22 تشرين الثاني، العيد عيدان هذا العام.. هو يوم المجد والسعد في لبنان حيث لا مجد من دون استقلال و«لا سعد من دون سعد». عاد الرئيس سعد الحريري إلى البلد معيداً الروح والتوازن إلى البنية الوطنية بعد 18 يوماً عجاف عاشها اللبنانيون على غير هدى واتزان تحت تأثير غيابه المدوي عنهم. من الرياض إلى باريس والقاهرة وقبرص، انتهت رحلة الترقب وحبس الأنفاس وانطلقت مع لحظة وصوله إلى بيروت ليلاً رحلة البحث عن أرضية وطنية مشتركة تحصّن البلد وأبناءه وتنأى به وبهم قولاً وفعلاً عن نيران المنطقة. ما بعد «الصدمة الإيجابية» لا بد من ترجمات إيجابية لوقع الصدمة ولا بدّ للالتباس في المواقف أن ينجلي، فقد آن أوان «الكلام في السياسة» بعدما آثر الرئيس الحريري الصوم عنه خارج أرض الوطن.
إذاً، وعلى وقع الاحتفالات الشعبية التي عمّت بيروت والمناطق، وصل الرئيس الحريري قبيل منتصف الليلة الماضية إلى مطار رفيق الحريري الدولي لينطلق على الفور وسط إجراءات أمنية مشددة باتجاه ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة عن روحه الطاهرة وأرواح رفاقه الشهداء بحضور مدير مكتبه نادر الحريري، مكتفياً بالقول رداً على أسئلة الصحافيين: «شكراً للبنانيين». وصباح اليوم يشارك الحريري إلى جانب رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري في حفل الاستقلال الذي سيقام في وسط العاصمة على أن ينتقل الرؤساء الثلاثة بعد انتهاء العرض العسكري إلى قصر بعبدا لتقبل التهاني بالمناسبة. في حين سيكون «بيت الوسط» ظهراً محجّة لجمهور «المستقبل» ومحبي الرئيس الحريري المتلهفين للقائه وتجديد الولاء والوفاء لنهجه الوطني وخطه السياسي.
وعلى الطريق نحو بيروت، كانت محطتا مصر وقبرص حيث تداول الحريري مع كل من الرئيسين
المصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي نيكوس أناستسياديس في تطورات لبنان والمنطقة، وسط حفاوة رئاسية كبيرة أحاطت الزيارتين، بدءاً من القاهرة حيث برزت شكلاً ومضموناً الحرارة المصرية في استقبال الحريري من أرض مطار القاهرة الدولي وصولاً إلى قصر الاتحادية حيث استقبله الرئيس السيسي عند مدخل القصر مردداً مرات متتالية عبارة «أهلاً وسهلاً» في كل خطوة خطاها باتجاه مصافحة الحريري ليعود فيشبك يده بيده أثناء دخولهما إلى الصالون الرئاسي. وعلى الأثر عقدا اجتماعاً حضره وزير الخارجية سامح شكري ومدير المخابرات خالد فوزي ومدير مكتب الرئيس المصري اللواء عباس كامل، ثم عقد السيسي خلوة مع الحريري أعقبها بمأدبة عشاء تكريمية أقامها على شرفه.
وبعد اللقاء، تحدث الرئيس الحريري إلى الصحافيين معرباً عن شكره لمصر ولرئيسها على دعمه للبنان واستقراره، وأوضح أنّ حديثاً مطولاً دار بينهما «مبنياً على استقرار لبنان وضرورة النأي بالنفس عن كل السياسات الإقليمية»، مجدداً التذكير بما قاله من باريس لجهة حرصه على عدم التحدث في السياسة قبل الوصول إلى لبنان. ولاحقاً، غرّد الحريري على صفحته عبر موقع «تويتر» قائلاً: «تاريخ أخوي يجمع أم الدنيا بلبنان كما الصداقة المميزة التي تجمعني بالرئيس السيسي».
كما كانت تغريدة أخرى للحريري صباح أمس إحياءً لذكرى استشهاد النائب بيار الجميل، جاء فيها: «في ذكرى استشهاد الصديق والأخ بيار أمين الجميّل نكرّر وفاءنا لشعاره وشعارنا: لبنان أولاً»، وختم متوجهاً إلى الشهيد بالقول: «لن أنسى أبداً كم كنت وفياً يا بيار!»
«رسائل» الاستقلال
وعشية الاستقلال، توجه رئيس الجمهورية إلى اللبنانيين بكلمة للمناسبة ضمّنها سلسلة «رسائل» للداخل والخارج متمحورة حول وجوب الحفاظ على سيادة واستقرار الوطن والنأي به عن «عواصف المنطقة» بالتوازي مع ضرورة استكمال «عملية بناء الدولة». وإذ رأى أنّ «الأزمة الحكومية الأخيرة شكلت للحكم وللشعب اختباراً صادماً وتحدياً بحجم القضايا الوطنية الكبرى»، ضمّن عون كلمته «ثلاث رسائل» دعا فيها اللبنانيين إلى الاعتصام بحبل «الوحدة» وعدم السماح للفتنة بأن تشق صفوفهم «لأنها الدمار الشامل الذي لا ينجو منه أحد»، بينما توجه إلى الجيش والقوى الأمنية برسالة تدعوهم إلى أن يكونوا «دوماً جاهزين لأداء الواجب». أما رسالته الأولى فناشد من خلالها الدول العربية «التعاطي مع لبنان بكثير من الحكمة والتعقل» وأردف قائلاً: «على الرغم من كل ما حصل لا تزال آمالنا معقودة على جامعة الدول العربية بأن تتخذ المبادرة انطلاقاً من مبادئ وأهداف وروحية ميثاقها»، داعياً في الوقت عينه «المجتمع الدولي إلى أن يصون الاستقرار في لبنان من خلال التطبيق الكامل للعدالة الدولية».