أكد أنّ الحرب على الحريري خلفيتها استتباع لبنان والخوف من شعبيته في سوريا
السنيورة يشهد ضدّ بشار الأسد
لايسندام ـ فارس خشان
الرحلة السياسية الطويلة التي اكتسبها الرئيس فؤاد السنيورة الى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري على مدى اثنتي عشرة سنة، قدمها، في اليوم الاول من شهادته أمام غرفة الدرجة الاولى في المحكمة الخاصة بلبنان، كمفهوم مع قليل من الوقائع، وكنهج مع ندرة من الأسماء، على الرغم من ان قضاة الغرفة برئاسة الاوسترالي دايفيد راي وممثل الادعاء العام غرايم كاميرون كانوا يحثونه على الرواية وعلى التسميات، من دون أن يساعدوا في ذلك، باستخراج حوادث وشخصيات وكيانات حزبية متوافرة لديهم في الملف.
وفي العادة، لا يظهر رؤساء سابقون شهوداً في المحاكم، لا المحلية ولا الدولية، ولكن السنيورة وافق على أن يمثل، بخلفية تقديم شهادة العمر برفيق الحريري «اللبناني العروبي» الذي عرفه منذ كان طالباً في صيدا، وناضل معه سلمياً في خلية واحدة في حركة القوميين العرب في الستينيات من القرن الماضي، تاركا الوقائع التفصيلية لشهود آخرين. وقد اكتفى السنيورة بتوكيد صدقيتهم، كما فعل تماماً بموضوع النائبين غازي يوسف ومروان حماده والنائب السابق باسم السبع الذين سأله الإدعاء العام عنهم، بعدما كانوا قدموا إفادات مفصلة بوفرة من الوقائع التي تبدأ ببشار الأسد وتستقر عند «حزب الله«.
وظهر السنيورة، خلافا للحملة العنيفة المسبقة التي شُنت عليه، منذ معرفة تاريخ توجهه الى لاهاي، بأنه ليس بحاجة الى منصة الشهود الدولية، لاستخدامها في الحسابات السياسية، بل هو اكتفى بتسجيل ثابتة جنائية مهمة للغاية بأن مشكلة رفيق الحريري الاساسية، لم تكن مع المسؤولين الأمنيين في لبنان، ممثلين باللواء المتقاعد جميل السيد «الذي لم يكن هناك خلاف شخصي بينه وبين الحريري»، أو مع رئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان العميد، في حينه، رستم غزالي، «الذي لم يكن يشتغل لحسابه الخاص»، بل مع من يحركهما في سوريا، أي رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي أهان الحريري وتسبب ببكائه، إذ روى السنيورة أن «صديق عمره» أطرق باكياً على كتفه بعدما قال له، بعد مدة من اجتماعه مع الاسد بحضور ضباطه الأمنيين الثلاثة في كانون اول 2003: «لن أنسى بحياتي الاهانة التي وجّهها لي بشار الاسد بحضور الضباط الثلاثة«.
وهذا النهج لقراءة مرحلة الاغتيال المعنوي لرفيق الحريري، سحبه السنيورة، بشكل أو بآخر، على الرئيس السابق أميل لحود، الذي كان النظام السوري، وفي سياق تأكيد التحكم به، وتبريرا لـ«أمر التمديد» لولايته، قد تعهد للحريري، على لسان غزالي، بأنه سيرى اميل لحود جديداً، وهو سيمنعه من «الذهاب الى البركة» إذا شاء ذلك.
وقال السنيورة للتأكيد: «لم يكن هناك أمر يمكن أن يمر، صغيرا أم كبيرا، إلا وفق مشيئة القبضة السورية التي كانت قبضة حديدية على لبنان«.
وهو لفت الى أن التعقيدات وضعت في وجه الحريري، منذ تشكيل حكومته الثالثة في أواخر العام 1996، والتي أنزلت أسماؤها عليه تنزيلا.
وفي التصوّر الذي قدمه السنيورة لعداء النظام السوري لرفيق الحريري، أن لا فرق بين «أبو عبدو» و»أبو يعرب» في التعامل مع الحريري، بل كل منهما كان يعكس طريقة تعاطي الرئيس السوري، فحافظ الاسد كان يستمع ويتفهم حتى لو لم يغيّر قراره، في حين أنّ بشار الاسد كان يأمر ويهين ويهدد.
ووفق السنيورة، فهذا النهج له أسبابه، فمشكلة رفيق الحريري الاساسية نبعت من أنّ النظام الامني السوري، كان يريد لبنان مستتبعاً فيما هدف الحريري تحريره من مدخل الاقتصاد، وقال في هذا السياق: «هواجس اميل لحود والنظام السوري من ورائه، تكمن في أن كل عملية إصلاح تؤدي إلى مزيد من الانفتاح، وهي تقدم الكفاءة بدلا من الاستتباع. كان الحريري يتطلع إلى ادخال لبنان في القرن الحادي والعشرين فيما كان هناك من يريد ابقاء لبنان مستتبعاً للنظام السوري.»
وتحدث السنيورة في هذا السياق عن الفارق الكبير بين الاقتصاد الذي شاءه الحريري للبنان وبين طبيعة النظام الاقتصادي في سوريا، واعتبر ان الشراكة مع القطاع الخاص التي عُرقلت في لبنان، كانت لو نجحت لتؤذي النظام السوري الذي لم يكن يتطلع إلى اصلاح نفسه وتغيير طبيعته.
ولفت السنيورة الى أن النظام السوري بدأ يتوجس من شعبية الحريري التي نمت حتى داخل سوريا، وأفاد أنّ الحريري، وبعد التعقيدات التي وضعت له، بعد مؤتمر باريس -2 الذي حقق للبنان نجاحاً كبيراً وبدا كأنه زورق نجاة، وصل الى نتيجة بأن هناك استحالة حقيقية للوصول إلى ما يخدم النفع اللبناني العام، فراح يعد الأيام التي تفصل عن نهاية ولاية اميل لحود.
قبل هذا المؤتمر، وفي دلالة على المأزق الذي كان يعاني منه لبنان، اضطر الحريري لتمرير إصدار مالي للدولة، أن يضمن ذلك، بماله الخاص.
وفيما كان السنيورة يروي أنّ الحريري أخبره في فقرا، بعيد عودته في آب 2004 من دمشق، بأن بشار الاسد هدده بتكسير لبنان إن لم يتم التمديد للحود، كان الادعاء العام يعرض فيلماً عن هذا اللبنان المهدد بالدمار أسدياً الذي أعاد رفيق الحريري إعماره ونال جائزة عالمية، من الامم المتحدة، في برشلونة في أوائل أيلول 2004 بحضور قادة دول وثلاثة آلاف شخص.
واهتم رئيس الغرفة القاضي دايفيد راي، في لفتة الى الأهمية الجنائية لهذه العولمة للحريري وإنجازه، بمدى وصول تفاصيل جائزة برشلونة الاممية غداة صدور القرار 1559، إلى جميع الاطراف في لبنان، وعما اذا كان الاعلام، على تنوّعه، قد اهتم بالأمر، ونشر معلومات وصوراً عنه.
السنيورة رفض، على الرغم من تكرار الأسئلة وتنويع طريقتها، تسمية الأشخاص والجهات التي كانت تقف وراء عرقلة مشروع رفيق الحريري اللبناني، وكان يكتفي بتكرار ثابتة «النظام الامني السوري- اللبناني»، وحين اشتدت عليه وطأة التسميات، قال:»هناك قائمة بمئات الاشخاص من أمنيين وسياسيين وصحافيين وأشخاص مأجورين، وأكتفي بمن سبق لي وذكرتهم في هذه الشهادة، أي اميل لحود وناصر قنديل الذي جرى فرضه على لائحة الحريري في العام ألفين بدلا من غازي يوسف، لأنه خير ناطق بمصالح النظام السوري.»
وفي الحديث عن موقف الحريري من التهديد باغتياله لفت إلى أنّ الحريري كان يقول إنهم لا يجرؤون، وحين سئل عمن يقصد بـ«هم» أجاب: النظام الأمني السوري.»
السنيورة يواصل اليوم الادلاء بإفادته. الادعاء العام ينتهي معه قبل انتصاف النهار. فرق الدفاع قالت إنها تحتاج الى وقت طويل معه، حتى ان فريق الدفاع عن مصطفى بدر الدين ممثلاً بالمحامي أنطوان قرقماز المعروفة صلته اللصيقة بجميل السيد طالب لنفسه بيومين.