بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين قريباً من خطوط التماس مع المعارضة في حماة، اتفقت الميليشيات التابعة لقوات الأسد على تنفيذ عملية انتشار جديدة في كامل جبهات القتال في سهل الغاب بإشراف «الفيلق الخامس» المدعوم من روسيا على حساب الأطراف المسلحة التي تدعمها إيران.
واندلع الأسبوع الماضي قتال بين ميليشيا «الدفاع الوطني» و«الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد من جهة، و«الفيلق الخامس» و«قوات النمر» من جهة ثانية، وكانت بشكل أعنف في قرى وبلدات الحرة والكريم والبارد والرصيف والجديدة وتل التوبة وغيرها من القرى والبلدات في سهل الغاب القريبة من الخطوط العسكرية للمعارضة.
والاتفاق الذي تم توقيعه بين الميليشيات في نقطة المراقبة الروسية شمال مدينة صوران بريف حماة الشمالي – أكبر نقاط المراقبة الروسية في المنطقة – يسمح لـ«الفيلق الخامس» الذي تدعمه موسكو بالإشراف الكامل على جبهات سهل الغاب، وإدارة العمليات البرية وغرفة العمليات في المنطقة الواقعة بين نقطتي المراقبة الروسيتين، في نقطة عين ريحان شمالاً ومن الجنوب نقطة السقيلبية.
وبذلك لم يعد لميليشيات «الدفاع الوطني» و«الفرقة الرابعة» المدعومتين من إيران النفوذ الذي كانتا تتمتعان به في المنطقة، نظراً لوجود أعداد كبيرة من العناصر في صفوفهما من أبناء المنطقة التي استهدفها توسع «الفيلق الخامس» المدعوم من روسيا.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «السورية.نت» من مصادر محلية موثوقة، ورد في الاتفاق بند يخص الحواجز التابعة لـ«الفرقة الرابعة»، والتي ستُجبر على الانسحاب إلى ثكناتها ومواقعها العسكرية المخصصة لها، لتحل محلها حواجز ينشرها «الفيلق الخامس»، وحواجز أخرى تتولاها ميليشيات قوات «النمر» التي يقودها العميد سهيل الحسن.
وسمح الاتفاق الجديد لـ«الفيلق الخامس» بأن ينشئ مقرات ويكون له وجود عسكري في قرى وبلدات الحرة والكريم والبارد والرصيف والجديدة وتل التوبة والجيد وتمانعة الغاب والشعيرة وتل التوبة وغيرها من القرى والبلدات في سهل الغاب.
وقال مصدر عسكري في «جيش العزة» في تصريح لـ«السورية.نت»، إن «روسيا نجحت في التقليل من سيطرة الفرقة الرابعة والدفاع الوطني، وحاولت عبر وساطات محلية من قادة الفيلق الخامس التابع لموسكو أن تنهي القتال قبل أن يتوسع، وبالطبع لحساب الميليشيات التابعة لها من دون الاضطرار إلى تفكيكها وطردها من المنطقة، فهي بحاجة لوجودهم في الفترة المقبلة في حال فكرت في فتح معركة ضد فصائل المعارضة».
وقال المصدر إنه يجب التركيز بشكل أكبر على أن ميليشيات النظام تُجهز لعمل عسكري في المنطقة، موضحاً أن القتال بين الميليشيات لا يؤثر على المعارك التي من المتوقع أن تندلع في أي لحظة.
وأضاف المصدر أنه وصلت تعزيزات عسكرية ضخمة خلال الأيام القليلة الماضية إلى المنطقة.
ويأتي ذلك فيما تصاعد القصف المدفعي والصاروخي خلال الأيام القليلة الماضية على المنطقة المذكورة، وسط تحليق مكثف لطيران الاستطلاع، والطيران الحربي في الأجواء، وهو ما اعتبره المصدر العسكري «دليلاً على أن هناك مخطط معركة يتم التحضير لها، لذا على الفصائل أن تركز من جديد على تحصين جبهاتها والاستعداد للمواجهة».
والوجود الروسي الكثيف في مناطق ريفي حماة الشمالي، والشمالي الغربي، يوازيه انتشار مشابه لـ«الفيلق الخامس» وقوات «النمر»، وبدا أن كثافة الانتشار للقوات الروسية والميليشيات التابعة لها للتقليل من هيمنة الميليشيات المدعومة من إيران على مناطق ريف حماة، والتي تدعم بشكل كبير «الفرقة الرابعة» وميليشيا «الدفاع الوطني»، وتُعد من أكثر المناطق إمداداً بشرياً لصفوف هذين التشكيلين.
ويوجد لدى روسيا 7 نقاط مراقبة في ريف حماة، وهي: النقطة الأولى في أبو دالي، وهناك نقطتان بالقرب من مدينة صوران، الأولى شمالي المدينة في المنطقة الواقعة في الطريق بين صوران ومورك، والنقطة الثانية شرقي المدينة، أما النقاط الأخرى فهي: نقطة محردة، ونقطة السقيلبية، ونقطة عين ريحان، ونقطة تل صلبا.
كذلك أكد موقع مجلة «شبيغل» الألمانية امتلاكه أدلة عن وقوع اشتباكات دموية بالنيران الثقيلة بين قوات إيران وروسيا في سوريا، على خلفية تقسيم مناطق النفوذ.
وذكرت المجلة في تقريرها أن الخبير الألماني، كريستوف رويتر، الذي يعمل أيضاً مراسلاً للمجلة في منطقة الشرق الأوسط، اطلع على تسجيل لمحادثة لاسلكية من الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري، تفيد بوقوع اشتباكات مسلحة عنيفة بين القوات الإيرانية والروسية في منطقة الغاب بمحافظة حماة.
وبحسب كريستوف رويتر، فإن قوات الدولتين اللتين تدعمان نظام بشار الأسد، اشتبكتا في مساء 19 كانون الثاني الجاري، بتحريك الدبابات وإطلاق قذائف الهاون وتبادل النيران بالرشاشات الثقيلة.
ووفقاً لـ«شبيغل»، فقد أرسلت إيران الفرقة الرابعة من جيش النظام السوري إلى المنطقة عقب تلك الاشتباكات، بعدما سيطرت خلال الأسابيع الأخيرة على عدد من القرى هناك.
وأضاف التقرير أنه بالرغم من أن ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، هو من يقود الفرقة الرابعة، لكنه يخضع عملياً لإمرة القوات الإيرانية.
وتريد روسيا السيطرة على المناطق نفسها، حيث أرسلت معدات وقوات لدعم الفرقة الخامسة في جيش النظام السوري والتي يقودها اللواء سهيل الحسن.
وكتب المراسل كريستوف رويتر: «ليس من الواضح ما الذي يريده الدكتاتور بشار الأسد، لكن مهما أراد، فإنه لا يلعب دوراً مهماً».
وذكر التقرير تفاصيل الاشتباكات حيث «في صباح يوم 19 كانون الثاني، فتح الجانبان النار على بعضهما البعض، وسرعان ما أظهرت الفرقة السورية – الروسية تفوقها على الفرقة السورية – الإيرانية وسيطرت على قرى المنطقة الواحدة تلو الأخرى».
وأضاف: «بعد ذلك ساد هدوء نسبي في المنطقة، بالرغم من بعض الاشتباكات المتقطعة بين الفرقتين بأسلحة خفيفة، ويقال إن عدد الضحايا تراوح بين العشرات إلى 200 شخص».
وقال مراسل «شبيغل» إن أياً من الطرفين لا يرغب بالكشف عن هذا التوتر العسكري علناً، ولهذا السبب انتشرت أخبار الاشتباكات من قبل شهود عيان فقط، وأقارب عناصر الوحدات المشاركة في الاشتباكات وفصائل المعارضة المتمركزة في إدلب، وكذلك التنصت على بعض المحادثات اللاسلكية في المنطقة.
وأكد أن الصراع بين إيران وروسيا في سوريا والاشتباكات المسلحة بين قوات الدولتين ليس جديداً، في إشارة إلى معارك بين الجانبين في حزيران وتشرين الأول 2018. واعتبر أنه، بالإضافة إلى رغبة الجانبين في السيطرة على مناطق سوريا المختلفة، تريد روسيا أن تهدأ الأوضاع في سوريا، لأنها بذلك تستطيع كسب امتيازات على المستوى الدولي، وكذلك تتجنب النزاعات العرقية والدينية في سوريا.
وأعرب رويتر عن اعتقاده بأن إيران تبحث عن «أهداف أكثر أهمية» في سوريا حيث تحاول عن طريق الإنفاق الهائل «تحويل العلويين إلى شيعة بنسختها كحزب الله في لبنان».
روسياً كذلك، قالت شبكات إخبارية موالية لنظام الأسد إن الدفاعات الجوية الروسية في قاعدة حميميم تصدت لما سمته «أهداف معادية» في سماء مدينة جبلة جنوبي اللاذقية.
وذكرت «شبكة أخبار اللاذقية» في «فايسبوك»، أن انفجارات سمع دويها في منطقة جبلة الساحلية قرب قاعدة حميميم الروسية، وادعت أن «منظومة الدفاع الجوي في قاعدة حميميم فجرت ثلاثة أهداف معادية في سماء ريف جبلة قبل وصولها إلى أهدافها ولا أضرار أو إصابات».
ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عمن سمته «مصدر عسكري» بأن «أصوات الانفجارات التي تُسمع أصواتها في أرجاء مدينة اللاذقية، ناجمة عن التصدي لطائرات مُسيرة اقتربت من قاعدة حميميم» مشيراً إلى أن عدد الطائرات التي تم التصدي لها 3 طائرات حتى الآن.
وادعى المصدر أن «الطائرات المسيرة هي طائرات معدلة، وأن وحدات الرصد رصدت إطلاقها من المنطقة الواقعة بين ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وبين ريف جسر الشغور بريف إدلب الجنوبي الغربي».
يُشار إلى أن القاعدة الروسية تعرضت لسلسلة من الهجمات بطائرات مسيرة، كان أعنفها مطلع يناير العام الفائت (كانون الثاني 2018) حيث أسفر الهجوم عن تضرَّر 6 طائرات من طراز (سو-24، سو- 35S، أن-72، طائرة استطلاع من طراز أن-30، طائرة من طراز مي-8)، وطائرتين من طراز (سو -24 و سو-35).
وفي سياق آخر، قال مسؤول إسرائيلي وآخرون أميركيون إن الوجود الأميركي في التنف جنوب شرق سوريا يحمل أهمية حرجة بالنسبة لـ«صد طريق الإمداد من إيران إلى لبنان حيث يُعزّز حليف طهران حزب الله ترسانته».
وذكرت وكالة «بلومبرغ» أن الجدل حول مصير التنف يسلط الضوء على الأهداف الأميركية في سوريا عدا دحر تنظيم «داعش»، حيث تسعى واشنطن إلى التصدي للنفوذ الإيراني والحد من قدرات طهران على استخدام سوريا قاعدة لعملياتها المحتملة ضد إسرائيل.
ونقلت الوكالة عن ديبلوماسي أميركي رفيع قوله إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبذل كل ما بوسعه من أجل إقناع ترامب بإبقاء القوات في التنف، مؤكداً أن سيد البيت الأبيض يصغي إليه.
وأكد عدة مسؤولين إسرائيليين أن نتنياهو حث الإدارة الأميركية مراراً على بقاء قواتها في التنف، قائلين: «حتى لو لم تفعل هذه القوات الأميركية كثيراً يكفي وجودها هناك بحد ذاته كعامل ردع لإيران».
ولفت التقرير إلى أن «الصقور» في الإدارة الأميركية يأخذون أيضاً هذا في الاعتبار، بمن فيهم مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون الذي أكد أثناء رحلته الأخيرة إلى تركيا وإسرائيل أن الولايات المتحدة لن تستعجل في سحب القوات من التنف.
وأفادت الوكالة بأن الضغط الإسرائيلي الخفي بدأ ينعكس على تصريحات المسؤولين الأميركيين، حيث يُلاحظ التراجع أكثر فأكثر عن فكرة الانسحاب السريع لجميع القوات الأميركية من شمال شرق سوريا.
وأشارت الوكالة إلى أنه من غير الواضح كيف ستستطيع الولايات المتحدة ضمان انتشارها المحدود في المنطقة المحيطة بالأراضي الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري.
وفي سوريا قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن اتفاق إدلب مع تركيا «لم ينفذ بالكامل»، مشيراً إلى أن الوضع هناك يثير «قلق» موسكو ونظام بشار الأسد.
ويأتي تصريح المسؤول الروسي بعد أيام قليلة من قمة جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، كما تشهد الجبهات المحيطة بإدلب حشودات للنظام وميليشيات موالية لروسيا في كل من ريف حماة واللاذقية.
وأضاف بيسكوف، في حديث للقناة الروسية الأولى أن أنقرة أكدت أن اهتمامها مركز على الوضع في إدلب.
هذا وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أكدت في وقت سابق أن العسكريين الأتراك لم ينجحوا بعد في تنفيذ جميع التزاماتهم بموجب اتفاق المنطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب عملاً باتفاق الرئيسين بوتين وأردوغان.
(رويترز، روسيا اليوم، السورية.نت، أورينت.نت)