IMLebanon

ارتياح وطني وترقّب دولي لعودة الحريري  

البطريرك الماروني في «أرض الحرمين».. وباسيل يؤكد للعالم رفض لبنان التدخّل في الشؤون العربية
ارتياح وطني وترقّب دولي لعودة الحريري
 

من «حبس الأنفاس» إلى «تنفس الصعداء»، انقلبت أجواء البلد على إيقاع إطلالة الرئيس سعد الحريري مساء الأحد بعد أسبوع من «التأمل» السياسي في الرياض ليعلن عزمه العودة إلى بيروت خلال «3 أيام» كحد أقصى. وبفارغ الصبر والانتظار، انطلق منذ صباح الأمس العد الوطني العكسي للعودة على وقع توالي المواقف المعبّرة عن ارتياح داخلي عارم وترقب دولي متزايد لعودة الحريري المأمولة منتصف الأسبوع الجاري. فعلى المستوى الداخلي، برز إبداء رئيس الجمهورية ميشال عون سروره لقرار العودة ولتأكيد الاستمرار في التسوية السياسية القائمة مع الإعراب عن اعتقاده، كما رئيس مجلس النواب نبيه بري، بأنّ أبواب عدول رئيس الحكومة عن الاستقالة لا تزال مفتوحة. في حين كان تقاطع روحي إسلامي – مسيحي أمس حول تكريس أجواء «التفاؤل والارتياح» التي أشاعها خبر عودة الحريري الوشيكة وفق ما أكد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، سيما وأنّ «الشعب اللبناني كله لن يرتاح إلا بعد عودته» حسبما شدد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي قبيل توجهه في زيارة تاريخية كأول بطريرك ماروني إلى أرض الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية.

وفي شريط التعليقات الوطنية على إطلالة الرئيس الحريري، توقفت كتلة «المستقبل» النيابية «بارتياح كبير» أمام الإعلان

عن عودته إلى بيروت في غضون أيام، وهو ما رأت فيه «بشارة طيبة بشأن طبيعة المرحلة المقبلة» مع تثمينها أهمية المواقف التي أطلقها «بشأن المسار المطلوب اتباعه من أجل إخراج لبنان من لعبة المحاور الإقليمية والدولية، وتحديداً لجهة تأكيد التزام سياسة النأي بالنفس عن الصراعات والحروب الدائرة في المنطقة بما في ذلك رفض كل أشكال التدخل الإيراني وأدواته في الشؤون الداخلية لجميع البلدان العربية الشقيقة».

وفي هذا السياق، تأتي الحملة الديبلوماسية التي أطلقها لبنان الرسمي لتأكيد «تقيّد لبنان الدائم بكافة الشرائع الدولية واحترام الاتفاقيات والقرارات الدولية والأعراف الديبلوماسية، وعلى رأسها ميثاق جامعة الدول العربية» كما شدد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في سلسلة الاتصالات التي أجراها خلال الأيام الأخيرة مع عدد من وزراء خارجية الدول الصديقة ومسؤولين دوليين في معرض إيضاح الأسباب التي أدت إلى اعتبار استقالة رئيس الحكومة بالشكل الذي تمت فيه غير مقبولة دستورياً، مؤكداً في الوقت عينه موقف لبنان القاطع في رفض التدخل بشأن أي دولة عربية وأي اعتداء عليها والحرص على أفضل العلاقات الدولية وخصوصاً العربية منها، وذلك بالتوازي مع مطالبة لبنان بعدم التدخل بشؤونه الداخلية والاعتداء على حريته وسيادته ووحدته الوطنية. وعشية لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس للتداول بمستجدات الأزمة اللبنانية، كان تشديد من باسيل ليلاً عبر شبكة «سي أن أن» على كون اللبنانيين ينتظرون «عودة رئيس الحكومة إلى بيروت (غداً) الأربعاء على أبعد تقدير وهو يقرر عندها مسألة البت بالاستقالة والإعلان عما يشاء».

أما على المستوى الدولي، فمروحة واسعة من المواقف سُجّلت أمس تشديداً وتوكيداً على ضرورة عودة الحريري إلى لبنان في أقرب وقت لتعزيز الاستقرار الداخلي بعيداً من أي تدخل خارجي. بحيث رصدت الرئاسة الفرنسية «بعض الانفراج» بعد إعلان الحريري عزمه العودة قريباً غير أنها استطردت في بيان صادر عن قصر الإليزيه بالقول: «نبقى يقظين جداً، سنرى ما سيحصل بالفعل خلال الأيام المقبلة وسنواصل أخذ المبادرات التي نفكر فيها خلال مستقبل قريب، خصوصاً بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة» انطونيو غوتيريس، مع إشارة البيان إلى أنّ «هذه المبادرات تبقى مرتبطة بتطور الأزمة»، وتابع لافتاً إلى أنّ الرئيس الفرنسي تطرق مع غوتيريس إلى «المبادرات التي يتوجب اتخاذها لطمأنة اللبنانيين وضمان الاستقرار في لبنان وحمايته من التأثيرات الإقليمية التي يمكن أن تكون مزعزعة للاستقرار»، مضيفاً: «الخروج من الأزمة الحالية يمرّ بعودة الحريري إلى لبنان وتمكينه من تقديم استقالته إلى رئيس الدولة في حال كان راغباً بالفعل بالاستقالة، ما لم يكن قد غيّر رأيه منذ ذلك الوقت»، مع تجديد موقف فرنسا الرافض «لكل التدخلات التي لا تأتي من بلد واحد» في الأزمة اللبنانية.

وبدوره، حثّ الاتحاد الأوروبي القوى السياسية اللبنانية على «التركيز على لبنان وما يمكن أن يقدّمه لمواطنيه» مناشداً على لسان مسؤولة السياسة الخارجية فيدريكا موغيريني «رئيس الوزراء العودة إلى بلده وحكومة الوحدة للتركيز على إنجازاتها الداخلية»، لتضيف عقب اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد في بروكسيل: «نتوقع عدم التدخل الخارجي في جدول الأعمال الوطني هذا، ونؤمن بأن ذلك ضروري لتجنب جلب صراعات إقليمية إلى لبنان». علماً أنّ موغيرني التي أعلنت أنها ستلتقي وزير الخارجية اللبنانية صباح اليوم لفتت إلى أنّ الاتحاد الاوروبي لا يريد أي تدخل خارجي في لبنان ويعتبر «من الضروري إبقاء النزاعات والتفاعلات والتوترات الإقليمية خارج هذا البلد».

وعشية زيارته المرتقبة إلى الرياض بعد غد الخميس، قال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان على هامش اجتماع بروكسيل: «منشغلون بالوضع في لبنان وقلقون بشأن استقراره وسيادته وعدم التدخل في شؤونه»، وأردف: «لكي يكون هناك حل سياسي في لبنان يجب أن يكون لكل من المسؤولين السياسيين بالتأكيد حريته الكاملة في التحرك وأن يكون عدم التدخل هو المبدأ الأساسي». وكذلك شدد وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل على ضرورة عودة الحريري إلى بلده «لأنّ رحيله هزّ لبنان (الذي) يواجه أخطار الدخول في مواجهات سياسية خطيرة وقد تكون عسكرية»، ولمنع هذا الأمر، تابع الوزير الألماني: «نحن في حاجة خصوصاً إلى عودة رئيس الوزراء الحالي وحصول مصالحة في البلاد ومنع التأثير من الخارج». في وقت علق وزير خارجية لوكسمبورغ جو أسيلبورن من أنّ انهيار لبنان سيزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط المضطرب، مضيفاً رداً على أسئلة الصحافيين حول فرضية تقييد حركة الحريري السياسية: «إذا كان هذا ما يحدث مع رئيس الوزراء اللبناني في السعودية فهو ليس خبراً طيباً للغاية بالنسبة للمنطقة».

وفي إطار التفاعل الإقليمي والعربي مع الأزمة اللبنانية، تلقى عون اتصالاً هاتفياً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تداولا خلاله في التطورات بعد إعلان الحريري استقالته، فأكد الأخير دعم أنقرة «للجهود التي يقوم بها رئيس الجمهورية لمعالجة الأزمة»، مشدداً على «وقوف تركيا إلى جانب لبنان وسيادته واستقلاله واستقراره». بينما كان أردوغان قد أعلن أمس أنه سيبحث سبل حل الأزمة الخليجية خلال زيارته الكويت اليوم على أن يتوجه غداً إلى الدوحة للغاية نفسها. في وقت تباحث أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمس مع وزير الخارجية المصري سامح شكري في التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة ومنها الأزمتان اللبنانية والخليجية، وقال شكري الذي يواصل جولته العربية على الأردن والبحرين والكويت والإمارات والسعودية وعُمان: «الأوضاع في المنطقة تقتضي تكثيف آليات التشاور وتنسيق المواقف بين الدول العربية حفاظاً على الأمن القومي العربي وتجنيب المنطقة المزيد من أسباب التوتر وعدم الاستقرار». وأمس علّق وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني على مجريات الأزمة في لبنان، فأكد في حديث لقناة «TRT» التركية أنّ «المسألة اللبنانية ذات حساسية خاصة لتعدد أطيافه»، مشدداً على وجوب «عدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية».

الراعي في السعودية

في الغضون، استرعت الانتباه أمس الزيارة التاريخية التي بدأها البطريرك الماروني إلى المملكة العربية السعودية حيث كان في طليعة مستقبليه عند مدخل قاعدة الملك سلمان الجوية وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الذي عقد معه لقاءً بروتوكولياً في صالون الشرف في المطار توجه بعده الراعي إلى مكان إقامته ومن ثم انتقل إلى مبنى السفارة اللبنانية فالتقى حشداً من أبناء الجالية اللبنانية خلال مأدبة العشاء التي أقامها على شرفه السفير اللبناني عبد الستار عيسى، مؤكداً أمامهم على كون «علاقات الصداقة بين لبنان والمملكة متجذرة بالتاريخ».

وأضاف الراعي عشية لقائه المرتقب مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «سأشكر الملك وولي العهد على حسن استقبال اللبنانيين»، منوهاً بوقوف «المملكة إلى جانب لبنان في جميع الأوقات، وعلى الرغم من الأزمات تبقى علاقة الأخوة تجمع لبنان والسعودية التي كانت حاضرة دائماً في أزماته الاقتصادية والسياسية»، مع إشارته جازماً بأنّ «لبنان لا يزول طالما أن التعايش الإسلامي – المسيحي قائم».

وإذ من المتوقع أن يلتقيه البطريرك الماروني اليوم، واصل الرئيس الحريري أمس لقاءاته الديبلوماسية في دارته في الرياض حيث استقبل تباعاً رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في السعودية ميكيلي سيرفون دورسو، والسفيرين الألماني ديتر والتر هالر والبريطاني سايمون كولينز.