IMLebanon

«حبس أنفاس» وترقب.. لما بعد 4 تشرين

«كماشة» العقوبات تكتمل على إيران الإثنين.. وترامب يُغرّد مقتبساً شعار «لعبة العروش»
«حبس أنفاس» وترقب.. لما بعد 4 تشرين

مراد مراد ووكالات

أكدت الولايات المتحدة أمس أن جميع التدابير لإعادة فرض العقوبات كاملة على إيران مطلع الأسبوع المقبل أصبحت جاهزة، وأنها أخطرت 8 دول حليفة لها بإمكانية الاستمرار «موقتاً ولفترة محدودة» في استيراد النفط الإيراني والقيام بتعاملات مع طهران. ويشمل الشق المتبقي من العقوبات ويُعد الأقسى، قطاعات الطاقة (بما في ذلك النفط) والمال والشحن وبناء السفن. وجميع هذه العقوبات كانت مفروضة على إيران قبل اتفاق فيينا لتجميد البرنامج النووي الإيراني الذي وقع عام 2015 بين إيران والدول الست الكبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين)، لكن واشنطن تعيد فرضها الآن إثر انسحابها في أيار الفائت من الاتفاق إياه. وسيكون مدى انصياع جمعية «سويفت» العالمية لهذه العقوبات حساساً جداً ومهماً لفعاليتها ضد النظام الإيراني، ولهذا السبب حذّر وزير الخزانة الأميركي ستيف منوتشن جمعية الاتصالات المالية تلك من مغبة الاستمرار في تعاملاتها مع هيئات أو جهات ذات صلة بإيران ومُدرجة على لائحة العقوبات الأميركية.

وفي معرض تبريره هذه الخطوة أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن «إعادة فرض العقوبات ما هي إلا جزء من حملة اقتصادية تشنها الولايات المتحدة ضد النظام الإيراني للحد من قدرته على تمويل أجندته الدموية».

ففي مؤتمر صحافي ظهر أمس في واشنطن أعلن وزيرا الخزانة والخارجية الأميركيان ستيف منوتشن ومايك بومبيو أن العقوبات على إيران أصبحت جاهزة لتدخل بالكامل (مثلما كانت قبل اتفاق فيينا) حيز التنفيذ، ابتداءً من منتصف ليل الأحد – الإثنين. وحذر منوتشن جمعية الاتصالات المالية العالمية «سويفت» من «تعرضها لعقوبات إذا حاولت التحايل على العقوبات المفروضة على إيران والسماح بمرور أموال صفقات تجارية تخص شركات مدرجة في القائمة السوداء».

وأوضح وزير الخزانة موقف بلاده بالقول «منظومة سويفت لا تختلف عن أي كيان مالي آخر. لقد نصحنا القيمين عليها بوجوب فصل أي مؤسسة مالية إيرانية مُدرجة على اللائحة السوداء من جداول الجمعية في أسرع وقت ممكن من الناحية التقنية وذلك لتجنب تعرض سويفت لعقوبات».

وأكد بومبيو «أن 8 دول حليفة لنا من الدول التي خفضت وارداتها النفطية من إيران إلى حد كبير، يمكننا إعفاؤها موقتاً من العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية، والتي تدخل حيز التنفيذ ابتداء من منتصف ليل الأحد – الإثنين».

وبرغم أن وزير الخارجية الأميركي لم يسمِ هذه الدول الـ8 إلا أنه شدد على «أن الاتحاد الأوروبي لن يُعفى من العقوبات الخاصة بإيران ولن يحظى بأي معاملة خاصة بشأن تنفيذها». وأكد «بالإضافة إلى النفط وقطاع الطاقة سيتم تطبيق عقوبات إضافية تتعلق ببناء السفن، والشحن، والقطاع المصرفي، وسيشمل عدد الأشخاص والهيئات المُتضررة من العقوبات ما مجموعة 700 شخص وكيان». وأوضح الوزير الأميركي أن «الهدف من هذه التدابير المدروسة بعناية هو إبقاء أسعار النفط مستقرة مع خفض صادرات النفط الإيرانية بمقدار مليون برميل».

وأصدر البيت الأبيض بياناً رسمياً خاصاً باقتراب موعد العقوبات التي كان اتفاق عام 2015 «المعيب في جوهره» قد أزاحها عن كاهل النظام الإيراني. وقال البيت الأبيض إن «العقوبات التي ستكتمل يوم الإثنين المقبل ستُشكل أقسى نظام عقوبات يُفرض على إيران وستستهدف قطاعات الطاقة والشحن والمصارف الإيرانية».

وغرد ترامب بصورة له كتب عليها «العقوبات قادمة» مستعيراً تعبيراً خطياً مشابهاً لمسلسل «لعبة العروش» الذي يتخذ من عبارة «الشتاء قادم» شعاراً له. وقال ترامب «تشن الولايات المتحدة حملة من الضغوط الاقتصادية لحرمان النظام الإيراني من الأموال التي يحتاجها للاستمرار في أجندته الدموية».

وجاء في بيان البيت الأبيض «يقوم الرئيس دونالد ترامب بإعادة فرض أشد العقوبات على إيران، مستهدفاً العديد من القطاعات الحساسة للنظام الإيراني الفاسد. في 5 تشرين الثاني الجاري، ستتم إعادة فرض عقوبات الولايات المتحدة كاملة بعدما كان قد تم رفعها بموجب الاتفاق النووي الإيراني الكارثي. فإلى جانب إجراءات العقوبات غير المسبوقة التي اتخذتها إدارة ترامب، سيكون هذا أشد نظام عقوبات مفروض على إيران. وستستهدف العقوبات القطاعات الحاسمة للاقتصاد الإيراني مثل الطاقة والشحن وبناء السفن والقطاعات المالية. وبموجبها يعود أكثر من 700 من الأفراد والكيانات والسفن والطائرات إلى قائمة العقوبات لدينا، بما في ذلك البنوك الإيرانية الرئيسية، ومصدري النفط، وشركات الشحن. وتستهدف العقوبات أيضاً المعاملات مع البنك المركزي الإيراني والمؤسسات المالية الإيرانية المُدرجة على لائحة العقوبات».

وأكد البيت الأبيض أن العقوبات لن تطال مبيعات الأغذية والسلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية لأن الهدف ليس إلحاق الضرر بالشعب الإيراني إنما «الهدف من إعادة فرض العقوبات هو قطع الإيرادات التي يستخدمها النظام الإيراني في: تمويل الجماعات الإرهابية، وإثارة عدم الاستقرار العالمي، وتمويل برامج الصواريخ النووية والباليستية، وإثراء قادة النظام بشكل غير مشروع».

أضاف البيان الرئاسي الأميركي «تعتزم إدارة ترامب التطبيق الكامل لجميع عقوبات الولايات المتحدة على إيران، وستستهدف أولئك الذين يحاولون انتهاكها أو التحايل عليها. فأولئك الذين سيفشلون في الحد من الأنشطة الخاضعة للعقوبات مع إيران سيواجهون عواقب وخيمة. وقد أصدرت الإدارة حتى الآن 19 جولة من العقوبات، حددت 168 من الأشخاص المرتبطين بإيران. واستُهدف هؤلاء الأفراد لارتباطهم بدعم إيران للإرهاب، وبرنامج الصواريخ الباليستية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والأنشطة الإجرامية، وغير ذلك. وقد انخفضت صادرات إيران من النفط بنحو مليون برميل في اليوم منذ أن بلغت ذروتها في شهر حزيران الفائت، كما خفضت أكثر من عشرين دولة وارداتها من النفط الإيراني إلى الصفر. وتضغط الإدارة على مستوردين آخرين لخفضها إلى الصفر في أسرع وقت ممكن. ونحن برغم تقديمنا بعض الاستثناءات الموقتة في هذه العقوبات، إلا أن هذه الاستثناءات أقل من تلك التي قدمتها الإدارة السابقة».

وأكد البيان حرص واشنطن على ضمان الاستقرار في أسواق النفط بالقول إن «الولايات المتحدة واثقة من أن الطاقة ستظل متوفرة في الأسواق بشكل جيد على الرغم من التخفيضات في صادرات النفط الإيرانية». وعن كيفية حصول هذا الاستقرار أوضح البيت الأبيض «من آب 2017 إلى آب 2018، زاد إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة بمقدار 2.1 مليوني برميل في اليوم وزادت الصادرات بنحو مليون برميل في اليوم، مما أضاف إلى سيولة السوق. وخلال العام المقبل، سيزيد إنتاج الولايات المتحدة بمقدار مليون برميل في اليوم أو أكثر. ونحن نعمل مع منتجي النفط في جميع أنحاء العالم لزيادة إمداداتهم كذلك. ونتيجة لهذا الإنتاج المتزايد، تتوقع جهات تنبئ محترمة مثل إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة أن العرض العالمي للنفط سيواكب الطلب في أواخر عام 2018 ويتجاوز الطلب في عام 2019».

ومنذ إعلان ترامب الانسحاب من اتفاق فيينا في أيار الفائت، بدأت الولايات المتحدة في إعادة فرض العقوبات على إيران تدريجياً، لكن المراقبين يعتبرون أن رزمة عقوبات الإثنين المقبل هي الأهم لأنها تستهدف القطاعات الأساسية للاقتصاد الإيراني. والنظام الإيراني يعي جيداً خطورة العقوبات الأميركية على استمراره في السلطة، ولهذا حاول مسؤولوه التقليل من أهمية العقوبات ووقعها بأن سارعت وزارة الخارجية الإيرانية لإصدار بيان زعمت فيه أن «إيران لا تشعر بالقلق إزاء عودة العقوبات» مذكرة بأن «إيران كانت قد حصلت على عقوبات مخففة مقابل الحد من أنشطتها النووية».

وتسلك الولايات المتحدة طريق العقوبات هذه منفردة، إذ إن جميع الدول الخمس الأخرى التي وقعت اتفاق فيينا مع إيران – أي المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين لا تزال أطرافاً موقعة عليه ومُلتزمة به، كما أن حكومات الدول الـ5 أعلنت أنها تعمل على وضع نظام مالي جديد لتسديد أثمان الخدمات الإيرانية وذلك بهدف الاستمرار في التعاملات التجارية مع إيران وتجاوز العقوبات الأميركية.

هذا الواقع هو الذي أجبر واشنطن على دراسة كيفية تنفيذ العقوبات بشكل فعّال وفي الوقت عينه عدم إثارة مشاكل مع دول حليفة. وقد أوضح منوتشن هذه النقطة في المؤتمر الصحافي بالقول «نحن مصممون على فرض العقوبات بقوة، لكن علينا أن نوازن ذلك مع ضرورة الحفاظ على العلاقات مع الحلفاء وأيضاً من أجل الحفاظ على استقرار سوق النفط».

ولفت إلى أن جمعية سويفت، التي تقدم خدمة الرسائل المالية وتتخذ من بروكسل مقراً لها، قد تخضع أيضاً لعقوبات إذا عملت مع المؤسسات الإيرانية المُدرجة على القائمة الأميركية السوداء.

وستدخل العقوبات الأميركية كاملة مرة أخرى يوم الإثنين المقبل. وستعلن وزارة الخزانة الأميركية في حينه أسماء أكثر من 700 من الأفراد والكيانات والسفن والطائرات مدرجة في قائمة العقوبات، بما في ذلك البنوك الكبرى وشركات النفط والشحن. وستكون هذه هي الدفعة الثانية التي يُعيد ترامب فرضها وبها تكتمل العقوبات على إيران كما كانت مفروضة سابقاً. وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ألمح الشهر الفائت إلى أن إدارة ترامب مستعدة لفرص عقوبات إضافية جديدة على النظام الإيراني في الوقت الذي تراه مناسباً. وأمس أكد بومبيو أن «العقوبات تهدف إلى إحداث تغيير جذري في سلوك إيران». وحدد 12 شرطاً يجب على إيران الوفاء بها لكي تتخلص من العقوبات. وهذه الشروط هي باختصار: إنهاء دعم الإرهاب والتدخل العسكري في سوريا، ووقف تطوير الصواريخ النووية والباليستية بشكل كامل.

وبرغم أن بومبيو لم يسمِ أمس البلدان الـ8 التي ستعفو واشنطن بشكل موقت عن استيرادها النفط الإيراني، إلا أن وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية للأنباء ذكرت 5 من هذه البلدان على أنها إيطاليا والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا. فيما رجحت مصادر أخرى أن تكون الدول الـ3 المتبقية هي الدول الحليفة لواشنطن التي لا تزال مُلتزمة باتفاق فيينا – أي بريطانيا (أو الصين) وفرنسا وألمانيا.

وفي طهران اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن «واشنطن تشن حرباً نفسية على إيران من خلال إعادة فرض العقوبات». وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي للتلفزيون الرسمي الإيراني إن «إيران لديها المعرفة الكافية والقدرة على إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد في ظل العقوبات». وشدّد على أن “أميركا لن تستطع تحقيق أهدافها الاقتصادية من خلال هذه العقوبات. فهذا أمر بعيد المنال ولا يوجد بالتأكيد احتمالية تحقيق أهداف واشنطن السياسية من خلال مثل هذه العقوبات”.

وكان ترامب تذرع باستمرار إيران في تطوير ترسانتها الباليستية ودعم الإرهاب وزعزعة استقرار دول الشرق الأوسط (مثل اليمن وسوريا ولبنان) لكي يعتبر أن اتفاق فيينا غير فعّال ويجب إبرام اتفاق أوسع منه يفرض على إيران التوقف عن القيام بكل هذه الأنشطة.

وفي هذا السياق أيضاً، قال مصدران بشركة زاروبيجنفت الروسية المملوكة للدولة إن الشركة انسحبت من مشروعين في إيران بسبب العقوبات الأميركية الوشيكة.

وفي آذار الماضي، وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية اتفاقاً مع زاروبيجنفت لتطوير حقلي أبان وبيدر الغرب النفطيين في غرب إيران. ويستهدف الاتفاق الذي مدته عشر سنوات زيادة الانتاج في الحقلين إلى 48 ألف برميل يومياً من مستواه الحالي البالغ 36 ألف برميل يومياً.

ووفقاً للموقع الإخباري لوزارة النفط الإيرانية (شانا) فإن تكلفة تطوير الحقلين قدرت بنحو 674 مليون دولار مع 68 مليون دولار إضافية في تكاليف غير مباشرة.

لكن مصدراً بالشركة التي مقرها موسكو قال إن العقوبات الأميركية الوشيكة على إيران تضع نهاية للمشروعين. وأضاف قائلاً “زاروبيجنفت انسحبت من كل المشاريع في إيران بسبب العقوبات”. وامتنعت الشركة عن التعقيب.

وأعربت فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبي في بيان مشترك عن “الأسف الشديد” لقيام الولايات المتحدة بإعادة فرض عقوباتها على إيران. وجاء في البيان أيضاً “إنّ هدفنا هو حماية الّلاعبين الاقتصاديين الأوروبيّين الذين يقومون بمبادلات تجارية مشروعة مع إيران”.

وحمل البيان توقيع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزراء الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان والألماني هايكو ماس والبريطاني جيريمي هانت.

وأضاف البيان أنّ الاتّفاق الموقّع مع إيران حول ملفها النووي في 2015 “يُشكّل عاملاً أساسياً في إطار الهندسة العالمية لمنع الانتشار النووي، وفي إطار الديبلوماسية المتعدّدة (…). إنّه أساسيّ لأمن أوروبا والمنطقة والعالم أجمع”.

وتابع الوزراء في بيانهم “بصفتنا موقّعي الاتّفاق التزمنا العمل خصوصاً على الإبقاء على عمل شبكات ماليّة مع إيران، وعلى ضمان استمرار الصادرات الإيرانية من النفط والغاز. إنّ عملنا بالنسبة إلى هذه المواضيع وغيرها سيتواصل (…) وقد تكثّفت هذه الجهود خلال الأسابيع القليلة الماضية”.