دعا إلى رئيس «يدعمه الجميع» وشدّد على كون «السنّة تاريخياً أهل اعتدال»
الحريري لحوار «جدّي» يربط النزاع ويحمي البلد
«ممنوع أن نفقد الأمل».. رسالةٌ أطل بها الرئيس سعد الحريري على اللبنانيين مساء أمس مضيئاً بمنتهى الصلابة والشفافية والوضوح على مختلف الملفات والقضايا المطروحة على الساحتين الوطنية والإقليمية، من الحوار المرتقب مع «حزب الله» الذي وضعه في إطار الحوار «الجدي» مع الخصوم لحماية البلد مع الإبقاء على ربط النزاع حول المبادئ والعناوين المختلف عليها، إلى الهبتين السعوديتين بقيمة 4 مليارات دولار لمكافحة الإرهاب ودعم المؤسسات العسكرية والأمنية داحضاً في هذا الموضوع الشائعات عن «عمولات» في صفقات شراء الأسلحة ومؤكداً فتح اعتمادات بـ400 مليون دولار من أصل هبة المليار «والباقي على الطريق»، مع تشديده في الملف المركزي المتمثل برئاسة الجمهورية على كون الحوار المزمع عقده لن يقارب الأسماء والمرشحين بل سيقتصر على ضرورة التوصل إلى رئيس توافقي يمتلك مواصفات تمكّنه من نيل «دعم الجميع للنهوض بالبلد».
ومن منطلق تشديده على كون مصلحة لبنان أهم من أي مصلحة شخصية، جدد الحريري التذكير بوجود «خلافات جذرية» مع «حزب الله» الذي وضع دخوله الحرب السورية في إطار «ضرب الجنون» مفنّداً من ضمن هذه الخلافات موضوع سلاح الحزب وتسليحه «سرايا المقاومة» بالإضافة إلى المحكمة الخاصة بلبنان، إلا أنه أكد في الوقت عينه وجود «أمور أخرى تهم البلاد» ويجب التحاور بشأنها. وقال: «أنا مع الحوار، ليس لمجرد الحوار. أنا مع حوار جدي لمصلحة البلد. أنا جدي بطروحاتي، اريد انتخاب رئيس الجمهورية، واجراء الانتخابات النيابية، وأريد أن ينهض الاقتصاد، وأن نخرج من هذه الدوامة التي يغرق فيها البلد، يجب أن ننقذ البلد ومؤسساته، وإذا ذهبنا الى الحوار، أريده أن يكون جدياً مع نتائج»، مؤكداً في هذا السياق أنّ إحدى أهم وظائف الحوار هي احتواء الاحتقان السني الشيعي، وأنّ «أجندته» يتم تحضيرها بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، مع إشارته إلى أنّ اللقاء بينه وبين الأمين العام لـ«حزب الله» لا يزال «بعيداً جداً» وأن التحاور سيكون في المرحلة المقبلة بين مسؤولين في «تيار المستقبل» وآخرين من الحزب.
وإذ لفت إلى أنّ «أهم هبة ممكن أن تعطيها إيران للشعب اللبناني والجيش اللبناني أن تقول لـ«حزب الله» أن يخرج من سوريا»، ذكّر الحريري بأنّ الحزب «جلب البلاء» إلى اللبنانيين من خلال تدخله في الحرب السورية بدليل ما حصل في عرسال ومع العسكريين المخطوفين، وذلك بخلاف الوضع في كل من تركيا والأردن حيث لم تتعرض أي منهما لهجوم من «داعش» وغيره من التنظيمات المسلحة السورية على الرغم من وجود عدد كبير من اللاجئين في كلا البلدين.
ورداً على سؤال، نفى الحريري أن تكون المملكة العربية السعودية قد وضعت «فيتو» رئاسي على رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، وقال: «الجنرال عون مكوّن سياسي موجود في البلد ولا أحد يستطيع إلغاء الآخر، لديه مشكلة مع «14 آذار» سبّبت عدم وصوله الى الرئاسة، وكما في «14 آذار« هناك خلاف على شخصية ميشال عون هناك خلاف في «8 آذار» على شخصية سمير جعحع. نحن تكلمنا مع عون لكنهم في 8 آذار وتحديداً «حزب الله» لم يتحدثوا مع جعجع. إذاً لا توافق على أي منهما فلنذهب الى رئيس توافقي». وشدد الحريري على كون علاقته مع عون «على المستوى الشخصي ممتازة»، مضيفاً: «أخطأنا عندما لم نكن نتكلم مع عون، كان يجب علينا التكلم معه خلال المراحل السابقة، وربما كنا استطعنا فتح آفاق مختلفة للبلد». وأردف في الموضوع الرئاسي: «مشكلة عون أيضاً أنه وضع نفسه بموقع المرتبط عضوياً مع «حزب الله»، وأنا لا يمكنني أن أسير به في ظل هذا الموضوع»، لا سيما وأنه أعلن أنه في «تكامل وجودي» مع الحزب، مؤكداً رداً على سؤال أنّ «طريق بعبدا تمر في معراب والرابية معاً».
الحريري شدد على كون أي مرشح متفاهم عليه مع رئيس النظام السوري هو مرفوض، وأكد أنّ هذا النظام بات «غير موجود»، جازماً بأنّ الأسد سيسقط «عاجلاً أم آجلاً». كما لفت في ما يتصل بتنظيم «داعش» إلى أنه لولا الأسد في سوريا ونوري المالكي في العراق لما كان هذا التنظيم موجوداً، ولذلك تم إقصاء المالكي بوصفه السبب الأساس في وجود الإرهابيين، وكذلك الأمر يعلم «التحالف الدولي» أنه في سبيل إنهاء الإرهاب في سوريا يجب إقصاء الأسد.
وبينما أكد في ما خصّ قانون الانتخابات النيابية الجديد التزامه بالمشروع المتفق عليه مع «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، لفت الحريري في ما يتصل بقضية العسكريين المخطوفين والمستجدات الأخيرة لا سيما مسألة المقايضة التي أجراها «حزب الله» لتحرير مقاتله في سوريا إلى أنّ «أهم ردّ على هذه المقايضة أتى من أهالي العسكريين»، وأردف: «أنا أقف وراء الحكومة في كل ما تقرره في سبيل تحرير العسكريين».
وفي موضوع الاعتدال السني، ذكّر الحريري بأنّ أهل صيدا وعرسال وطرابلس أثبتوا زيف الاتهامات التي وجهت لهم بأنهم يشكلون بيئة حاضنة للإرهاب، وشدد على أنّ «أهل السنّة هم تاريخياً أهل اعتدال»، متوجهاً بتحية خاصة في هذا المجال إلى «مفتي الاعتدال المفتي عبد اللطيف دريان».
وتعقيباً على قول جنبلاط عبر «تويتر» على هامش المقابلة: «الحريري الليلة رجل دولة أظهر عمق الاهتمام باستقرار لبنان»، أجاب الحريري: «أحيّي وليد بك وأشكره على هذه الكلمات. أعلم أنه يسعى دائماً إلى مصلحة لبنان. قد لا نتفق معه أحياناً، لكنه في داخله ومن صميم قلبه يريد أن يرى لبنان كما كان يراه رفيق الحريري».
أهالي العسكريين
في الغضون، تتوالى عمليات استفزاز وابتزاز أهالي العسكريين المخطوفين فصولاً على وقع تقاطعات مفاعيل المقايضة التي أجراها «حزب الله» مع خاطفي مقاتله في سوريا من جهة، وتهديدات «جبهة النصرة» المتواصلة من جهة أخرى، وآخرها أمس ما أسمته «الإنذار الأخير» في معرض إمهالها الحكومة اللبنانية 24 ساعة لإطلاق الموقوفة «جمانة حميد كبادرة حسن نية» تمهيداً للشروع في «مفاوضات جدية» حول عملية تحرير العسكريين تحت طائل التهديد في المقابل بتصفية أحدهم.
وإذ تجد هذه الاستفزازات ترجماتها الميدانية اليوم بتصعيد الأهالي تحركاتهم قطعاً للطرق عند مداخل العاصمة، غير أنهم في الوقت عينه وجهوا رسالة واضحة في رفض إضفاء أي صبغة حزبية على قضيتهم الوطنية عبر تأكيدهم عدم القبول بإطلاق سراح أبنائهم «إلا من خلال الدولة لأنها الجهة الوحيدة التي تمثلنا وتتحدث باسمنا ولأننا جميعاً تحت سقفها» كما عبّر الأهالي في بيان أصدروه أمس للمطالبة باتخاذ «قرار جريء وسريع وواضح ومعلن يؤدي إلى إطلاق العسكريين في أسرع وقت».
مجلس الوزراء
وعلى وقع المستجدات الطارئة في قضية العسكريين، عقد مجلس الوزراء أمس جلسته الدورية في السرايا الحكومية حيث عرض رئيس الحكومة تمام سلام لهذه المستجدات مشيراً في مستهل الجلسة إلى أنّ «التبادل الذي تم مؤخراً بين بعض الأسرى (المقايضة التي أجراها «حزب الله» مع خاطفي مقاتله في سوريا) ترك انعكاساً لدى أهالي العسكريين»، إلا أنه شدد في المقابل على عدم جواز «المقارنة بين هذا التبادل ووضع العسكريين المخطوفين»، مؤكداً متابعة هذه القضية والاستمرار في التفاوض مع الجهات الخاطفة.
ونقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ سلام لفت الانتباه في إطار مقاربته واقعة المقايضة التي أجراها «حزب الله» مع المجموعات المسلحة في سوريا إلى أنها «لم تأتِ في صالح مفاوضات الدولة اللبنانية مع خاطفي العسكريين لا سيما وأنها استفزت أهالي العسكريين من خلال الطريقة التي تمت بها هذه العملية والإثارة الإعلامية التي انتُهجت حيالها بشكل أوحى وكأنّ الدولة لا تقوم بواجباتها تجاه عسكرييها بينما الحزب يقوم بهذا الواجب تجاه مقاتليه»، غير أنّ رئيس الحكومة شدد في المقابل على وجود «فارق كبير بين الحالتين»، موضحاً أنّ ما جرى في عملية التبادل التي أجراها «حزب الله» إنما هي تمت «بين فصيلين مسلحين يتقاتلان في سوريا» وليس بين جهة رسمية تمثل الدولة وجهة مسلحة خاطفة كما هو الحال في قضية العسكريين. ونقلت المصادر عن بعض الوزراء أنهم قرأوا في مقاربة سلام لهذا الموضوع «انتقاداً ضمنياً للشكل الذي تمت به عملية مقايضة «حزب الله»، وتأكيداً علنياً على وجوب التمييز بين ما أقدم عليه الحزب بوصفه فصيلاً مسّلحاً وبين المفاوضات الرسمية الجارية لتحرير العسكريين باعتبارها تتم بين لبنان كدولة وبين مجموعات مسلّحة تخطف العسكريين».
أما على صعيد أبرز مقررات الجلسة، فقد قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية برئاسة ممثل عن رئاسة المجلس مهمتها متابعة ملف سلامة الغذاء وما يقتضيه ذلك من تنسيق وتدابير بين الوزارات والمؤسسات العامة والبلديات المعنية ورفع توصياتها إلى رئيس الحكومة تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء. كذلك، وفي حين لم يتم التوصل إلى نتيجة تتيح إقرار ملف النفايات بعد جولة نقاشات على طاولة المجلس، تقرر قيام اللجنة الوزارية ذات الصلة باجتماعات متتالية بغية وضع تصورها النهائي ورفعه إلى الحكومة في أقرب وقت. ونقلت المصادر أنّ وزير الاتصالات بطرس حرب أثار خلال مناقشة هذا الملف اقتراح اللجنة الوزارية إنشاء مطمر للنفايات في شكا معلناً رفضه لهذا الموضوع الذي تمنى أن يُترك للقضاء لكي يقول كلمته بشأنه.
سليمان يلتقي هولاند
على صعيد آخر، التقى الرئيس ميشال سليمان مساءً الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في قصر الاليزيه، حيث أفادت مصادر اللقاء «المستقبل» أنّ «البحث تناول، إلى الاستحقاقات الدستورية وفي طليعتها موضوع الشغور الحاصل في رئاسة الجمهورية، ملفات إقليمية وأهمها الملف النووي الإيراني من زاوية انعكاساته المحتملة على الساحة الداخلية في لبنان».
إلى ذلك، كشفت المصادر أنّ سليمان طلب من هولاند خلال اللقاء «تقديم هبة عسكرية فرنسية للجيش اللبناني الذي يخوض معركةً ضارية مع الإرهاب».