تجمع آلاف المحتجين في بغداد والمدن العراقية وسط أجواء أمنية مُشددة تلبية لدعوة أطلقها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، احتجاجاً على مضي البرلمان العراقي بتشريع قانون للانتخابات المحلية يتيح للكتل الكبيرة الاستئثار بالسلطة في المحافظات العراقية.
وتسعى الكتل السياسية العراقية الكبيرة من خلال التصويت على نظام «سانت ليغو» الانتخابي الذي يتيح حساب المقاعد وفق قاسم يبلغ (1.9) بدلاً من (1.4) للمقعد الانتخابي، الى غلق الأبواب أمام التغيير والإصلاح السياسي وإحكام الكتل الكبيرة قبضتها على الواقع السياسي لأمد غير معلوم.
وأدى بدء البرلمان العراقي بتشريع القانون الانتخابي المثير للجدل بدفع من الكتل النيابية الكبيرة، الى انقسام سياسي واضح حتى بين مكونات التحالف الشيعي الحاكم لا سيما أن بعض الأحزاب الإسلامية أو الشخصيات الشيعية المنخرطة فيه كحزب الفضيلة أو المستقلون لم تخفِ انزعاجها من حالة الاستئثار التي تقودها الأطراف الكبيرة وبخاصة كتلة حزب الدعوة (بزعامة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي)، فضلاً عن خشية أنصار الأحزاب العلمانية أو المدنية الصغيرة من خروج أحزابهم من اللعبة الانتخابية، وهو أمر وجد صداه لدى التيار الصدري وزعيمه السيد الصدر العازم على قطع الطريق أمام الكبار على استغلال نفوذهم للحصول على مكاسب سياسية أو انتخابية.
وفي كلمة مصورة مُسجلة بثت أمام الآلاف من المحتجين من التيارين الصدري والمدني طرح زعيم التيار الصدري خارطة طريق لإنقاذ العراق من أزماته.
وقال الصدر في كلمته «أعزي الشعب العراقي بإقرار قانون الانتخابات وبصيغته الحالية ( 1.9) من قبل القوى المهيمنة كون إقراره بمثابة موت لطموحات الشعب وتطلعاته بالتغيير والإصلاح ويوفر حاضنة تشابه الإرهاب الداعشي من خلال الفساد ووصول حيتان الفساد للسلطة».
ولفت الى أن «قانون الانتخابات سيكون عبارة عن قانون يتيح للفاسدين تثبيت كراسيهم وحجز مقاعدهم مرة أخرى ليبعوا ما تبقى من الأراضي العراقية كما باعو الموصل والأنبار وغيرها» متحدياً الفاسدين بمواصلة المواجهة معهم.
وطالب الصدر العراقيين بـ «مناصرة الجيش العراقي والقوات الأمنية بكل أصنافها وأن يكون السلاح بيد الدولة حصراً وبقيادة من حرر الأراضي من يد الأراذل وعلى رأسها رئيس الوزراء (حيدر العبادي) الذي يحاول معالجة التركة الثقيلة التي تركها سلفه (نوري المالكي) وهو مُلزم بإكمال مشوار الإصلاح بخطى حثيثة لإبعاد شبح الإرهاب».
وطرح زعيم التيار الصدري خارطة طريق لإنقاذ العراق من أزماته خصوصاً في مرحلة ما بعد داعش من خلال «دمج العناصر المنضبطة من الحشد الشعبي ضمن القوات المسلحة وجعل زمام الحشد بأمر الدولة لا غير والعمل على سحب السلاح من الجميع سواء من الفصائل أو غيرها»، داعياً الى «الإسراع بإرجاع المهاجرين والمهجرين وبناء المدن والثبات على موعد إجراء الانتخابات بكل المحافظات من دون التفريق بين محافظة شيعية أو سنية، وإعطاء الفرصة للأقليات مع ضرورة مساهمة الأمم المتحدة بالإشراف على مفوضية الانتخابات فضلاً عن أن يكون مسك الأرض المحررة والحدود بيد القوات العراقية»، مشيراً الى «وجود مطالب أخرى سيتم الكشف عنها قريباً في حال البقاء على قيد الحياة خصوصاً بعد انزعاج كثيرين من خطواتنا الأخيرة»، في إشارة الى زيارته الى المملكة العربية السعودية وغضب إيران واتباعها منها.
واحتشد في ساحة التحرير وسط بغداد الآلاف من أتباع التيارين الصدري والمدني احتجاجاً على الفساد والمضي بقانون الانتخابات المحلية.
وطالب المحتجون البرلمان العراقي بإعادة النظر في مشروع القانون وإيقاف التصويت عليه ملوحين بمقاطعة الانتخابات المحلية.
وجدد المتظاهرون مطالباتهم بإنهاء الفساد المالي والإداري المتفشي بمؤسسات الدولة ودوائرها وبتحسين الواقع المعيشي والخدمي والأمني والقضاء على ظاهرة البطالة المستشرية داخل المجتمع العراقي.
ورأى السيد ابراهیم الجابري مدیر مكاتب الشهید الصدر في بغداد والمناطق الشمالیة أن «مفوضیة الانتخابات فاسدة ولا ترید حیاة رغیدة للشعب العراقي» واتهمها بـ«محاولة الالتفاف على الدیموقراطیة» مؤكداً أن «المتظاهرين لن يسمحوا للمفوضية القيام بذلك».
وشدد الجابري في تصريح صحافي خلال الاحتجاجات على أن «الشعب العراقي جاء الى ساحة التحریر لینادي بحریته التي سلبتها منه مفوضیة الانتخابات»، محذراً من أن «الشعب لدبه سبل كثيرة لمواجهة الفاسدين غير دخول البرلمان أو الحكومة التي أصبحت خطوة قديمة».
وكان الصدر دعا أول من أمس إلى تظاهرة «حاشدة» في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد وبقية المحافظات، محذراً من أن تكون التظاهرة «دون المستوى المطلوب».
وتشهد ساحة التحرير وسط بغداد منذ أكثر من سنتين تظاهرات كل يوم جمعة تقريباً يُطالب المشاركون فيها بإجراء إصلاحات سياسية وإدارية ومكافحة الفساد.
وفي السياق نفسه انتقد نائب الرئيس العراقي اياد علاوي التصويت على تعديل قانون الانتخابات المحلية الذي وصفه بأنه «جاء وفق مصالح الكتل السياسية من دون أية مراعاة للمصلحة الوطنية».
وطالب علاوي في بيان له امس مجلس النواب بأن «يتحمل المسؤولية بالنظر في المطالب الشعبية بإقرار قانون انتخابات يعالج الثغرات السابقة ويلبي تلك المطالب ويضع مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية والكتلوية»، مجدداً موقفه الرافض لـ «سن قانون انتخابات وفق مصالح الكتل السياسية من دون أية مراعاة للمصلحة الوطنية لكونه سينتج عملية سياسية مشوهة تتجه بالعراق الى نفق مظلم لا تُعرف نهاياته، وهو ما سيعني أن جميع الخيارات ستكون مفتوحة أمام القوى الشعبية الوطنية وبضمنها إعادة النظر بموقفها من المشاركة في تلك الانتخابات ومن العملية السياسية ذاتها سلمياً».
وأجبرت الأزمة السياسية المرتبطة بقانون الانتخابات المحلية رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري على تقديم اعتذاره عن تلبية الدعوة لحضور مراسم تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران.
وقال مكتب الجبوري في بيان حصلت جريدة «المستقبل» على نسخه منه أمس إن «الجبوري اعتذر، اليوم (أمس) عن تلبية الدعوة الرسمية لحضور أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني حسن روحاني» موضحاً أن «ارتباط الجبوري بالإشراف على الحراك البرلماني واجتماعات الكتل السياسية الرامية لإقرار قانون الانتخابات سيحول دون تمكنه من تلبية دعوة المشاركة».
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أبدى هو الآخر أول من أمس اعتذاره عن تلبية دعوة إيرانية لحضور مراسم أداء اليمين الدستورية وتنصيب روحاني.