«التقاء الهواجس» الوزارية يدعو إلى «تصريف الأعمال» رفضاً لتسخيف الشغور
الجميل لـ«المستقبل»: حوار عون وجعجع يغطّي الفراغ
لا جبهة ولا تكتلاً ولا محاور بل هو مجرد «التقاء هواجس» وزارية، وفق ما حرصت أوساط الرئيس ميشال سليمان على توصيف اللقاء التشاوري الذي عقد أمس في دارة رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس أمين الجميل، موضحةً لـ«المستقبل» أنّ هذا اللقاء إنما يأتي في سياق استكمال المشاورات التي سبق أن جرت في دارة سليمان حول انعكاسات الشغور الرئاسي على الوضع الحكومي مع ترجيحها انعقاد الاجتماع التشاوري الثالث في بكركي تحت عنوان «احترام الدستور لإنهاء الفراغ». أما الرئيس الجميل الذي تلا بيان اجتماع «سنّ الفيل» فأكد أنّ «المجتمعين يدعمون بقوة مساعي رئيس الحكومة تمام سلام لخلق بيئة إنتاجية في جلسات مجلس الوزراء»، مع الإشارة في المقابل إلى أنّ «غياب رئاسة الجمهورية هو مصدر العطل الحقيقي الذي يصيب كل المؤسسات الدستورية». وكان الجميّل قد انتقد عبر «المستقبل» العاملين على «تسخيف الشغور» من أصحاب «الغنج السياسي» الذين يعطّلون انتخاب الرئيس، مصوّباً انتقاده الصريح والمباشر في اتجاه حوار «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» الذي اعتبره حواراً «يغطّي الفراغ» القائم في سدة الرئاسة الأولى.
وإذ انتقد «الأدبيات التي يعبّر عنها البعض ويتم تكريسها إعلامياً لجهة التركيز على تسيير الأمور في البلد من دون الإتيان على ذكر انتخاب الرئيس»، قال الجميّل لـ«المستقبل»: «وكأنّ هناك تسخيفاً متعمّداً للشغور الرئاسي، بحيث يبدو من نوايا البعض «ما فرقاني معهم» غياب الرئيس»، وأضاف: «يتحدثون في الحوار القائم بين العونيين والقواتيين عن الإعداد لورقة «نوايا»، لكن إذا كان البحث في النوايا، التي عادةً ما تُتلى في القداديس بعد الانجيل، قد استغرق كل هذا الوقت بينهم فكم من الوقت سيستغرق الجانبان في بحث موضوع انتخاب رئيس للجمهورية؟»، وأردف: «هذا الحوار يشكّل للأسف أكبر تغطية للفراغ الرئاسي«.
وعن مسألة آلية العمل الحكومي، أجاب الجميّل: «نحن في حزب «الكتائب» لا نقبل أن يبقى الوضع على ما هو عليه من دون رأس للدولة باعتبارها مسألة ميثاقية، وبناءً عليه نسعى إلى التوفيق بين نقطتين جوهريتين تتمحوران حول كيفية تسيير مصالح الناس من جهة وتدارك تداعيات الغنج السياسي الذي يمنع انتخاب الرئيس»، وشدد في هذا المجال على وجوب «تفادي أن يكون التطبيع مع الشغور حجة لعدم الانتخاب، وعلى «ضرورة عدم استمرار الأمور وفق قاعدة «Business as usual» التي يستفيد منها المعرقلون»، معتبراً أنّ هناك في البلد أطرافاً «غير منزعجين» من الفراغ وآخرين «مستفيدون منه» وأطرافاً أخرى «تعمل من أجله».
وعن المحادثات التي كان قد أجراها في بيت الوسط مع الرئيس سعد الحريري، أوضح الجميّل أنهما استعرضا «موضوع الآلية الحكومية بالتفصيل»، مؤكداً أنّ اللقاء كان «ممتازاً وتخللته بصورة عامة مناقشات حول عدة أفكار متصلة بالمعادلة القائمة على التوفيق بين تسيير أمور الحكومة وبين عدم تسخيف الفراغ الرئاسي والإيحاء بأنّ تعيين موظف معيّن هو أمر أهمّ من انتخاب الرئيس». وأضاف: «كذلك نحن نقوم باتصالات في موضوع الآلية مع الرئيس سلام الذي نكنّ له كل تقدير ومودّة ونريده أن ينجح قائداً للسفينة على أمل في أن نصل معه إلى صيغة عمل منتجة للحكومة ولا تسخّف الفراغ الرئاسي الذي يشكل استمراره خطراً على الميثاقية ومساً بها وبالنظام اللبناني ككل».
وفي معرض تأكيده أنّ «وزراء الكتائب هم آخر من يمكن أن يعطّل عمل الحكومة»، ذكّر الجميّل بأنّ «الحزب ليلة الإشكالية التي حصلت حول ملف النفايات عقد اجتماعين متتاليين بغية تسهيل الأمور في اليوم التالي على طاولة مجلس الوزراء»، واستطرد قائلاً: «لم يساهم أي طرف بحلحلة المواضيع في المجلس مثلما فعل «الكتائب»، بدليل أنّ المشكلة التي حصلت خلال الاجتماع الأخير للحكومة لم يكن للوزراء الكتائبيين أي علاقة بها». وختم الجميّل حديثه لـ«المستقبل» بالقول: «يجب أن نلزم أنفسنا وخصوصاً معطّلي الانتخاب بإتمام واجب الاستحقاق الرئاسي.. لا بدّ من وقفة وجدانية وتاريخية من قبل الجميع لانتخاب رئيس لأنّ ما يحصل اليوم لم يحصل إلا في زمن الحرب والهيمنة على القرار اللبناني، أما اليوم فما هو المانع من انتخاب الرئيس سوى الدلع السياسي؟».
اللقاء التشاوري
بالعودة إلى «اللقاء التشاوري» في سن الفيل، فقد أكد البيان الصادر عنه أنه أتى تعبيراً عن رفض استمرار الشغور الرئاسي «فيما يتعرّض لبنان لأخطار وجودية وكيانية ودستورية»، مندّداً في هذا السياق بـ«الانقلاب الموصوف على الدستور الذي يهدف إلى تغيير آلية انتخاب الرئيس بقصد السيطرة على الجمهورية». وإذ أكد المجتمعون حرصهم على استمرار عمل الحكومة وعدم عرقلتها، أبدوا في هذا السياق دعمهم مساعي الرئيس سلام الرامية إلى خلق بيئة انتاجية في مجلس الوزراء، لافتين الانتباه في الوقت ذاته إلى أنّ معالجة الأعطال التي تصيب المؤسسات الدستورية «تبدأ بانتخاب الرئيس وحينئذ تسقط دواعي البحث عن آليات بديلة» للعمل الحكومي.
وبينما صرّح وزير الاتصالات بطرس حرب بعد الاجتماع منتقداً استخدام بعض الأفرقاء الآلية الحكومية الراهنة «للسيطرة على قرارات مجلس الوزراء»، شددت وزيرة المهجرين أليس شبطيني لـ«المستقبل» على أنّ «الأصول الدستورية تقتضي أن يكون لدى جميع الوزراء في الحكومة الحالية ذهنية تصريف الأعمال خلال ممارسة واجبهم الوظيفي في زمن الشغور الرئاسي، لأنّ صلاحيات رئيس الجمهورية ملازمة لشخصه ولا يمكن للوزراء الحلول مكانه في ممارسة هذه الصلاحيات». ورداً على سؤال، أجابت شبطيني: «اللقاء التشاوري وُجد من أجل الدفع باتجاه انتخاب الرئيس وحين يتم ذلك تنتفي الحاجة إلى هذا اللقاء».
تنسيق وتشاور
على صعيد متصل، علمت «المستقبل» أنّ كلاً من الرئيسين الجميّل وسليمان نسّقا المواقف المنبثقة عن اللقاءين في دارة كل منهما مع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، بينما يعتزم الجميل وسليمان وسائر أعضاء اللقاء التشاوري القيام، كل منهم على حدة، بزيارات تشاورية إلى السرايا الحكومية للتداول مع رئيس الحكومة في سبل تفعيل انتاجية مجلس الوزراء على قاعدة تسيير أعمال الناس تحت سقف الظرف الاستثنائي الراهن الذي يحتّم ضرورة العمل في الحكومة بذهنية تصريف الأعمال في ظل غياب رئيس الجمهورية.
واختصر وزير عضو في اللقاء صيغة العمل المنشودة حكومياً بالقول لـ«المستقبل»: «نريد اعتماد آلية تتيح تسهيل عمل الحكومة من دون أن يكون وزراء «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» أوصياء عليها». وأكد رداً على سؤال أنّ أعضاء اللقاء التشاوري لا يعتبرون أنفسهم منضوين ضمن أي تكتل أو جبهة داخل الحكومة بل هم على العكس من ذلك تداولوا أمس في «سوء الفهم» الذي حصل حيال هذه المسألة بعد انعقاد الاجتماع الأول في دارة الرئيس سليمان، كاشفاً في هذا السياق أنه «ولمزيد من التأكيد على الطابع التشاوري البحت للقاء بعيداً من التموضع ضمن إطار أي تكتل، أبدى المجتمعون (أمس في سن الفيل) رفضهم لاقتراح سليمان تحديد اجتماعات منتظمة دورياً للقاء في سبيل تحويله إلى قوة ضاغطة حكومياً، وفضّلوا الإبقاء على صيغة التشاور والتواصل فيما بينهم بعيداً من أي صيغة تكتل وزاري من هذا القبيل».