غزة – عبير بشير ووكالات
صعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حربه المستعِرة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية خصوصاً، مُهدّداً ومتوعّداً «حماس» بـ«ثمن غالٍ» إرضاء لتوجهات الأحزاب اليمينية وللمستوطنين الداعمين لحكومته المتطرفة. قابل ذلك ردّ وتحدٍّ من العيار الثقيل نفسه باعتبار «الضفة الغربية الساحة الأهم والأعمق لحسم الصراع مع إسرائيل» حسب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية.
ففي كلمة ألقاها بجلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية كرّر نتنياهو رسالته التي وجهها لحركة «حماس» في قطاع غزة الأسبوع الماضي، وذلك عقب تصاعد التوتر في الضفة الغربية واستشهاد عدد من المدنيين الفلسطينيين برصاص الجنود الإسرائيليين بدم بارد.
وأكدت هيئة البث الإسرائيلية (مكان) أن نتنياهو قال أثناء الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، إنه في أعقاب التصعيد الأخير في الضفة وجه رسالة واضحة إلى «حماس» مفادها أن إسرائيل «لن تقبل أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار مع الحركة في الوقت الذي يُمارس فيه الإرهاب من قبلها». وذكر أن إسرائيل ستجني ثمناً باهظاً من ذلك وفق ما أوردته الإذاعة الإسرائيلية العامة.
وتعهد نتنياهو باتخاذ «خطوات أخرى» في أعقاب تصاعد العمليات في الضفة، على غرار تلك التي أصدرها أخيراً بتسريع الإجراءات الخاصة بهدم منازل منفذي العمليات، وسحب تصاريح عمل من أبناء عائلاتهم وعدم إعادتها إليهم.
وأوضح أنه أوعز إلى الجهات المعنية بتنظيم الوضع القانوني لآلاف الوحدات السكنية في الضفة الغربية وإقامة منطقتين صناعيتين جديدتين بالقرب من افنيه حيفيتس وبيتار عيليت، والمصادقة على إقامة إثنتين وثمانين وحدة استيطانية جديدة في عوفرا.
وأضاف أن «الفلسطينيين يسعون إلى اقتلاعنا من أرضنا، إلا أننا بأفعالنا وبروحنا نوضح لهم وللعالم بأسره أننا سنبقى هنا».
وذكرت وسائل إعلام عبرية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ترأس اجتماعاً متوتراً للغاية لمجلس الوزراء، لبحث التصعيد الفلسطيني الأخير في الضفة الغربية.
وأشارت هيئة البث إلى أن الجلسة شهدت تراشقاً كلامياً بين نتنياهو والوزيرين عن حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت وأيليت شكد، فالأول قال إن «إسرائيليين يُقتلون لأن الإرهابيين لم يعودوا يشعرون بالخوف»، ولكن وصف نتنياهو تصريحاته بأنها «محاولة حمقاء لجني مكاسب سياسية»، ثم غادر بينيت الاجتماع قبل ختامه. وأما شكد فطالبت نتنياهو ووزير المواصلات والاستخبارات يسرائيل كاتس بالتوقف عن «إطلاق تفاهات عديمة القيمة».
كذلك شدّد وزير السياحة ياريف ليفين على أن الوقت حان للتحرر من «بعض الضوابط القانونية المفروضة بلا مبرر»، فيما تعهد وزير الاقتصاد إيلي كوهين بدعم تنظيم الوضع القانوني لمستوطنة عوفرا.
وسبق أن ساعد بينيت وشكد نتنياهو على إنقاذ ائتلافه الحاكم، إذ رفضا في الشهر الماضي الانسحاب منه على خلفية الأزمة التي شهدتها الحكومة بعد استقالة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، لكن الخلافات لا تزال قائمة بينهما، حيث أحبط نتنياهو تطلعات بينيت للحصول على مقعد وزارة الدفاع.
وهاجم رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك نتنياهو، وقال إنه «تصرف مثل متعاون مع حركة حماس التي تصعّد في الضفة الغربية، وكلاهما يريدان القضاء على السلطة الفلسطينية». وانتقد باراك القرارات التي أعلن عنها نتنياهو ومن بينها هدم بيوت منفذي عمليات وشرعنة بؤر استيطانية عشوائية، ورأى أن «الاستنتاج هو أن هدم البيوت وسيلة غير ناجعة. وهذا يشجع الإرهاب ولا يضعفه. ونحن نجري وراء غليان الدماء وليّ الأذرع الذي يمارسه اليمين المتطرف. ونتنياهو فشل في الأمن».
وفي الجانب الفلسطيني أكد رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في مهرجان نظمته الحركة في الذكرى الحادية والثلاثين لتأسيسها أن الضفة الغربية المحتلة هي «الساحة الأهم والأعمق لحسم الصراع مع إسرائيل».
وقال هنية في كلمة ألقاها خلال مهرجان مركزي نظمته «حماس» في ساحة الكتيبة غرب غزة «نحن مستبشرون بالضفة، فهي الساحة الأهم للأحداث، والساحة الأعمق لحسم الصراع مع عدونا الصهيوني، وندعو لرفع القبضة الأمنية عن المقاومة ورجال الضفة».
وأضاف «انتفضت الضفة الغربية ووقفت بكل شموخ وقوة واقتدار، وكأنها تريد أن تقول لشعبنا في ذكرى الانطلاقة المجيدة إنها مع المقاومة، هناك انسجام كامل مع خيار المقاومة، تكون في غزة ثم تنطلق وتتجدد كالمارد المنتفض في الضفة الغربية، فهي ممتدة زماناً ومكاناً».
وتأتي مواقف هنية على وقع هجمات على إسرائيليين شهدتها الضفة الغربية في الأيام الأخيرة، ما دفع القوات الإسرائيلية إلى مطاردة منفذي الهجمات وهدم منازلهم وإغلاق مداخل مدينة رام الله التي تُشكل مقراً للسلطة الفلسطينية.
ويقيم في الضفة الغربية المحتلة 400 ألف مستوطن إلى جانب أكثر من 2,5 مليوني فلسطيني.
واعتبر هنية «أن الضفة تقول إنها لن تكون منطلقاً لصفقة القرن، بل مقبرة لصفقة القرن، واتهام الاحتلال لغزة بتوجيه العمليات في الضفة فخر لا ندعيه وتهمة لا ننفيها، إن رجال الضفة ليسوا بحاجة إلى توجيه».
وتابع هنية «من يدخل غزة (في إشارة إلى الجيش الإسرائيلي ) سيكون إما قتيلاً أو أسيراً»، لافتاً إلى أن لدى الحركة «ذخراً أمنياً مهماً وكبيراً بين أيدي مهندسي القسام، سيُساهم في فهم آليات عمل هذه القوات»، في إشارة إلى القوات الإسرائيلية الخاصة التي تسللت إلى شرق خان يونس في 11 تشرين الثاني الماضي واشتبكت مع مقاتلي القسام، ما أدى إلى مقتل ضابط إسرائيلي.
وشدد هنية على أن «هذا الكنز الأمني الذي لا يُقدّر بثمن، ستكون له تداعيات ميدانية مهمة في عملية الصراع مع المحتل».
وعن التصعيد الإسرائيلي الأخير على غزة قال «لو زاد العدو في عدوانه الأخير لزادت المقاومة من ردها، وكانت على بُعد خطوة من تل أبيب».
وقال أيضاً «تمر هذه الذكرى وليبرمان استقال، ليبرمان الذي كان يهدد غزة والمقاومة (…) ويهدد بيروت والمقاومة في لبنان، ويهدد سوريا.. سقط ليبرمان، وها هي حماس تحيي ذكراها»، في إشارة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي السابق الذي استقال احتجاجاً على إعلان هدنة بين إسرائيل و«حماس» في غزة.
وتطرق هنية إلى الوضع الفلسطيني الداخلي وقال «مطلوب منا أن نذهب مباشرة إلى الوحدة الوطنية، لنواجه هذه التحديات الاستثنائية، وحماس جاهزة ومستعدة لأن تذهب إلى أبعد مدى من أجل استعادة الوحدة الفلسطينية، (…) وأعلن استعدادنا لتشكيل حكومة وحدة وطنية فوراً، وأعلن استعدادنا للذهاب إلى إجراء انتخابات بعد ثلاثة أشهر من الآن».
ونُظم المهرجان في غزة تحت شعار «مقاومة تنتصر وحصار ينكسر» وشارك فيه ممثلون للفصائل الفلسطينية، وسُجل حضور لافت للنساء في ساحة المهرجان.
ورفع المشاركون صوراً لقادة رحلوا في الأعوام الماضية بينهم مؤسس «حماس» الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب وإبراهيم المقادمة وصلاح شحادة وسعيد صيام ونزار ريان وأحمد الجعبري.
كما رفعوا صور الزعيم ياسر عرفات والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرهم. وأطلقت عشرات البالونات من ساحة المهرجان إلى سماء غزة.
وقدمت فرقة عسكرية تابعة لكتائب القسام عرضاً شمل أنواعاً مختلفة من الأسلحة ومركبات مموهة. وانطلقت مسيرة بحرية من منطقة السودانية شمال غزة باتجاه ساحة الكتيبة. وقدرت «حماس» عدد المشاركين في المهرجان بمئات الآلاف.
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية إن اليمين الحاكم في إسرائيل برئاسة نتنياهو يتعمد استغلال موجة التوتر الراهنة التي افتعلها، لتنفيذ أكبر عدد ممكن من مخططاته الاستعمارية التوسعية في الأرض الفلسطينية المحتلة، سواء من خلال تعميق الاستيطان وعمليات التهويد، أو (شرعنة) آلاف الوحدات الاستيطانية ومئات البؤر الاستيطانية (العشوائية)، وفقاً للمفهوم الإسرائيلي تحت شعار (مواءمة حياتية ومساواة) بين المستوطنات والعمق الإسرائيلي، بما يُرضي جمهوره من المستوطنين واليمين في إسرائيل ويُعزز من سيطرته.
ورأى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد إشتية أن العدوان الإسرائيلي الأخير في الضفة الغربية ممنهج ومتناغم مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشدداً على أن إسرائيل تريد الدفع بالإدارة المدنية لتأخذ مكان السلطة الوطنية الفلسطينية وإنهاء وجود أي جغرافية سياسية تحت سيطرة السلطة الوطنية.
وكشفت مصر عن اتصالات تجريها لوقف التصعيد الإسرائيلي بالضفة الغربية وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤكدة دعمها للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ووفق بيان للخارجية المصرية أعربت القاهرة عن «قلقها البالغ إزاء التطورات الجارية بالأراضي الفلسطينية المحتلة والاقتحامات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية لمناطق متفرقة من الضفة الغربية». وأوضح البيان أن «مصر تواصل تكثيف اتصالاتها لوقف التصعيد والتحرك العاجل لاحتواء التوتر».
وأشارت إلى «التداعيات المُحتملة لهذا التصعيد على الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة».
ودعا البيان إلى «وقف التصعيد والحيلولة دون أية ممارسات لن تُفضي سوى إلى المزيد من تدهور الأوضاع، وتمثل تقويضاً لكافة المساعي الرامية إلى إحياء عملية السلام».
ميدانياً، تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية المسعورة على مدن الضفة الغربية، وتتمادى ميليشيات المستوطنين المسلحة بحماية جيش الاحتلال ودعمه في استباحة الأراضي والبلدات الفلسطينية. وتجددت المواجهات في بعض محافظات الضفة بين الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال الذي اعتقلوا العديد منهم.
وأطلق مستوطنون النار، عند مدخل قرية اللبن الشرقية في محافظة نابلس، بينما قام عدد آخر منهم بإغلاق القرية مع انتشار عدد كبير من جيبات الاحتلال وحراس المستوطنات القريبة، وتم إخلاء مدرستي اللبن الثانوية للبنين، واللبن الثانوية للبنات تخوفاً من اعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال على الطلبة.
وهاجم عشرات المستوطنين مدرسة بورين الثانوية جنوب نابلس والمنازل القريبة منها، بحراسة من جيش الاحتلال وأطلقوا الرصاص، ما اضطر إدارة المدرسة إلى إخلاء الطلبة، فيما اعتلت قوات الاحتلال الأسطح، وأطلقت الرصاص المطاطي وقنابل الغاز.
واقتحم عشرات المستوطنين المسجد الأقصى من باب المغاربة، بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال الخاصة التي وفرت لهم الحماية الكاملة بدءًا من دخولهم عبر باب المغاربة وتجولهم في باحات الأقصى، وانتهاءً بخروجهم من باب السلسلة.
وبحسب دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، فإن المتطرفين اليهود نظموا جولات استفزازية في باحات الأقصى، وسط تلقيهم شروحات عن «الهيكل» المزعوم.
وشرع مستوطنون بتوسيع مستوطنة «متسبي يائير» المقامة على أراضي المواطنين شرق يطا جنوب الخليل، في حين أصيب شاب برصاص في صدره في مواجهات مع الاحتلال في منطقة حي النقار غربي مدينة قلقيلية، وأفادت مصادر طبية أنه تم نقل المصاب إلى مستشفى درويش نزال الحكومي ووصفت إصابته بالخطيرة.