مراد مراد
مع الثواني الأولى لليوم الإثنين دخلت العقوبات الأميركية على طهران كاملة حيز التنفيذ. ويُعد الشق المنفذ ابتداء من اليوم والذي يشمل قطاعات الطاقة والمال والشحن أقسى أنواع العقوبات التي تُعيد واشنطن فرضها بعدما كانت رفعتها عنها وفق الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في فيينا عام 2015. فإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحبت من ذلك الاتفاق لأنه «لا يضع حداً لطموحات إيران العسكرية وسياساتها الخارجية الداعمة للإرهاب والمزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط»، وهي طالبت إيران بالموافقة على 12 شرطاً من أجل إبرام اتفاق جديد موسع يؤدي إلى رفع العقوبات ويفتح صفحة جديدة من العلاقات الأميركية – الإيرانية.
وتشمل هذه الدفعة من العقوبات الأميركية على إيران عدداً من القطاعات، أهمها:
أولاً، عقوبات على مؤسسات الموانئ والأساطيل البحرية وإدارات بناء السفن، بما يشمل أسطول جمهورية إيران وخط أسطول جنوب إيران والشركات التابعة لهما.
ثانياً، عقوبات ذات صلة بالنفط خاصة التعاملات المالية مع شركة النفط الوطنية الإيرانية، وشركة النفط الدولية الإيرانية، وشركة النقل النفطي الإيرانية، وحظر شراء النفط والمنتجات النفطية أو المنتجات البتروكيميائية من إيران.
ثالثاً، عقوبات متعلقة بالتعاملات الاقتصادية للمؤسسات المالية الأجنبية مع البنك المركزي الإيراني وبعض المؤسسات المالية الإيرانية بموجب المادة 1245 من قانون تخويل الدفاع الوطني الأميركي للسنة المالية 2012.
رابعاً، عقوبات متعلقة بخدمات الرسائل المالية الخاصة للبنك المركزي الإيراني والمؤسسات المالية الإيرانية المُدرجة في قانون معاقبة إيران الشامل لعام ٢٠١٠.
خامساً، عقوبات ذات صلة بتوفير خدمات التأمين.
سادساً، عقوبات عامة على قطاع الطاقة الإيراني بما في ذلك النفط.
وفندت وزارة الخارجية الأميركية رسمياً الشروط الـ12 التي تريد إدارة ترامب من إيران تنفيذها لرفع هذه العقوبات. وهي بالتدريج كما أوردتها الخارجية الأميركية عكسياً من الشرط رقم 12 حتى الشرط رقم 1 كالآتي: يجب على النظام الإيراني أن: 12. يُعلن بشكل كامل عن الأبعاد العسكرية السابقة لبرنامجه النووي، وأن يتخلى عن مثل هذه الأنشطة بشكل دائم وبشكل يمكن التحقق منه. 11. وقف تخصيب اليورانيوم وعدم مواصلة إعادة معالجة البلوتونيوم. وهذا يشمل إغلاق المفاعل الإيراني للمياه الثقيلة. 10. أن يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول غير المقيد إلى كافة المواقع ـــ النووية المعروفة أو المشبوهة ـــ في جميع أنحاء البلاد. 9. أن يتوقف عن إنتاج وتطوير الصواريخ الباليستية، وأن يحد من إطلاق أو تطوير أنظمة صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. 8. إطلاق سراح جميع المواطنين الأميركيين المحتجزين لديه، وكذلك سراح مواطني الدول الحليفة لنا. فكل مواطن من هؤلاء محتجز في إيران بتهم زائفة. 7. أن يوقف النظام الإيراني دعمه للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، بما في ذلك «حزب الله اللبناني» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» في فلسطين. 6. احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح لها بنزع سلاح الميليشيات الشيعية في العراق وتفكيكها وإعادة دمجها. 5. أن ينهي دعمه العسكري لميليشيا الحوثي، وأن يعمل من أجل التوصل إلى تسوية سياسية سلمية في اليمن. 4. سحب جميع القوات المنتشرة تحت القيادة الإيرانية من جميع أنحاء سوريا. 3. التوقف عن دعم حركة «طالبان» والإرهابيين الآخرين في أفغانستان والمنطقة، وأن يتوقف عن إيواء كبار قادة تنظيم «القاعدة». 2. أن ينهي دعم فيلق القدس (التابع للحرس الثوري الإيراني) للإرهابيين والشركاء المسلحين. 1. إنهاء سلوكه التهديدي ضد جيرانه، بما في ذلك: التهديد بتدمير إسرائيل، وإطلاق الصواريخ على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتهديد بقطع طرق الشحن الدولي البحري، وشن الهجمات السيبرانية.
وأمس في حوار متلفز مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية تحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن العقوبات قائلاً «إن العقوبات التي يُعاد فرضها هي أشد العقوبات التي فُرضت حتى الآن على إيران. وهدف هذه العقوبات واحد وهو: منع أكبر دولة راعية للإرهابيين في العالم من القدرة على فعل أشياء مثل التي فعلوها خلال الأسبوعين الماضيين، مثل محاولة تنفيذ عملية اغتيال ضد معارضين إيرانيين في قلب أوروبا (في إشارة إلى إحباط مؤامرة إرهابية قرب العاصمة الدنماركية كوبنهاغن)».
واعتبر بومبيو «أن العقوبات تركت للتو تأثيراً هائلاً. لقد أدت بالفعل إلى خفض صادرات النفط الخام الإيراني بأكثر من مليون برميل يومياً. وهذا الرقم سينخفض أكثر فأكثر». وأوضح سبب إعفاء 8 دول صديقة للولايات المتحدة من العقوبات والسماح لها لمدة 6 أشهر باستيراد النفط الإيراني بالقول: «هناك عدد قليل من الدول التي ما زالت مستمرة في تخفيض حاجتها إلى النفط الإيراني، وهي بحاجة إلى مزيد من الوقت للوصول إلى الصفر، وسنقوم نحن بمساعدتهم تدريجياً للوصول إلى هذه النقطة خلال الأشهر الـ6 القادمة».
وسئل عما إذا كان صحيحاً أن واشنطن أعفت زبونتين كبيرتين لإيران مثل الهند والصين من العقوبات، وهل قدمت هاتان الدولتان أي ضمانات بأنهما ستلتزمان بالعقوبات بعد مرور مهلة الأشهر الـ6 ؟ فأجاب بومبيو من دون أن ينكر أو يؤكد أن الهند والصين بين الدول الـ8 المُعفاة التي لم تُعلن واشنطن رسمياً أسماءها: «هناك الكثير من الخبراء الذين قالوا إن سياسة الرئيس ترامب لن يكون لها أي تأثير لأنها تفرض عقوبات أميركية أحادية الجانب، وإن الدول الأخرى ليست مشاركة. ولكن في الواقع، قمنا ببناء تحالف هائل للحفاظ على هذا العالم آمناً عبر حرمان النظام الإيراني من مصادر أمواله. وأنا واثق جداً من أن العقوبات التي سيتم فرضها ابتداء من اليوم، ليس فقط عقوبات النفط الخام، إنما أيضاً العقوبات المالية التي بموجبها ستُدرج وزارة الخزانة الأميركية أكثر من 700 فرد وهيئة في إيران على لائحة الإرهاب وتجميد الأصول سيكون لها الأثر المُراد به تغيير سلوك النظام الإيراني. لذا أعتقد أن أية دولة من الدول الـ8 المعفاة موقتاً من العقوبات الخاصة باستيراد النفط الخام الإيراني سنصل وإياها تدريجياً في الموعد المحدد إلى الاعتماد بنسبة صفر في المئة على الصادرات الإيرانية».
وتعليقاً على انتقادات السياسيين الأكثر تشدداً في الحزب الجمهوري الأميركي للعقوبات واعتبارهم إياها غير كافية لقصم ظهر النظام الإيراني، قال بومبيو: «أطلب منهم أن يراقبوا معنا تأثير العقوبات التي تدخل اليوم حيز التنفيذ. وأذكرهم بأن الريال الإيراني قد انخفض إلى 140 ألفاً مقابل الدولار. ونحن نعمل بجد للتأكد من أننا لا نضر بالشعب الإيراني إنما فقط بالنظام الحاكم لكي نجبره على تغيير سلوكه الخبيث. هذا هو الهدف من وراء هذه العقوبات»
وفي تفاصيل كيفية تطبيق العقوبات حول العالم، ابتداء من اليوم لن يعد بإمكان إيران الإفادة من العائدات المالية من بيع النفط بالشكل الشرعي بالنسبة للولايات المتحدة، فالدول الثماني المستثناة، سيكون عليها دفع المستحقات المالية عليها مقابل النفط الإيراني في حسابات محلية لإيران في تلك الدول، ويُحظر على طهران الاستفادة من تلك الأموال إلا لشراء الأغراض والسلع، لا سيما الإنسانية منها كالأغذية والأدوات الطبية. فعلى سبيل المثال، سيكون بمقدور طهران شراء الأرز من الهند مقابل هذه الأموال، أما الدول التي ستشتري النفط الإيراني وليست من بين الدول المستثناة فستكون عرضة للعقوبات الأميركية، ما يطرح السؤال الأعقد الذي يتعلق بالدول الأوروبية، ومفاده «هل ستفرض واشنطن أي عقوبات على حلفائها في القارة العجوز اعتباراً من اليوم؟». فرغم أن الاتحاد الأوروبي أعلن كما الصين وروسيا تمسكه باتفاق فيينا وما زال خبراء المال والاقتصاد الأوروبيون يحاولون صياغة منظومة مالية جديدة تمكن الدول الأوروبية من إجراء تعاملات مع إيران والالتفاف على العقوبات الأميركية. من جهتها أعلنت روسيا «العقوبات الأميركية على إيران غير شرعية»، وتعهدت موسكو بمساعدة طهران على الالتفاف على هذه العقوبات.
واليوم أيضاً تضيف وزارة الخزانة الأميركية على لوائح الإرهاب ـــ أي لوائح المعاقبين بحظر السفر وتجميد الأصول المصرفية ـــ 700 اسم جديد بين أفراد وهيئات، 400 منها كانت مدرجة قبل توقيع اتفاق فيينا عام 2015، و300 منها جديدة من صياغة إدارة ترامب. وستُضاف هذه الأسماء جميعها إلى 168 اسماً كانت وزارة الخزانة قد أعادت إدراجها على لوائح الإرهاب والعقوبات منذ بداية عهد ترامب. وشملت تلك الأسماء حتى الآن مسؤولين وكيانات إيرانية بالإضافة إلى أذرع إيران ووكلائها في المنطقة، كما عملت واشنطن على تفكيك شبكات تمويل ميليشيات رئيسة لإيران مثل حزب الله. وأكد وزير الخزانة الأميركي ستيف منوتشن أن شبكة الاتصالات المالية بين البنوك «سويفت» التي تتخذ من بروكسل مقراً لها ستكون كغيرها من الكيانات، عرضة للعقوبات، إذا تم كشف أي تواصل لها مع مصارف إيرانية مُستهدفة بالعقوبات. وستعلن واشنطن اليوم لائحة بأسماء المصارف والمؤسسات المالية التي تطالها العقوبات، مع شروط يتوقع ان تسمح لـ«سويفت» بالتعامل مع مؤسسات داخل إيران يقتصر نشاطها على القنوات الإنسانية.
وحاول النظام الإيراني الظهور بمظهر المتحدي فوصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف العقوبات الأميركية بأنها «تصرف منفرد غير مسؤول». وحشد متشددو النظام الإيراني بقوة لذكرى احتلال السفارة الأميركية في طهران أثناء الثورة الإسلامية عام 1979. فقد تجمهر آلاف الإيرانيين في شوارع العاصمة قبل ساعات من دخول العقوبات الأميركية الأشد على النظام الإسلامي الإيراني حيز التنفيذ. ويرمز هذا الاحتفال السنوي إلى بداية احتلال السفارة، الذي دام 444 يوماً، من جانب طلاب احتجزوا أكثر من 50 ديبلوماسياً أميركيا في حينه رهائن، ما أدى إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. وأمس هتف المتظاهرون هتافاتهم التقليدية ضد الولايات المتحدة واحرقوا أعلاماً أميركية ودولارات مزيفة.
ونقل التلفزيون الإيراني الرسمي عن المرشد الأعلى علي خامنئي قوله خلال اجتماع مع آلاف الطلاب «إن العالم يُعارض كل قرار يتخذه ترامب». أضاف «كان هدف الولايات المتحدة إعادة الهيمنة التي كانت تملكها قبل 1979 ولكنها فشلت. لقد هُزمت الولايات المتحدة من قبل الجمهورية الإسلامية على مدى ال40ـ سنة الماضية».
واعتبر قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري أن «الحرب الاقتصادية التي تشنّها واشنطن هي محاولة جديدة للانقلاب على الجمهورية الإسلامية». وأضاف «بعون الله والمقاومة ومع عزيمة الشعب، إن هذا السلاح الأخير الذي يلوح به العدو – الحرب الاقتصادية – سيُهزم». وتوجّه إلى ترامب بالقول «لا تهددوا إيران».