جدّد التأكيد أنه «بألف ألف خير وراجع على لبنان».. والرئيس الفرنسي اتصل بولي العهد السعودي
الحريري وعائلته إلى باريس بدعوة من ماكرون
على طريق عودة الرئيس سعد الحريري المُرتقبة إلى بيروت، برز مساء أمس منعطف مفصلي يؤكد الاتجاه الإيجابي الذي تسلكه هذه القضية بعدما هزّت الخارطة الوطنية والعالمية على حد سواء. فإثر تغريدة هي الثانية له على التوالي في أقل من 48 ساعة لتبريد أرضية الغليان اللبناني مكرراً التأكيد أنه «بألف ألف خير وراجع على لبنان»، أتت دعوة «الصداقة» التي تلقاها الرئيس الحريري وعائلته من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة باريس بمثابة النبأ الدولي اليقين بقرب جلاء مرحلة الالتباس والغموض التي عشّشت في أذهان اللبنانيين ربطاً بعوارض التوتر والتشنج المرافقة لطول انتظار الحريري، لتنطلق في ضوء رحلة ذهابه إلى باريس مرحلة العد الوطني العكسي لرحلة إيابه منها إلى بيروت.
وفي نصّ البيان الصادر عن قصر الإليزيه، أوضحت الرئاسة الفرنسية أنه «بعد الاتصال بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وجّه الرئيس ماكرون إلى الرئيس الحريري وعائلته دعوة إلى فرنسا»، لتتوالى بعدها المتابعات والاستيضاحات الصحافية حول طبيعة هذه الزيارة وموعدها، ما دفع الرئيس الفرنسي إلى تصويب
الأمور مشدداً على أنه بدافع «الصداقة» التي تربطه بالحريري دعاه وعائلته لزيارة باريس «لبضعة أيام» وليس عرضاً للجوء السياسي «إطلاقاً»، موضحاً على هامش زيارته بون للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ بالقول: «اتصلت بمحمد بن سلمان وبسعد الحريري واتفقنا على أنني سأدعوه لبضعة أيام إلى فرنسا مع عائلته»، مضيفاً للصحافيين: «آمل أن يكون لبنان مستقراً وأن تكون الخيارات السياسية متسقة مع حكم المؤسسات فنحن بحاجة إلى لبنان قوياً مع احترام وحدة أراضيه ونحتاج إلى زعماء لديهم الحرية في خياراتهم ويمكنهم التحدث بحرية».
وفي أعقاب بيان الإليزيه، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصادر الرئاسة الفرنسية توقعها وصول الحريري إلى باريس «في الأيام القليلة المقبلة»، بينما أكدت وكالة «رويترز» وفق مصادرها أنّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان سيجتمع خلال زيارته الرياض مع الرئيس الحريري.
وكانت مروحة المواقف الأوروبية قد اتسعت أمس بشأن الأزمة اللبنانية، لتشمل في جديدها موقفاً بلجيكياً داعماً «لوحدة الجمهورية اللبنانية واستقرارها وسيادتها وأمنها» كما عبّر نائب رئيس وزراء بلجيكا ديدييه رينديرز مشدداً على «ضرورة تجنّب أي زعزعة للاستقرار في لبنان الذي تربطه بأوروبا بشكل وثيق علاقة صداقة قديمة وقيم مشتركة»، وختم بالقول: «رئيس الوزراء سعد الحريري كان مهندس التوازن السياسي وقد كُلّف نهاية عام 2016 تشكيل حكومة جامعة قامت بعمل مهم قضى بتفعيل عمل مؤسسات الدولة والتحضير للانتخابات العامة في ربيع 2018 (…) وآمل أن يتمكن من العودة إلى بلده مع عائلته في أسرع وقت حتى يتضح وضعه لما فيه مصلحة الشعب اللبناني والمنطقة».
توازياً، تلقى الرئيس الحريري أمس اتصالاً هاتفياً من الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس، أعقبه الناطق باسم الرئاسة القبرصية بتغريدة على موقع «تويتر» أوضح فيها أن الحديث بين الرئيسين كان «قلبياً»، مرفقة بصورة لهما من زيارة الرئيس الحريري إلى قبرص قبل أسبوعين.
لبنانياً، واصل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل جولته الأوروبية التي شملت أمس الفاتيكان وروما حيث يتواجد أيضاً البطريرك الماروني بشاره بطرس الراعي الذي كان قد أجرى بعد مغادرته الرياض اتصالاً هاتفياً بالرئيس الحريري أكدا فيه، وفق ما نقل مكتب إعلام بكركي، على «التواصل بانتظار العودة السريعة إلى لبنان من أجل عودة الحياة السياسية الطبيعية إليه». في وقت برزت أمس «الصرخة» التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون في معرض استعجاله عودة الرئيس الحريري إلى بيروت معتبراً أنّ تأخر عودته بعد 12 يوماً من إعلان استقالته من الرياض يشير إلى أنه «محتجز وحريته محددة» وهذا ما وضعه عون في إطار «العمل العدائي ضد لبنان لا سيما وأنّ رئيس الحكومة يتمتع بحصانة ديبلوماسية وفق ما تنصّ عليه اتفاقية فيينا».
وخلال استقباله رئيس وأعضاء المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع وأصحاب المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة، أوضح عون أنّ «لبنان اتخذ الإجراءات اللازمة لتأمين عودة الرئيس الحريري (…) وتدخلت دول عربية من أجل هذه العودة إلا أنه لم يحصل معها أي تجاوب»، وأردف: «توجهنا إلى المراجع الدولية والتقيت سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان وصدرت عن كل هذه الدول مواقف طالبت بعودة الرئيس الحريري لكن حتى الساعة لا تجاوب مع هذه الدعوات»، مضيفاً: «كنا نتمنى لو أنّ المملكة العربية السعودية أوضحت لنا رسمياً سبب اعتراضها أو أوفدت مندوباً للبحث معنا في هذا الموضوع، لكن ذلك لم يحصل، وهو ما جعلنا نعتبره خطوة غير مقبولة، إضافة إلى أنّ تقديم الاستقالة على النحو الذي تم فيه يُشكّل سابقة (…) فالقضية وطنية وليست خلافاً سياسياً، وبإمكان الرئيس الحريري أن يعود ويقدم استقالته كما يمكنه التراجع عنها، وعند عودته، بما يحفظ كرامتنا ورموزنا الوطنية واتخاذ ما يقرره وفق رغبته، سيتم البحث في الأمر، لكن الآن لا عذر مقبولاً يمنعه من العودة، ويمكنه حينها أن يُعلن أسباب استقالته من لبنان ويمكن الحوار حول كل المواضيع التي قد تكون دفعته إلى الاستقالة».
ومساءً، أوضح الوزير السابق الياس بو صعب إثر زيارته قصر بعبدا الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية إلى اتخاذ موقفه هذا انطلاقاً «من حرصه على عودة الرئيس الحريري إلى ممارسة مهماته السياسية والدستورية»، فأشار إلى أنّ عون كان قد «طلب من القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري إيضاحات تتعلق بوضع الرئيس الحريري وبظروف استقالته وعدم عودته إلى لبنان فلم يسمع جواباً من المسؤولين السعوديين في وقت كان الغموض يزداد حول وضع الرئيس الحريري وتتزايد الشائعات حول مصيره، فضلاً عن كون المواقف الدولية وغيرها لم تحقق النتائج المرجوة»، ما اضطره أمس إلى «إطلاق صرخة للإسراع في معرفة حقيقة الوضع الذي يمر به رئيس الحكومة».
وختم بوصعب ناقلاً عن رئيس الجمهورية حرصه على «عدم إصابة العلاقات اللبنانية – السعودية بأي خلل أو جروح لا سيما وأنه يعتبر أنّ ما حصل مع الرئيس الحريري يمكن أن يُستغل للإساءة الى العلاقات اللبنانية – السعودية»، وأضاف مذكّراً بحرص عون «كل الحرص على هذه العلاقات وتطويرها وتعزيزها لا سيما وأنّ أول زيارة رسمية في عهده كانت للمملكة».