الواقعة ـ الحدث موثّقة في إفادته الكتابية وتفسّر الحملة العنيفة عليه
السنيورة عن الحريري: «حزب الله» حاول اغتيالي
لايسندام ـ فارس خشان
بدا الرئيس فؤاد السنيورة هنا في قاعة أنطونيو كاسيزي، لاعب شطرنج بارعاً للغاية، وهو يقول لخصومه الذين استبقوا وواكبوا إفادة يومه الأول بالتخوين والشتائم: «كش ملك.»
أحاط السنيورة، أمس الأول، إفادته أمام غرفة الدرجة الاولى، في المحكمة الخاصة بلبنان برئاسة الأوسترالي دايفيد راي، بكل ما يحصن صدقيتها، فترك ممثل الادعاء العام غرايم كامرون يثبت بالوثائق والأفلام والوقائع صلته اللصيقة جداً بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما يسر إليه في جلسات ثنائية، قبل أن يصل الى أحد أهم أركان إفادته المتصلة باتهام رفيق الحريري أمامه لحزب الله بأنه حاول مرات عدة اغتياله.
ومعلوم أن «حزب الله« يحمي خمسة متهمين باغتيال الحريري في الجريمة الإرهابية التي استهدفته في منطقة السان جورج في بيروت، ينتسبون الى جهازه الأمني تحاكمهم غرفة الدرجة الأولى غيابياً.
كيف وصل السنيورة الى البوح بهذا السر في شهادته؟
أمس، وقبيل انتهاء كاميرون من الاستجواب الرئيسي للسنيورة، وجه إليه سؤالاً بدا عاماً، ولم يكن أحد ممن يتابع الشهادة يتوقع نتيجته.
سأله: «في خلال الفترة التي كنت معه كرئيس وزراء وكحليف له وكمؤتمن على أسراره، هل كانت هناك مناسبات أعرب فيها الرئيس عن مخاوف بشأن سلامته الشخصية؟
أجابه السنيورة: «نعم في كثير من الأحيان كنت أكون معه في السيارة الى جانبه وهو يقود السيارة ونكون منفردين. مرة واحدة لا أذكر التاريخ، ولكني أذكر الحادثة وكأنني أراها اليوم، كان يقود السيارة وأنا الى جانبه نتحدث في أمور عدة سياسية وغير سياسية، وفجأة التفت الي وقال: تعرف يا فؤاد، صرنا مكتشفين كذا محاولة لاغتيالي من حزب الله. كان ذلك مفاجئاً لي وساد بعدها صمت ثقيل لم أعقب على ذلك ولم أسأله أي سؤال يتعلق بهذا الامر«.
استوضح كامرون: أنت ذكرت أنك لا تتذكر بالتحديد التاريخ وهل تذكر تقريباً الفترة التي قال لك فيها الرئيس هذا الموضوع؟
أجاب السنيورة: «ربما تكون إما في نهاية الـ2003 أو في مطلع الـ2004 ولكن ليس بعد ذلك ولا قبل ذلك على ما أظن«.
أين يقع جنائياً ما كشفه السنيورة؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من التوقف بداية عند معطى في غاية الأهمية، ويتمحور حول توضيح ما اذا كان السنيورة يقول هذا الكلام الآن، للمرة الاولى، وتالياً فإنه والحالة هذه، تصبح الأسئلة التشكيكية به، في موقعها.
بالتدقيق، يظهر أن هذه الواقعة ثابتة في إفادات السنيورة الكتابية، وقد سبق له ورواها، من دون أن يفصح عنها يوماً، منذ وقت طويل.
وهذا يعني أنه، هنا في قاعة أنطونيو كاسيزي، أكد عليها، في جلسة علنية.
وهذا يمكنه أن يفسر الحملة العنيفة التي تجددت على السنيورة، منذ معرفة الموعد الذي سيقدم فيه شهادته، إذ بدا أن الهدف يرمي إلى ترهيبه من أجل إهمال هذا الجزء من إفادته، وعند الاضطرار التخفيف من أهميته.
لكن السنيورة الذي جاء الى لايسندام ليشهد لرفيق الحريري، تجاوز الرسائل التي فهمها، وبقي على سراط أقواله السابقة.
وفي العلم الجنائي، فإنه في حال لم يبرز ما من شأنه أن يسقط إفادة السنيورة، فإن هذه الواقعة، تقدم للمحكمة معلومات عن أسبقيات منسوبة الى الفريق السياسي – الامني الذي ينتمي اليه المتهمون، كما يربطهم، بطريقة مباشرة بعداء بشار الأسد للحريري، وفق ما أجاد السنيورة وقبله الشاهد، باسم السبع في التركيز عليه، كمعطيات ووقائع.
كيف ذلك؟
إان التوقيت الذي أشار اليه الرئيس – الشاهد مهم للغاية، فالفترة التي حددها، لها سياق واضح جداً.
فالعداء الأسدي المتنامي ضد الحريري، بدأت معطياته في التبلور، في تلك السنة بالتحديد، ففي نيسان منها، جرى فرض حكومة جديدة على الحريري فرضاً، وبعدها بنحو شهرين جرى قصف مقر تلفزيون المستقبل في الروشة بمسؤولية معلنة لتنظيم «أنصار الله« الذي ذكر اسمه السبع بالاسم الذي يحمله الحوثيون في اليمن- ومعروفة صلتهم بإيران – لتنتهي بالاجتماع التخويني والتهديدي الشهير عند بشار الأسد بحضور ضباطه الأمنيين الثلاثة.
ويأتي هذا الكلام الاتهامي المنسوب الى الحريري ، قبل قراره بإطلاق حوار بينه وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهو حوار أجمع أكثر من شاهد على أن الحريري، كان يهدف منه الى اتقاء شر «حزب الله« ويريده بمثابة محاولة جادة للعمل على لبننة هذا الحزب، من أجل إيجاد دينامية جديدة في لبنان، في ضوء السعي المكلل بالقرار لإخراج الجيش السوري ومخابراته من كامل الأراضي اللبناني، انفاذاً لما ورد في وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باتفاق الطائف.
ويعتقد مراقبون هنا في لاهاي بأن إفادة السنيورة لهذه الجهة لن تكون معزولة، فهناك شهود قد يأتون بمعطيات تجسد ما تحدث عنه الحريري في وقائع.
في الجلسة التي انعقدت أمس كانت قامة رفيق الحريري الدولية التي اعقبت التمديد لإميل لحود وصدور القرار الدولي ، محور متابعة، فبعد برشلونة كانت دبي والبحرين والقادة الذين يجيد الحريري حبك علاقات متينة معهم، على امتداد الكرة الأرضية.
واستعمل الادعاء العام واقعة غداء أقامه النائب السابق عصام فارس على متن يخته في بيروت بحضور السنيورة في الثالث من شباط ، في خدمة ما سوف تنطق به «داتا« الاتصالات، في مرحلة لاحقة، عن تحركات المتهمين بالاغتيال. ممثلو الضحايا جالوا مع السنيورة على الظروف اللبنانية التي أملت نشوء المحكمة الخاصة بلبنان كما على الحاجة اللبنانية إليها، فيما انطلقت فرق الدفاع في استجواب مضاد يبدو طويلاً نسبياً.
البداية كانت مع المحامي فيليب لاروشيل بوكالته عن المتهم الفار حسين عنيسي الذي وصف المراقبون المواضيع التي أثارها بـ«الصبيانية«، فهو على سبيل المثال يريد أن يؤكد المؤكد بأن علاقة الحريري بالنظام السوري، منذ العام كانت جيدة، وهو الأمر الذي أثبته جميع الشهود الذين تحدثوا عن بدء تدهور هذه العلاقة، بشكل متدحرج منذ العام ، وتعاظمت الى مستوى قرار انتقال الحريري الى معارضة الوجود السوري في لبنان في الشهر الذي شهد اغتياله.
كما أنه حاول أن يركز على «أعداء« للحريري أنتجهم عمله السياسي، في محاولة قد تكون هادفة الى إلقاء شبهات عليهم باغتياله، ولكن من دون توفير أدلة لاغية للأدلة الاتهامية التي يقدمها الادعاء العام تباعاً.
وقد كان ملاحظاً أن لاروشيل في أسئلته كان يستند الى شائعات، ولكن السنيورة رفض إعطاء رأيه بشائعات قائلاً للمحكمة:» هل يريدني أن أستعمل عقلي لأرد على مجانين«.
ومن بداية أسئلة المحامي جاد خليل بوكالته عن المتهم الفار حسن حبيب مرعي، يبدو أنه يسلك مسلك لاروشيل.
السنيورة يبقى على منصة الشهود اليوم وغداً، خصوصاً وأن المحامي أنطوان قرقماز المعروفة صلته بجميل السيد، وفي دفاعه عن المتهم الفار مصطفى بدر الدين، طالب بمدة يومين لاستجوابه المضاد.