غزة – عبير بشير
لا تزال تداعيات جولة العنف الأخيرة الخاطفة بين تل أبيب وحركة «حماس» تلقي بظلالها على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، حيث ارتفعت أسهم المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» وسط إشارات مصرية إيجابية وترجيحات بأنها باتت حاجة إقليمية، فيما تفاقمت أزمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع شركائه الائتلافيين مع استحقاق انتخابات مبكرة يحاول تفاديه جاهداً.
وأبلغ الرئيس محمود عباس مسؤولين في حركة «فتح» أن المصالحة وضعت على مسارها الصحيح، متوقعاً نهاية الانقسام بين غزة والضفة الغربية قريباً، لكن من دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
وبرغم الضجيج الكبير والاتهامات المتبادلة بين حركتي «فتح» و«حماس»، كشفت مصادر مطلعة أن الوساطة المصرية والجولات المكوكية للوفد الأمني المصري تُحرز تقدماً كبيراً في ما يتعلق بالمصالحة.
وتضيف المصادر أن الطريق الآن باتت أكثر تمهيداً أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية وعودة السلطة إلى قطاع غزة، وتابع قائلاً إن «عودة السلطة إلى القطاع وإنهاء الانقسام أصبحا ضرورة دولية ومطلباً إقليمياً وأممياً»، وموضحاً أن «تل أبيب وواشنطن تخشيان تحولات غزية قد تؤدي إلى إشعال فتيل حرب في المنطقة توقف مسيرة التطبيع العربية تماماً مع إسرائيل، وهذا ما دعا الرئيس الفلسطيني إلى القول بأن المصالحة تم وضعها على المسار الصحيح».
ودعا أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات حركة «حماس» إلى التخلص من وهم تشكيل كينونة سياسية مستقلة في غزة، والعمل على مواجهة صفقة القرن التي تهدف إلى فصل غزة عن الضفة. وأضاف عريقات أن حركة «حماس» تسعى إلى رفع الضغط عن قطاع غزة وتحقيق الاستقرار فيها من خلال تهدئة منفردة مع الاحتلال، تزامناً مع تجنبها الحديث عن المصالحة الوطنية بين الفلسطينيين.
وفي موازاة ذلك، لا يزال الإسرائيليون منشغلين بتبعات جولة النار الأخيرة في غزة التي أفضت إلى استقالة ليبرمان وتعريض الائتلاف الحكومي إلى هزة قوية، وهم يوزعون اتهاماتهم على قيادة الدولة بالعجز أمام «حماس» وعدم القدرة على حسم المواجهة معها.
وأعلن نتنياهو عقب لقاء «بلا نتائج» مع وزير المال موشي كحلون لمناقشة الأزمة الحكومية، أنّ الدعوة لانتخابات مبكرة الآن ستكون «أمراً غير مسؤول»، واعداً بأن يستمر في ممارسة مهامه على الرغم من الأزمة التي تعصف بائتلافه الحكومي.
وقال نتنياهو في كلمة متلفزة إنّه في الوقت الحالي سيتولى بنفسه حقيبة الدفاع التي شغرت باستقالة ليبرمان، وسيعمل على إقناع بقيّة شركائه في الائتلاف بالبقاء في الحكومة.
وأضاف أنّ «التوجّه إلى الانتخابات الآن سيكون غير مسؤول.. أمن البلاد فوق أي اعتبارات سياسية».
وكان وزير التعليم نفتالي بينيت من حزب «البيت اليهودي» اليميني المتطرف هدّد بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا لم يتم منحه حقيبة الدفاع.
وتحدّث نتنياهو في كلمته عن خبرته العسكرية، وقال إنّه لا يستطيع أن يشرح علناً الخطوات الأمنية الحسّاسة التي تقوم بها إسرائيل الآن.
ويسعى نتنياهو إلى الحفاظ على الحكومة الحالية وهو قال في مستهل جلسة لها: «أحاول الحفاظ على الائتلاف الحكومي، وخلال هذه الفترة الأمنية الحساسة لا ينبغي أن نذهب إلى صناديق الاقتراع».
وأضاف: «نحن نعرف ما حدث عندما أسقطت الحكومة عامي إثنين وتسعين وتسعة وتسعين، والتي جلبت لنا كارثة أوسلو وكارثة الانتفاضة».
وقالت مصادر عبرية إن نتنياهو الذي يشغل منصب وزارة الخارجية سيتخلى عنه وسيعين وزيراً جديداً للخارجية في الأيام القليلة المقبلة.
إلى ذلك، حذّر محللون عسكريون إسرائيليون من أن تبكير الانتخابات العامة للكنيست من شأنه أن يُسرّع القيام بعملية عسكرية ضد غزة، وبخاصة أن الرأي العام الإسرائيلي يؤيد شن عدوان على القطاع وليس راضياً من أداء نتنياهو بسبب عدم توسيعه العدوان في الأسبوع الماضي.
وكتب المحلل العسكري أليكس فيشمان أن «رصيد حماس انتهى. هكذا هي الأجواء اليوم في هيئة الأركان العامة على الأقل. وإذا اختارت حماس المواجهة العسكرية لأي سبب كان، فإن الجيش جاهز للهجوم خلال ساعات».
وأضاف «أن على «حماس» ألا تستمع إلى القيادة الإسرائيلية، وإنما إلى مزاج الجمهور الإسرائيلي، وقواعد اللعبة تغيرت لأن إسرائيل ذاهبة إلى انتخابات وفترة الانتخابات لا تستدعي مفرقعات كلامية وإنما مفرقعات عسكرية أيضاً».
ويرى مراقبون أن ضبط النفس الذي كان ينتهجه نتنياهو عندما كانت حكومته مستقرة نسبياً، بات أصعب للتطبيق في فترة المنافسة في حال أقرت الانتخابات المبكرة بينما يطوقه منافسوه من اليمين إلى اليسار ويوجهون إليه انتقادات قاسية، في حين أن سيناريو تسوية كاملة مع حركة «حماس» سيصفه معارضوه بأنه استسلام آخر للإرهاب، واستمرار الوضع القائم بدون حلحلة يعني هجمات صاروخية بحجج متنوعة مرة كل أسبوعين، فيما صور الهلع والغضب في بلدات غلاف غزة تلاحق نتنياهو.