Site icon IMLebanon

الحريري: غير معنيين بالمتاريس الطائفية والاعتدال لن ينكسر

أكد أنّ «الطريق إلى طهران لا فلسطين» تمرّ بالزبداني.. وأبقى الأبواب مفتوحة «لمخرج رئاسي واقعي»

الحريري: غير معنيين بالمتاريس الطائفية والاعتدال لن ينكسر

على قدر طموحات «الغالبية الساحقة من اللبنانيين التي لا تزال تريد سماع صوت العقل والهدوء والمنطق»، وبما لا يشتهي أرباب «ضرب الدين باسم الدين وحرق الوطن باسم الوطن والمزايدة على الاعتدال باسم محاربة التطرّف»، أطلّ الرئيس سعد الحريري مساء أمس بخطاب وطني رصين وجامع في مقاربته القضايا المطروحة على بساط البحث عن سبل إخراج البلد من عنق زجاج الأزمة الخانقة للدولة ومؤسساتها، فأطلق جملة مواقف تحاكي الضمير الوطني وتناشد جميع القيّمين على مستقبل البلاد والعباد أن يتحمّلوا المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة المفصلية بعيداً عن منزلقات «المزايدة والتصعيد والتطرّف» التي لا تؤدي إلا إلى الخراب وضرب السلم الأهلي. ولأنّ تيار «المستقبل» مؤتمن في صلب معتقداته ورصيده وإنجازاته على «رسالة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بمنع الفتنة وقيام الدولة الناجحة» خصّ الحريري اللبنانيين المؤمنين بهذا النهج والمؤتمنين على هذه الرسالة بتأكيد جازم قاطع لأي شك أو وهن بأنّهم «قوة الاعتدال التي لا تنكسر» وبأنّ «تيار رفيق الحريري يستحيل أن يشارك في ألعاب الدم بين الأخوة«، بينما توجّه في المقابل للمزايدين على الاعتدال ولكل من يحاول تحوير الخلاف السياسي في البلد إلى خلاف طائفي بكلام واضح وصريح ومباشر: «نحن في «تيار المستقبل» لسنا موجودين على المتاريس الطائفية ولسنا بوارد أي مواجهة على أساس طائفي وإذا كان هناك من يريد فتح هكذا مواجهة فسيجد نفسه في مواجهة مع نفسه».

وعلى جاري عادته، إذ حوّل «تيار المستقبل» يوم إفطاره الرمضاني السنوي أمس إلى مهرجان وطني جامع بحضور أكثر من 18 ألف شخص من مختلف الطوائف تابعوا خطابه مباشرةً على الهواء عبر شاشات عملاقة وُضعت في 14 إفطاراً شملت بيروت، طرابلس، صيدا، عكار، البقاع الأوسط وبعلبك، البقاع الغربي، عرسال، المنية، الضنية، جبيل، الكورة، زغرتا، حاصبيا ومرجعيون وجبل لبنان الجنوبي، جاء اللقاء المرتقب أمس مع الرئيس الحريري ليؤكد في مضامينه المعاني الحقيقية للإسلام دين الاعتدال و»الرحمة والوحدة والمحبة والقيّم النبيلة»، بعيداً عن ارتكابات «الضالين عن حقائق الدين والذين يشنون الحروب ضد الشعب السوري والذين يرتكبون الجرائم في ديار العرب والعالم».

الرئاسة

أما في السياسة، فتذكير من الحريري بخريطة الطريق التي كان قد تقدّم بها العام الماضي لحماية لبنان من الحرائق المحيطة، والتي تصوّب بوصلة الاستقرار والمسار السياسي في البلد نحو جملة أولويات يتقدمها «انتخاب رئيس للجمهورية والانتقال إلى حكومة جديدة ووقف التورط المتمادي في الحرب السورية»، فضلاً عن طرح «استراتيجية وطنية يتولاها الجيش والقوى الشرعية حصراً لمكافحة الإرهاب ومخاطر الاختراق للمناطق اللبنانية»، مشدداً على أنّ هذه الخريطة الوطنية لا تزال صالحة للبناء عليها اليوم»، ومجدداً التأكيد في ملف الاستحقاق الرئاسي أنّ «الأبواب ليست مغلقة في وجه أي مخرج واقعي، ولا فيتو على أي اسم، ودائماً تحت سقف التوافق الوطني»، مع لفته الانتباه إلى أنّ «لا الرهان على متغيرات في سوريا ولا انتظار نتائج المفاوضات النووية يصنع رئيساً للجمهورية»، ولا خيار أمام اللبنانيين «سوى التقيّد بالدستور والعودة إلى التواصل السياسي للاتفاق على مخرج عملي لمأزق الرئاسة».

سوريا والإرهاب

وعن الحرب السورية ومواجهة الإرهاب، فتأكيد متجدّد من الحريري على أنّ تورط «حزب الله» العسكري في سوريا لن يحقق أهدافه في حماية وإنقاذ نظام الأسد الذي «يقف فوق صفيح من الدم والنار والدمار»، محذراً في مقابل «الخطر الواقف على أبوابنا» من أنّ «صب الزيت على النار السورية هو جريمة بحق لبنان وسلامته بمثل ما هو جريمة بحق سوريا وشعبها». وشدد في هذا الإطار على ضرورة «حصر أضرار النيران» عبر «سد الإجماع الوطني» وإعطاء «الدولة ما للدولة من مسؤوليات أمنية وعسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية».

وإذ أسف لكون «حزب الله لا يريد أن يسمع هذا الكلام»، أضاء الحريري على الفارق بين مواجهة الإرهاب «من خلال منظومة وطنية يتولاها الجيش والقوى الشرعية وبين أن تتفرد مجموعة لبنانية مسلحة بإعلان الحرب الاستباقية وخوضها خارج الحدود ضمن منظومة إقليمية ذات وجه مذهبي تبدأ في دمشق وتتصل بخطوط قاسم سليماني في الموصل وصنعاء وعدن»، ليعرب على الجبهة العربية المقابلة اطمئنانه إلى أنّ ما سمعه منذ يومين يؤكد أنّ «عاصفة الحزم ما زالت شوكة في حلق المشروع الإيراني للهيمنة على المنطقة»، وليردّ في السياق نفسه على قول أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله بأنّ الطريق إلى القدس يمر بالزبداني بالتشديد على كون «طريق فلسطين لا يمر بالزبداني ودمشق، الطريق من بيروت إلى طهران يمر بسوريا وبالعراق، أما الطريق إلى فلسطين فبالتأكيد لا». وأبدى في إطار متصل رفضه النظريات «الغريبة العجيبة» التي تدعو إلى قيام كيانات أمنية وعسكرية رديفة للجيوش والقوى الرسمية في دول المنطقة تستنسخ «نموذج الحرس الثوري في إيران».

الطائف والمؤسسات

وفي معرض دفاعه عن مظلومية اتفاق «الطائف»، فنّد الحريري هذه المظلومية «عندما يجري الحديث عن إلغاء الطائفية السياسية والانتخابات النيابية واللامركزية» وصولاً إلى «الظلم الأكبر» الذي يقع على «الطائف» ربطاً بـ«حصرية السلاح بيد الشرعية وحل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وبسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية». كما تطرّق إلى الطروحات التي تدرّجت في مطالبتها بطيّ مرحلة «الطائف» من إثارة «المثالثة» إلى «المؤتمر التأسيسي» حتى الطرح الأخير الذي نادى بـ«الفيدرالية»، ليخلص إلى التشديد في المقابل على «خيار واحد لا ثاني له: أن نتضامن على إعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية، وحماية الفكرة التي قامت عليها دولة لبنان وتكرست من خلال الميثاق الوطني وتجددت من خلال وثيقة الطائف»، مشيداً في هذا المجال بإقدام رئيس الحكومة تمام سلام على «حماية الركن الأخير في السلطة التنفيذية من الوقوع في الفراغ والشلل»، مع الإعراب عن تطلعه إلى التكامل مع «جهود رئيس مجلس النواب نبيه بري لتفعيل العمل التشريعي في نطاق التفاهم السياسي على الأولويات، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية يمسك زمام القيادة ويجدد الأمل الضائع بمفهوم الدولة».

«حزب الله» و»التيار الوطني»

وبينما ذكّر الحريري بالتعاون الذي حصل مع «التيار الوطني الحر» منذ تشكيل الحكومة مروراً «بعشرات القرارات» المتخذة على طاولة مجلس الوزراء، استغرب الحريري أن تصبح فجأة «كل الحقوق مهدورة» بسبب الخلاف على بند التعيينات الأمنية في حكومة لا يشكل فيها «تيار المستقبل» الأكثرية المقرّرة، إنما هناك «رأي غالب» حكومي وسياسي يؤكد ضرورة إرجاء بحث استحقاق قيادة الجيش إلى موعده في أيلول في ظل الخلاف الحاصل حالياً إزاء مقاربة الاستحقاق.

كما انتقد الحريري حماسة «حزب الله» وإصراره على تظهير المشكلة على أنها «بين التيار الوطني والمستقبل»، وقال رداً على محاولة «حزب الله» تحوير هذا الموضوع عن حقيقته: «الحزب لا يزال يطلق الوعظ والنصائح بأن «تيار المستقبل» يعتمد سياسة التفرّد والتهميش.. والله إنه لشيء عجَب (هكذا) كلام صادر عن الجهة المتخصصة بالتفرّد والتهميش، والتي تحمل الرقم القياسي بالخروج على الإجماع الوطني، منذ قيام دولة لبنان».

بري: «الاستثنائية» بالنصف+1

تزامناً، نقل زوار رئيس مجلس النواب لـ«المستقبل» تشديده على أهمية وضرورة التوصل إلى فتح دورة استثنائية للمجلس «خلال الأسبوعين المقبلين»، مؤكداً الاكتفاء بنصاب «النصف زائداً واحداً» في صدور المرسوم عن مجلس الوزراء. وفي سياق تأكيده أنّ «الإسراع في بت هذا الأمر بات ملحاً أكثر من أي وقت مضى» لفت بري إلى وجود مشاريع حياتية مفصلية عالقة لم تعد تحتمل التأجيل مثل مشروع إقامة «سد بسري» الذي يتيح حال إنشائه ريّ مليون وثمانمئة ألف مواطن بما يحل مشكلة المياه في العاصمة، كاشفاً عن تلقيه من المسؤولين الدوليين القيّمين على تمويل هذا المشروع الوطني عروضاً بمضاعفة القرض لتسريع إنشاء السد ليصبح بقيمة مليونين ونصف المليون دولار بدل مليون وثلاثمئة ألف دولار، انطلاقاً من إبداء الممولين استعدادهم لمساعدة اللبنانيين «إذا كانوا هم راغبون حقاً في مساعدة أنفسهم». 

وعن توقعاته بالنسبة لانعكاسات الاتفاق النووي المرتقب بين إيران والدول الكبرى، يبدي بري تفاؤله بكون «الحلول ستأتي تباعاً لمشاكل المنطقة ربطاً بإنجاز هذا الاتفاق»، إلا أنه يلفت الانتباه في الوقت عينه إلى أنّ لبنان هو «الأسهل» على قائمة الحلول المرتقبة لكنه ليس بالضرورة «الأول» على هذه القائمة في ظل الحروب والأزمات المستحكمة والمستفحلة في المنطقة وفي طليعتها الأزمة اليمنية التي توقّع أن تجد انعكاسات الاتفاق النووي طريقها بدايةً نحو «تسريع حلّها».