خاطفو العسكريين يواصلون الابتزاز.. وموفد قطر إلى بيروت لنقل مطالب «جديدة وجدّية»
طرابلس.. في كنف الدولة
على أرضيتها النابضة بالاعتدال والنابذة للتطرّف، شرّعت طرابلس مناطقها وأحياءها أمام تقّدم الوحدات العسكرية لتطهير المدينة من أوكار الإرهاب وتظهير صورتها الوطنية الرافعة للواء الشرعية والحاضنة للدولة ومؤسساتها. فما كان مطلباً مزمناً لأبناء طرابلس على مرّ الأزمات المتلاحقة والمتهافتة على مدينتهم بات بالأمس واقعاً مكتسباً كرّسته عاصمة الشمال بالروح والدم إعلاءً لراية الوطن فوق كل الرايات الميليشيوية الخارجة عن سلطان الدولة وكنفها. وأمام هذا الواقع نقلت مصادر مواكبة لـ«المستقبل» تقدير القيادة العسكرية للتعاطف الملحوظ الذي أبداه الطرابلسيون مع الجيش في مواجهة المجموعات المسلّحة، بحيث قطعت المعطيات الأهلية والميدانية خيوط الشك بيقين حاسم وجازم يثبت بما لا يقبل التشكيك أنّ أهل طرابلس هم أهل اعتدال وتفكير وطني لا أهل تطرّف وتكفير إرهابي.
وأوضحت المصادر أنّ «الجيش لمس على مدى أيام المعارك الأخيرة في طرابلس تأييداً جلياً من أهالي المدينة الذين أثبتوا مرة جديدة أنهم يجسدون فعلاً بيئة حاضنة للمؤسسة العسكرية وعصيّة على الإرهاب والتطرّف، بدليل أنّ الشهداء العسكريين الأحد عشر سقط منهم 6 في القتال المباشر مع المجموعات الإرهابية و5 بنيران الغدر أثناء انسحاب المسلحين من أحياء طرابلس تحت وطأة ضربات الجيش والموقف الوطني المؤازر لأبناء المدينة»، مع التشديد في الوقت عينه على كون «الوحدات العسكرية أوْلت في المقابل بالغ الحرص أثناء المعارك على ضمان أولوية تحييد المدنيين وضمان سلامتهم».
وإذ تمكن الجيش من توقيف 162 إرهابياً خلال المعركة، تواصل وحداته تعزيز انتشارها في «باب التبانة» وسائر أحياء طرابلس، بالتوازي مع تنفيذ عمليات دهم وتمشيط واسعة في جرود عكار وتلال بحنين تشارك فيها وحدات من مغاوير الجيش، وفق ما علمت «المستقبل»، بحثاً عن المسلحين الفارين. في حين أكدت المصادر أنّ «الجيش مصمّم على المضي قدماً في تعقّب المجموعات والخلايا الإرهابية بعدما بسط سيطرة الدولة على مناطق وأحياء عاصمة الشمال، لاعتباره أنّ ما حصل خلال الأيام الأخيرة لا يعدو كونه جولة من جولات الحرب المستمرة على الإرهاب وتنظيماته».
اجتماع أمني
وكان رئيس الحكومة تمام سلام، وقبيل مغادرته إلى ألمانيا للمشاركة في اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان وفي مؤتمر برلين حول النازحين السوريين، ترأس اجتماعاً أمنياً في السرايا الحكومية شدد فيه على أنّ «الحكومة تقف صفاً واحداً وراء القوى العسكرية والأمنية في المعركة التي تخوضها لضرب الإرهابيين وإعادة الأمن والأمان إلى طرابلس والشمال». في حين نقلت مصادر المجتمعين لـ«المستقبل» عن قائد الجيش العماد جان قهوجي تأكيده خلال الاجتماع أنّ «الوضع بات محسوماً في طرابلس لا سيما بعد الدخول إلى عمق الأحياء الداخلية في التبانة ودحر المسلحين منها»، مشدداً في الوقت عينه على استمرار العمليات الهادفة إلى مطاردة المجموعات الإرهابية حتى توقيف أعضائها وإحالتهم إلى الجهات المختصة.
ولاحقاً، أكد رئيس الحكومة أمام الإعلاميين على متن الطائرة التي أقلته إلى برلين، حيث التقى فور وصوله المستشارة الألمانية انجيلا ميركل مشدداً أمامها على كون «ملف النازحين السوريين هو من أكبر وأهم وأخطر الملفات التي يواجهها لبنان اليوم»، إنّ «قرار الحسم مع الإرهاب اتخذ ولا يمكن الرضوخ أو الرجوع إلى الوراء في هذا الموضوع»، مسجّلاً في هذا السياق «الموقف الشعبي الحاضن للجيش وقوى الأمن لخوض هذا التحدي الكبير والنجاح فيه».
«العليا للإغاثة»
أما على صعيد الأعمال الإغاثية المواكبة للنازحين من مناطق المعارك في طرابلس، فقد أفادت مصادر الهيئة العليا للإغاثة «المستقبل» أنها كانت قد بدأت منذ أمس الأول «بتوزيع الفرش على مراكز إيواء النازحين»، مشيرةً في هذا السياق إلى أنّ «إحصاءات الهيئة الأوّلية أظهرت أنّ حوالى 300 شخص لجأوا إلى المدارس الرسمية نظراً لكون معظم أهالي باب التبانة الذين نزحوا قرّروا التوجّه إلى منازل أقرباء لهم في المدينة ومحيطها، علماً أنّ الساعات الأخيرة شهدت عودة عدد منهم إلى منازلهم بعد انتهاء المعارك وبسط سيطرة الجيش».
ولفتت المصادر إلى أنّ «فرق عمل الهيئة العليا للإغاثة تابعت أمس أوضاع الأسواق القديمة بحيث تم تشكيل لجنة خاصة لمسح المنازل المدمّرة والمتضررة تمهيداً لتأمين بدل إيواء لأصحابها، بالإضافة إلى الطلب من أصحاب المحلات تصوير الأضرار التي لحقت بها بغية التعويض عنها»، مشيرةً في ما يتصل بأحياء باب التبانة إلى أنّ «الهيئة تنتظر ريثما تنتهي الوحدات العسكرية من تفكيك الألغام والعبوات الناسفة التي خلّفها المسلحون في سبيل البدء بمسح الأضرار خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة وحصرها وتحديد حجم التعويضات الواجبة للأهالي».
العسكريون المخطوفون
في الغضون، يواصل خاطفو العسكريين اللعب على وتر أعصاب أهاليهم وابتزازهم باتصالات تهديدية تتوعد بتصفية أبنائهم. إذ تلقت زوجة الجندي خالد مقبل حسن أمس اتصالاً من خاطفيه أبلغوها خلاله بأنه في حال عدم تنفيذ مطالبهم التي طلبوها هاتفياً من الوزير وائل أبو فاعور فإنهم سيعمدون إلى قتل زوجها بالإضافة إلى زميله المخطوف سيف ذبيان. وعلى الأثر بادر ذوو العسكري ذبيان إلى قطع الطريق ليلاً بالإطارات المشتعلة عند مستديرة بيت الدين بعقلين، بينما سارع أبو فاعور إلى زيارة أهالي العسكريين المعتصمين في وسط العاصمة لتهدئة خواطرهم وطمأنتهم إلى أنّ الحكومة تواصل مساعيها لحل الأزمة.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر رسمية لـ«المستقبل» أنّ الوسيط القطري يصل إلى بيروت صباح اليوم موفداً من قيادة بلاده للعمل على حلّ قضية العسكريين اللبنانيين الأسرى لدى «جبهة النصرة» و«داعش»، موضحةً أنّ «الموفد القطري سيتوجّه خلال الساعات المقبلة إلى المنطقة الجردية في عرسال للتفاوض مباشرةً مع الخاطفين ونقل مطالب جديدة وجدّية منهم في سبيل تحرير العسكريين»، مع إشارتها إلى أنّ موفد قطر كان بصدد زيارة بيروت الأسبوع الفائت إلا أنّ أسباباً تقنية أدت إلى تأخير الزيارة.
ولفتت المصادر إلى أنّ الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة صباح أمس لخلية الأزمة المعنيّة بقضية العسكريين خُصص لمواكبة مستجدات هذه القضية لا سيما في ضوء ترقب المطالب الجديدة التي سينقلها الموفد القطري من الخاطفين بعدما أدت مطالبهم السابقة غير الواضحة وغير الجدّية إلى خربطة أطر التفاوض، خصوصاً بعد النمط العشوائي الذي اتبعه الخاطفون في تحديد مطالبهم والتخبط الذي ساد أداءهم منذ عشية عيد الأضحى وحتى اليوم».