوفياتي من أفغانستان هو الذي يقود الآن «المتطوعين» الروس في سوريا. سوريا لن تعيد للجنرال غراموف شرفه العسكري الذي خسره في أفغانستان. سوريا ليست «لقمة سائغة». واشنطن طرف مباشر وهي قادرة في أي وقت على تحويل سوريا الى «أفغانستان» جديدة لروسيا القيصرية. لذلك فإن «القيصر» يعرف متى يبيع ومتى يقايض، ومتى يضحي حتى «بالقلعة» ليتسلم «الملك» على رقعة الشطرنج التي تمتد من سوريا الى إيران، وفي كل ذلك فإن مصلحة روسيا فوق الجميع.

أما المرشد فإنه شرب في همدان «كأس السم» السوري على وقع هدير القاذفات الاستراتيجية الروسية.