القطاع المصرفي ينوّه بإدارة «المركزي».. ومطمئن إلى تحييد الاقتصاد الوطني عن العقوبات الأميركية
الحريري لروحاني: لبنان عربي لن يقبل الوصاية
هي أضغاث أحلام توسعية لا تنفك تراود طهران وتدغدغ أوهام قادتها بأنّ السياسة الميليشيوية التي تعيث قتلاً وخراباً على امتداد الخارطة العربية قادرة على إخضاع العرب وطمس هويتهم، وحتى الرئيس الإيراني «الإصلاحي» حسن روحاني بدا بالأمس غارقاً في هذه الأحلام بعدما جرفته النزعة التسلطية والغرور بـ«العظمة» نحو الادعاء بأنّ أياً من «العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج الفارسي لا يمكنها اتخاذ إجراء حاسم من دون إيران ورأيها». لكن سرعان ما أعاد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري تحصين سيادة لبنان وصيانة عروبته وكرامته بتغريدة قال فيها مساءً: «قول روحاني إن لا قرار يُتخذ في لبنان من دون إيران قول مرفوض ومردود لأصحابه»، مشدداً على كون «لبنان دولة عربية مستقلة لن تقبل بأي وصاية وترفض التطاول على كرامتها».
على صعيد سيادي آخر، متصل بالأبعاد الاقتصادية والنقدية الوطنية، برز أمس ما نقله رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه من تأكيدات أميركية على تحييد القطاع المصرفي اللبناني عن العقوبات التي تنوي واشنطن
زيادتها على «حزب الله» من أجل تجفيف مصادر تمويله، حاسماً الجدل من جهة أخرى حول مدى صحة الهندسات المالية التي يعتمدها مصرف لبنان بتنويهه بإدارة المصرف المركزي وبتأكيده أن «النتائج التي تحكم وليس الآليات» في هذا المجال.
واشاعت المواقف التي أطلقها طربيه خلال مؤتمر صحافي أمس عرض فيه لنتائج الزيارة التي قام بها وفد مصرفي للولايات المتحدة، جواً من الارتياح عبّر عنه مصرفيون لـ«المستقبل» بقولهم إن «الارتياح الذي لمسته المصارف اللبنانية خلال زيارتها الولايات المتحدة هو نتيجة السياسة الحكيمة التي انتهجها مصرف لبنان بالتعاون مع المصارف، وبالتالي من غير الجائز التصويب على المصرف المركزي وحاكمه في وقت تنال السياسات التي يطبقها ثقة المجتمع الغربي». أضافوا «أخطر ما يمكن أن نواجهه اليوم هو التصويب على السياسة النقدية وتكلفة الاستقرار النقدي، لأن تكلفة عدم الاستقرار تفوق أي تكلفة ندفعها على الاستقرار، وهي تُعتبر أخطر من اندلاع حرب».
وجاءت مواقف طربيه قبل يومين من اجتماع مجلس النواب الأميركي غداً للتصويت على 3 مشاريع قوانين ضد «حزب الله» في إجراء يتقاطع مع زيارة بدأها قائد الجيش العماد جوزف عون للولايات المتحدة تلبيةً لدعوة تلقّاها من رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال جوزف دانفورت، وذلك من أجل بحث سبل مكافحة الإرهاب. ومشاريع القوانين الثلاثة التي سيتم التصويت عليها، (بالإضافة إلى مشروع لفرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني في إطار زيادة الضغط على طهران)، هي: مشروع قانون رقم 3329 الذي صوتت عليه لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بداية الشهر الحالي (عبارة عن تعديلات على قانون منع التمويل الدولي لـ«حزب الله» الذي كان وضع في العام 2015)، مشروع قانون رقم 3342 لفرض عقوبات على أشخاص أو كيانات يثبت ضلوعهم في «انتهاكات للحقوق الإنسانية المعترف بها دولياً، والمرتبطة باستخدام حزب الله لمدنيين كدروع بشرية»، ومشروع قانون يحض الاتحاد الأوروبي على تصنيف «حزب الله» «منظمة إرهابية».
في حواره مع الصحافيين، أوضح طربيه رداً على سؤال عما إذا حصل الوفد المصرفي على تأكيدات الجانب الأميركي من أن العقوبات لن تستهدف حلفاء «حزب الله»، أن «البحث انحصر في موضوع العقوبات لجهة تجنيب القطاع المصرفي أي واجبات جديدة تتناول موضوع العقوبات». وعما إذا كان الوفد حصل على تأكيدات أن لا شيء جديداً سيطال القطاع المصرفي أم الأمر غير واضح حتى الآن، قال «لاقينا أبلغ وضوح في ما يخصّ القطاع المصرفي اللبناني، وهو يُعتبر القطاع الاستراتيجي لاستقرار لبنان السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الأمني. والأميركيون مدركون تماماً للدور الذي يلعبه هذا القطاع في تمويل الاقتصاد اللبناني والسلطات الرسمية في لبنان. وكل التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أميركيين تقول إننا لا نستهدف إطلاقاً القطاع المصرفي اللبناني طالما يقدّم القطاع الأداء الجيّد الذي يقوم به حتى الآن».
وعما إذا سمع الوفد كلاماً واضحاً من المصارف المراسلة بأن الآليات التي يطبّقها القطاع المصرفي اللبناني كافية، وبالتالي لن تكون هناك آليات جديدة، قال «الآليات الجديدة توضع بحسب المستجدات، لا شيء جديداً مطلوباً من المصارف اللبنانية يفوق ما هو مطلوب منها الآن».
عن أرباح مصرف لبنان التي أشار إليها النائب جورج عدوان، وعن مدى التزام المصرف المركزي قانون النقد والتسليف، قال طربيه «أنا كمراقب محايد ويهمّني أن يكون القطاع المصرفي اللبناني بإدارة مصرف لبنان، منزّهاً من أي شوائب، أستطيع أن أؤكد أن لا إدارة بحجم إدارة مصرف لبنان، لا تتقيّد بقانونها. فأعتبر بصورة واضحة وصريحة أن مصرف لبنان يتقيّد بالنصوص التي ترعى أعماله ولديه مفوّضي مراقبة ومفوّض حكومة خاضع لوصاية وزارة المالية، يُفترض بأنه يقدّم كل ما هو مطلوب للوزارة، ويُفترض أيضاً بالوزارة أن تكون تطالبه في أوقاتها، بما هو مطلوب منه أن يصدره كأي مصرف». وتمنى من القوى الحيّة في المجتمع ومن عدوان وما يمثّل، «أن تجري مراعاة دقة هذا الموضوع المهم جداً بالنسبة إلينا، ألا تساق اتجاه المرجعيات الدولية والداخلية، أن لا سقف قانونياً فوق أعمال مصرف لبنان. فنحن نصرّ على أن هذا الموضوع يجب أن يراعى بكل دقة، ومن مصلحة لبنان ألا نثير مواضيع نحن لسنا ممسكين بأرقامها، بل ومفوّضو المراقبة ومفوّض الدولة اللبنانية ووزير المالية، لا أعتقد أن هناك رقابة أكثر من ذلك تُفرض على المصرف المركزي». أضاف «أما كيف يدير مصرف لبنان سياسته المالية والنقدية؟ فهناك حاكم فاشل وحاكم ناجح. منذ 20 سنة حتى اليوم النتيجة النقدية كانت مهمة. من هنا إذا أردنا أن نحكم على النتائج من دون أن ندخل في الآليات لأن لها مَن يراقبها بصورة شرعية ومؤسساتية. فأنا أقول إن سياسة مصرف لبنان حتى اليوم اتجاه لبنان والقطاع المصرفي، كانت سياسة ناجحة وأدّت إلى ما أدّت إليه من استقرار في الأوضاع الاقتصادية والنقدية حتى الآن».
وعن تطرق عدوان إلى هندسات مصرف لبنان المالية التي للمصارف علاقة مباشرة بها، قال «أخطر ما يمكن أن يحصل في البلد هو أن يناقش غير الاختصاصي عمل المؤسسات المتخصصة. فمصرف لبنان هو مسؤول عن إدارة السياسة المصرفية والسياسة النقدية. فنحن كقطاع مصرفي لا يمكن أن نقوّم ما يقوم به مصرف لبنان من آليات، إنما نقوّم النتائج. إذا وجدنا أن النتائج التي توصلنا إليها هي استقرار القطاع المصرفي والاستقرار النقدي، فأنا أحكم على النتائج ولا أضع نفسي مكان المهندس الذي يهندس العملية. فما يهمّني أنه بنى هذا المبنى وهو ثابت وتبيّن أنه لم يقع. أما أي مصرف حصل على حصة أكبر من الهندسات المالية فهذا عمل ليس سياسياً بل تقنياً. فالسلطة النقدية خاضعة للسلطة الأعلى وهي الدولة ممثلة بوزارة المالية ومفوضيّة المراقبة، ومفوّض حكومي هو جزء من السلطة المركزية لمصرف لبنان وليس لديه أي اعتراض».
وبالتزامن مع الاستعدادات التشريعية في واشنطن لتجفيف مصادر تمويل «حزب الله»، أحيا البيت الأبيض أمس الذكرى 34 للاعتداء على السفارة الأميركية في بيروت في العام 1983، بحيث أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بانس أن هذا الاعتداء كان سبباً في فتح حرب عالمية ضد الإرهاب، وقال إن «جماعة حزب الله تابعة لدولة راعية للإرهاب»، مؤكداً السعي لـ«تقويض الحزب وجلبه للعدالة» أضاف «سنعمل كل ما في وسعنا لدحر الإرهاب»، مشيراً إلى أن «حكام إيران هم من أمروا بهجوم بيروت عام 1983».