«ثوابت» صارمة تعيد مسار المفاوضات إلى «السرّية والجدّية» عبر قناة وحيدة يتولاها إبراهيم
بري لـ«المستقبل»: خلية الأزمة التزمت «قضاء الحوائج بالكتمان»
بعدما كادت كثرة «الأيدي» والقنوات أن تحرق «طبخة» المفاوضات لتحرير العسكريين، تحت وطأة الضغوط الممنهجة التي تقاطع في ممارستها الخاطفون قتلاً وتهديداً من جهة، وممتهنو «صبّ الزيت» على النار «تسريباً وتأليباً» من جهة أخرى، أعادت خلية الأزمة مَوْضعة هذه القضية الوطنية على سكة القنوات الرسمية معتمدةً في ذلك جملة «ثوابت» صارمة كانت قد بدأت بفرضها منذ اجتماعها الطارئ الذي أعقب إعلان إعدام الأسير الشهيد علي البزال. ومن هذا المنطلق أتى التزام الخلية في اجتماعها الأخير أمس الأول مبدأ «قضاء الحوائج بالكتمان» وفق ما أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري قائلاً لـ«المستقبل»: «كان هناك انسجام 100% مع رئيس الحكومة تمام سلام خلال الاجتماع حيث حصل توافق تام بينه وبين الوزير علي حسن خليل (حول كيفية مقاربة ملف العسكريين)، وعلى هذا الأساس عادت الأمور إلى مجاريها السليمة».
وأوضح بري أنّ «خليل قال خلال اجتماع الخلية فلنتعاون على قضاء حوائجنا بالكتمان ولا يجوز أن يكون مسار التفاوض مكشوفاً أمام 20 شخصاً أو 5 أو 3 أشخاص ولا حتى شخصين، مطالباً بأن تُترك للأجهزة الأمنية مهمة متابعة هذا الملف». وأردف بري: «ما قلناه عملياً هو أن هناك 4 أجهزة أمنية في البلد، الأمن العام والمعلومات والمخابرات وأمن الدولة، فلتتشكل خلية أمنية مشتركة تتولى مهام التشاور والتواصل في ما بينها، بينما يتولى أحد قادة هذه الأجهزة المكلّف مهمة التفاوض متابعة التفاصيل على خط المفاوضات لتحرير العسكريين وحينما يحتاج الأمر إلى قرار سياسي يعود المفاوض الأمني إلى رئيس الخلية الرئيس سلام الذي يتولى القيام بالاتصالات اللازمة في هذا الخصوص»، لافتاً الانتباه إلى أنّ انسحاب الوزير خليل من اجتماع الخلية قبل انتهائه إنما يعود إلى «ارتباطه مسبقاً بموعد مع (مدير مكتب الرئيس سعد الحريري) نادر الحريري».
ورداً على سؤال حول مدى تفاؤله بقرب حدوث انفراج معيّن على مستوى الأزمة الرئاسية، أشار بري إلى كونه «يركّز حالياً على موضوع الحوار» بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، مفضلاً عدم استباق الأمور والنتائج في هذا الاتجاه أو ذلك. وأضاف: «إن شاء الله تكون «العيدية» (اللقاء بين ممثلي التيار والحزب) قبل العيدين (الميلاد ورأس السنة) أو كحدّ أقصى بينهما».
تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة ووزير الداخلية نهاد المشنوق والنائبان السابقان غطاس خوري وباسم السبع ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري غادروا أمس بيروت إلى الرياض للاجتماع بالرئيس الحريري. في حين أوضح أمين عام تيار «المستقبل» أحمد الحريري أنّ التيار «في صدد تحديد موعد الحوار مع «حزب الله» بانتظار الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على جدول الأعمال»، وقال في حديث لوكالة الأنباء «المركزية»: «إنّ تحقيق تقدّم في مسألتي تنفيس الاحتقان السني الشيعي والملف الرئاسي ستكون له تداعيات سياسية إيجابية على البلد»، لافتاً في هذا السياق إلى أنّ «أولى ثمار هذا الحوار بدءُ حوار مسيحي مسيحي كان ينادي به الرئيس الحريري منذ سنة ونصف السنة».
«ثوابت» المفاوضات
بالعودة إلى قضية العسكريين المختطفين، فقد شدد مصدر أمني متابع من كثب لهذا الملف على أنّ «كل شيء يُطرح من هنا أو هناك خارج إطار القنوات الرسمية للتفاوض لم يعد مطروحاً بعد اليوم»، وقال لـ«المستقبل»: «لقد وضعت الحكومة ممثلةً بخلية الأزمة جملة ثوابت حول كيفية التعاطي مع قضية العسكريين وفي مقدّمها أنّ أحداً لا يمكنه التفاوض باسم الحكومة سوى الشخصية الأمنية المكلفة رسمياً من قبلها بإجراء المفاوضات»، مع التذكير في هذا المجال بأنّ وزير الداخلية كان واضحاً في قوله على هامش اجتماع الخلية أمس الأول إنّ «المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم هو رئيس المجموعة الأمنية المعنيّة بعملية التفاوض باتفاق الجميع».
وأشار المصدر الأمني إلى أن اتباع نهج «السرّية والجدّية» هو في طليعة الثوابت الرئيسة في هذا الملف «إذ لم يعد جائزاً ترك الأمور متفلّتة بهذا الشكل الذي حصل في الآونة الأخيرة وما شهدناه من تسريبات وتلفيقات أضرّت بمسار التفاوض وأضعفت الموقف اللبناني الرسمي في هذه العملية»، وأردف موضحاً: «يجب أن نعزز هامش المناورة لدينا لكي نتمكن من الوصول بهذا الملف إلى خواتيمه الإيجابية المرجوّة، ولم يعد مقبولاً أن نقوم بالتفاوض تحت نار الخاطفين وشروطهم وضغطهم بينما نحن مكشوفون أمامهم، فأحياناً يقوم البعض بتسريب معلومة معيّنة لا تعجب الجهات الخاطفة التي تبادر على الفور إلى الضغط على الأهالي لتحريك الشارع ما يدفع الدولة اللبنانية إلى التراجع تحت وطأة الإحساس بالمسؤولية إزاء الأهالي». مضيفاً: ليس بهذه الطريقة تدار المفاوضات، يجب ألا نسمح للخاطفين بتغيير قواعد عملنا ولا يجوز التهاون أو التراخي في اتباع نهج السرّية التامة بالمفاوضات»، وأردف: «يوجد مفاوض وحيد عن الحكومة اللبنانية ووسيط وحيد يتولى نقل الرسائل بين المفاوض الرسمي عن الحكومة وبين خاطفي العسكريين، وكل هذه العملية يجب أن تتم بتكتّم شديد بحيث لا يُكشف منها أي تفصيل للعلن إلا بعد تحقيق النتائج المتوخاة»، مع التشديد في هذا السياق على أنّ «المفاوض الأمني يتولى بنفسه عملية التفاوض بكامل تفاصيلها من دون أن يكشف عن المراحل التي بلغتها المفاوضات أمام أي طرف أو جهة، على أن يعود، عند وصوله إلى مرحلة معينة من التفاوض يرى معها الحاجة إلى اتخاذ قرار سياسي محدد يساعده على إنجاز المهمة، إلى خلية الأزمة المعنية باتخاذ مثل هذا القرار».
ورداً على سؤال، آثر المصدر التزام مبدأ التكتم حيال هوية الوسيط بين المفاوض اللبناني والجهتين الخاطفتين مكتفياً بالقول: «كان الموفد القطري أحمد الخطيب هو الوسيط، أما بعد انسحابه فلم يتم الإعلان رسمياً حتى الساعة عن اسم الوسيط الجديد الذي سيخلفه في هذه المهمة».