IMLebanon

هكذا تمّت «عملية بغداد».. من الاستدراج حتى التحرير

الحريري يترفّع عن «المزايدة الرخيصة» ويواصل تحصين لبنان: ملتزمون الـ1701
هكذا تمّت «عملية بغداد».. من الاستدراج حتى التحرير

 

بسرعة قياسية وحرفية عالية، نجح الأمن اللبناني في تكريس قدراته وتسخيرها لتحرير ثلاثة مواطنين من قبضة إحدى العصابات المتمرّسة بالخطف مقابل الفدية في العراق محققاً بالتعاون مع الاستخبارات العراقية إنجازاً عابراً للحدود هذه المرة يُضاف إلى سجلّ إنجازات شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام. وروت مصادر أمنية لـ«المستقبل» تفاصيل متصلة بعملية بغداد النوعية التي انطلقت منذ لحظة الإبلاغ عن استدراج أفراد العصابة لرجال الأعمال اللبنانيين عماد الخطيب، نادر حمادة وجورج بتروني واختطافهم في 22 الجاري، حتى لحظة تحريرهم أمس بعد عمل أمني محكم ليل السبت أسفر عن قتل أحد الخاطفين واعتقال وفرار آخرين.

وفي التفاصيل، أنّ الاستدراج كان قد بدأ منذ أسابيع من خلال تواصل شخص يدعى «خالد» مع بتروني فأوهمه بأنه يعمل لدى وزير عراقي سابق (ح. ش.) طالباً منه العمل سوياً لعقد صفقات استثمارية ضخمة في لبنان بقيمة 100 مليون دولار مخصصة لتنفيذ مشاريع كبرى وشراء عقارات وبناء مؤسسات تجارية، حينها طلب منه بتروني تحويل مبلغ 100 ألف دولار لإثبات الجدية وحسن النية

في هذا الصدد فوعده «خالد» بذلك لكنه عاد ليتواصل معه لاحقاً مشدداً على ضرورة المجيء إلى بغداد وعقد لقاء عمل مع الوزير العراقي السابق عند تمام الساعة الخامسة من بعد ظهر الأحد في 22 تشرين الثاني واعداً بإرسال موكب خاص لاستقبال رجال الأعمال اللبنانيين في المطار وإيصالهم إلى مكان الاجتماع بالوزير المزعوم.

وإثر محاولات بتروني والخطيب وحمادة التأكد عبر طرق ووسائل متعددة من جدية الموضوع لكن من دون الوصول إلى خلاصات ومعطيات حاسمة بهذا الخصوص نتيجة احتيال واحتراف الطرف الآخر، قرر اللبنانيون الثلاثة التوجّه إلى بغداد حيث وصلوا في 22 الجاري عند الساعة الواحدة ظهراً وأرسلوا إلى أصدقائهم صورة مع سائقهم عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر قبل أن تنقطع أخبارهم عند تمام الخامسة. وليلاً تواصل مجهول مع ذويهم ليبلغهم بنبأ اختطافهم في رسالة تحذرهم من مغبة الاتصال بالقوى الأمنية أو أي جهة ديبلوماسية تحت طائل تعريض حياتهم إلى «خطر شديد» كما جاء في نصّ رسالة الخاطفين.

وفور تبلغ الجهات الأمنية اللبنانية بالموضوع، تم تشكيل لجنة أمنية مشتركة بين شعبة المعلومات والأمن العام مهمتها التواصل مع الاستخبارات العراقية لتأمين سلامة وتحرير المخطوفين اللبنانيين، في حين تشكلت لجنة أمنية عراقية لمتابعة الملف بالتعاون مع السلطات اللبنانية. وبينما وصل فريق أمني لبناني إلى بغداد وجرت مواكبة الأمور مع الأجهزة العراقية الرسمية بعيداً عن وسائل الإعلام حرصاً على سلامة المخطوفين ومراعاةً لمشاعر أهلهم، جرى التأكد بداية من سلامتهم وتتبع الخيوط المؤدية إلى مكان احتجازهم لكن ما أن نشرت إحدى الوسائل الإعلامية خبر الاختطاف حتى أدى ذلك إلى عرقلة المفاوضات مع خاطفيهم الذين أضحوا أكثر حذراً فاستبدلوا أرقامهم الخلوية وعمدوا إلى تفريق المختطفين الثلاثة لجعل أي عملية لتعقبهم وتحريرهم أكثر تعقيداً وصعوبة.

ومنذ لحظة وصول الوفد الأمني اللبناني إلى مطار بغداد عُقدت غرفة عمليات مشتركة مع الاستخبارات العراقية للعمل بالتنسيق الكامل مع الأجهزة المختصة على الأرض، بالتوازي مع التنسيق والتواصل على مدار الساعة مع غرفة العمليات الأمنية في بيروت لمواكبة مستجدات القضية. وبعد أيام من العمل الأمني والاستخباراتي الجبّار، واستناداً إلى التقنيات الحديثة وداتا الاتصالات، نجح التعاون بين كل من شعبة المعلومات والأمن العام والاستخبارات العراقية في رصد مكان تواجد الخاطفين، فجرى تحديد «ساعة الصفر» عند الثانية من بعد منتصف ليل أمس الأول السبت لتحرير اللبنانيين المختطفين، في وقت كان يجري التواصل مع الخاطفين لطمأنتهم وإيهامهم بأنهم سيتسلمون الفدية المالية التي طلبوها والتي استخدمتها الأجهزة العراقية واللبنانية بمثابة «طعم» للإيقاع بأفراد العصابة.

وما أن تم التأكد من تحرير الخطيب وحمادة وبتروني سالمين فجر أمس، حتى داهمت الأجهزة الأمنية العراقية مكان وجود الخاطفين فاشتبكت معهم وقتلت واحداً منهم واعتقلت آخر بينما تمكن بعضهم من الفرار. وليلاً وصل المحررون الثلاثة، على متن طائرة خاصة قدّمتها «سكاي لاونج»، إلى مطار رفيق الحريري الدولي حيث كان في استقبالهم وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وحشد كبير من ذويهم. وخلال المؤتمر الصحافي في المطار (ص 2) استعرض المشنوق ملابسات قضية الاختطاف مؤكداً أن تحرير اللبنانيين الثلاثة تم بالتعاون والتنسيق الدائمين مع المخابرات العراقية، وحيّا قيادتي شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام على هذا الإنجاز النوعي ناقلاً تحيات رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس الوزراء سعد الحريري إلى المحررين.

ولاحقاً، خصّ رجل الأعمال المحرّر عماد الخطيب «المستقبل» بتصريح مقتضب شكر فيه «الرئيس الحريري الذي أعطى التوجيهات اللازمة منذ اللحظة الأولى لعملية الاختطاف بمنح الأولوية القصوى لهذا الملف»، متوجهاً كذلك بالتحية إلى كل من المشنوق ومدير عام الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم ورئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود «الذين لم يقصروا للحظة في متابعة قضيتنا»، وأردف: «أنا شاهدت بأمّ عيني الضباط اللبنانيين وهم يحرصون على التأكد من سلامتنا في بغداد بالتنسيق مع الأجهزة العراقية»، وختم قائلاً: «ألف تحية للدولة اللبنانية التي أثبتت أنها قادرة ولا تترك أبناءها».

الحريري

وكان رئيس الحكومة قد شدد خلال المؤتمر الصحافي المُشترك الذي عقده مع الرئيس القبرصي نيكوس انستسياديس خلال زيارته نيقوسيا أمس الأول على اعتقاده الراسخ بأنّ «تقوية مؤسسات الدولة هي الوسيلة الوحيدة لبناء دولة قوية خالية من المؤسسات غير التابعة»، مشيراً في الوقت عينه إلى أهمية دعم المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان لتعزيز استقراره على كافة المستويات، وشكر في هذا السياق قبرص على دعمها الجيش اللبناني وعلى مساهمتها الرمزية في قوات اليونيفيل، مجدداً التأكيد على التزام الحكومة اللبنانية «التزاماً كاملاً بقرار مجلس الأمن الدولي 1701».

وفي سياق يؤكد التطلع إلى إعلاء أولوية تحصين لبنان والترفّع عن كل المزايدات التي لا تسمن ولا تغني من استقرار وسيادة ونهضة اقتصادية، لفتت الانتباه تغريدة للحريري قال فيها: «المزايدة على مدى وقوفي ضد نظام الأسد هي مزايدة رخيصة أما وجود سفارة لبنانية في سوريا فهو تأكيد على استقلالنا وسيادتنا».