ترامب يقرّ بأن اتفاقاً مع بوتين لن يلقى شعبية
واشنطن مع خيار الدولتين «بكل تأكيد» وتبحث عن بدائل
إنشغلت الإدارة الأميركية، أمس، باحتواء الصدمة التي أحدثها رئيسها دونالد ترامب بموقفه الملتبس من «حل الدولتين» الذي أثار ارتباكاً في الشرق الأوسط، وانزعاجاً في عواصم أوروبية عدة. كما أنشغلت، مع أول إطلالة خارجية لوزير خارجيتها ريكس تيلرسون، بمحاولة تأطير علاقة واضحة مع موسكو تخفف عنها أضرار الغموض الذي راح ضحيته مستشار الأمن القومي مايكل فلين.
فقد أكدت الإدارة أنها تدعم «بكل تأكيد» خيار الدولتين، لكنها في الوقت نفسه تبحث عن بدائل. في حين أقر ترامب بنفسه بصعوبة التوصل الى اتفاق بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين لأنه «لن يلقى شعبية».
وبعد أربع وعشرين ساعة من اللقاء الذي جمع ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، أعلنت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أمس، أن واشنطن تدعم «بكل تأكيد» حل الدولتين في النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكنها تفكر في «بدائل» لإحراز تقدم من أجل تحقيق السلام.
وسجل ترامب خلال استقباله نتنياهو تمايزاً جديداً في السياسة الأميركية حيال
الشرق الأوسط بتأكيده أن حل الدولتين ليس السبيل الوحيد لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لافتاً إلى أنه منفتح على خيارات بديلة إذا كانت تؤدي إلى السلام. وقال: «أنظر إلى (حل) الدولتين و(حل) الدولة (…) إذا كانت إسرائيل والفلسطينيون سعداء، فسأكون سعيداً بـ(الحل) الذي يفضلونه. الحلان يناسبانني».
وعلى غرار ترامب، شكك السفير الأميركي الجديد في إسرائيل ديفيد فريدمان أمس أمام مجلس الشيوخ في حل الدولتين.
وقال أمام لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الذي يعود اليها تأكيد تعيينه في منصبه: «أعربت عن شكوكي إزاء حل الدولتين لمجرد أنني شعرت برفض (الفلسطينيين) التخلي عن الإرهاب وعدم قبول إسرائيل بوصفها دولة يهودية».
وأضاف فريدمان، وهو محامٍ أميركي يهودي يثير الجدل بسبب تصريحاته المؤيدة للاستيطان والمناهضة للفلسطينيين في شكل واضح: «إذا كان الإسرائيليون والفلسطينيون قادرين، عبر مفاوضات مباشرة، على التوصل الى حل الدولتين (…) فسأكون سعيداً جداً بذلك.. سأكون مسروراً إذا تم التوصل الى حل الدولتين. لقد بدأ (الحل) يأخذ شكلاً عام 1993 مع اتفاقات أوسلو (…) لكن الإرهاب ازداد أربعة أضعاف منذ المرحلة التي سبقت أوسلو».
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت أن الموقف الأميركي «ملتبس جداً ويثير القلق»، وذلك إثر لقائه نظيره الأميركي ريكس تيلرسون في بون.
وأكد مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف أمام مجلس الأمن أمس أن حل الدولتين يبقى «السبيل الوحيد» لتحقيق السلام.
وواجه فريدمان مقاطعة متكررة في جلسة استماع بمجلس الشيوخ أمس وأسئلة صعبة بشأن انتقاداته ليهود أميركيين ليبراليين واحتمالات حل الدولتين للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
ويؤيد فريدمان، الذي يصفه ترامب بأنه صديق منذ وقت طويل ومستشار محل ثقته، البناء الاستيطاني اليهودي ويدافع عن ضم إسرائيل للضفة الغربية التي احتلتها في حرب عام 1967.
وعبَر فريدمان أكثر من مرة عن الأسف لتشبيهه اليهود الأميركيين الليبراليين بالسجناء اليهود الذين عملوا للنازي أثناء المحرقة وأبلغ رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في بيانه الاستهلالي «أنا آسف لاستخدام مثل هذه الكلمات».
وتفجرت المعارضة المحمومة لترشيح فريدمان في قاعة الاستماع عندما بدأ بيانه الاستهلالي مع قيام بضعة أشخاص بمقاطعته ومن بينهم رجل رفع العلم الفلسطيني.
وصاح الرجل قائلاً قبل أن يجري إخراجه من القاعة: «جدي تعرض للنفي… الفلسطينيون سيكونون دائماً في فلسطين».
واشنطن ــ موسكو
قال ترامب أمس إن تقارير في وسائل الإعلام الأميركية بشأن علاقة إدارته مع روسيا ربما تجعل من الصعب عليه إبرام اتفاق مع بوتين لتهدئة التوتر بين واشنطن وموسكو.
وقال ترامب في مؤتمر صحافي: «من المرجح أن بوتين يفترض أنه لا يمكنه إبرام اتفاق معي بعد الآن.. لأنه من الناحية السياسية.. فإن إبرام أي سياسي اتفاقاً لن يلقى شعبية».
وأعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أمس، أنه لا يرى ظروفاً مؤاتية لتعاون عسكري مع روسيا موجهاً بذلك صفعة إلى آمال موسكو في تحسين العلاقات مع واشنطن عقب انتخاب ترامب.
وقال ماتيس للصحافيين بعد محادثات في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل: «لسنا في وضع مناسب الآن للتعاون على المستوى العسكري. لكن زعماءنا السياسيين سيتواصلون لمحاولة إيجاد أرضية مشتركة».
ورد ماتيس على سؤال عما إذا كان يعتقد أن روسيا تدخلت في انتخابات الرئاسة الأميركية قائلاً: «في الوقت الراهن لا يسعني سوى القول بأن هناك شكوكاً ضعيفة للغاية في أنهم إما تدخلوا أو سعوا للتدخل في عدد من الانتخابات في الديموقراطيات».
وجاءت تصريحات ماتيس بعد وقت قصير من تعبير نظيره الروسي سيرغي شويغو عن استعداده لاستئناف التعاون مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وفي اليوم نفسه الذي قال فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن من مصلحة الولايات المتحدة وروسيا استعادة الاتصالات بين أجهزة مخابرات البلدين.
وقال بوتين مخاطباً جهاز الأمن الاتحادي الروسي (ِإف.إس.بي): «استئناف الحوار بين أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة ودول أخرى من أعضاء حلف شمال الأطلسي يخدم مصالح الجميع.. من الواضح تماماً أنه في مجال مكافحة الإرهاب يتعين على جميع الحكومات والجماعات الدولية المعنية العمل معاً».
وتزايدت المخاوف بشأن مدى التدخل الروسي في الشؤون الأميركية بدرجة كبيرة منذ أن أجبر ترامب مستشاره للأمن القومي مايكل فلين على الاستقالة الاثنين الماضي، بعد الكشف عن أنه بحث العقوبات الأميركية على روسيا مع السفير الروسي لدى الولايات المتحدة قبل تولي ترامب السلطة وأنه ضلل بعد ذلك نائب الرئيس مايك بنس بشأن هذا الحديث.
نقلت وكالة «إنترفاكس» للأنباء عن المساعد في الكرملين يوري أوشاكوف قوله أمس إنه لا يوجد اتفاق حتى الآن أو تفاهم واضح على ترتيبات لعقد اجتماع بين بوتين وترامب.
وعرض تيلرسون على روسيا التعاون ولكن شرط أن يصب ذلك في صالح البلدين، مطالبة اياها باحترام اتفاقات مينسك للسلام في أوكرانيا.
وقال تيلرسون بعد لقائه للمرة الأولى منذ تسلمه منصبه نظيره الروسي سيرغي لافروف إن «الولايات المتحدة تعتزم التعاون مع روسيا حين يمكننا ايجاد مجالات تعاون عملي تخدم مصلحة الشعب الأميركي». وأضاف تيلرسون على هامش قمة لنظرائه في مجموعة العشرين في مدينة بون الألمانية: «حين نختلف، فإن الولايات المتحدة ستدافع عن مصالحها وقيمها ومصالح وقيم حلفائها».
وتيلرسون الذي لم يسبق أن أدلى بتصريحات منذ توليه الخارجية الأميركية، طالب موسكو أيضاً بـ«احترام اتفاقات مينسك والمساهمة في نزع فتيل العنف في أوكرانيا».
واكتفى لافروف بالقول إن على البلدين «أن يمضيا قدماً» حين تتقاطع مصالحهما موضحاً أنه لم يبحث مع تيلرسون موضوع العقوبات التي فرضتها واشنطن العام 2014 على موسكو، رغم أنه ملف حيوي بالنسبة الى موسكو. وأكد لافروف قبيل لقائه تيلرسون أن روسيا لا تتدخل «في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى».
وهدد ترامب أمس بـ«القبض» على من يقف وراء التسريبات للصحافة، بعد الكشف عن اتصالات متكررة العام الماضي بين فريق حملته والاستخبارات الروسية، وعن محادثات بين مستشاره السابق مايكل فلين وديبلوماسي روسي.
وكتب الرئيس الأميركي على تويتر أن «الأنذال الذين يقومون بالتسريبات، باتوا أخيراً مكشوفين. سيُلقى القبض عليهم».
من جهة أخرى، اكد تيلرسون أمس أن بلاده يمكن أن تستخدم كل ترسانتها العسكرية، بما في ذلك الأسلحة النووية، للدفاع عن حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية إذا لزم الأمر، وذلك إثر إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً بالستياً الأحد الفائت.
وفي بيان مشترك مع نظيريه الكوري الجنوبي والياباني قال تيلرسون إن «الولايات المتحدة لا تزال على التزامها الدفاعي لحليفتيها جمهورية كوريا واليابان، بما في ذلك التزامها بتوفير الردع الواسع معزز بقدراتها الكاملة في الدفاعين النووي والتقليدي».
الى ذلك،أكد تيلرسون أمس أنه لم يلمح في لقائه مع نظيره الفرنسي جان مارك آيرولت إلى أن واشنطن تخطط لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني.
ورداً على سؤال بشأن تقرير نقل عن آيرولت قوله إنه جاءه انطباع بأن واشنطن تريد إلغاء الاتفاق قال تيلرسون للصحافيين قبل اجتماع مع نظيره الأرجنتيني «لم أترك مثل هذا الانطباع».
كان آيرولت قال عقب اجتماعه مع تيلرسون إن هناك خلافات واضحة في الرأي بين البلدين الحليفين بشأن الاتفاق النووي الإيراني حيث تريد واشنطن مراجعته بالكامل.