IMLebanon

هدية «القاعدة»: حرب أهلية بين المسلمين الفرنسيين

أياً كانت نتيجة التحقيق في صدم سيارة جنوداً فرنسيين في ضاحية باريسية، فإن إحالة القضية على محققين في مجال مكافحة الإرهاب تضمّها مبدئياً إلى سلسلة اعتداءات قتلت حوالى 230 فرنسياً وفرنسية في إرهاب متنوع خلال العامين المنقضيين.

الأرجح أن لا علاقة للاعتداء الأخير بسياسة الرئيس إيمانويل ماكرون ولا بالهزيمة التي أُلحقت بتنظيم «داعش» في العراق، إنما يمكن إدراجه، إلى جانب الاعتداءات السابقة في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا، في المنحى الجديد لإرهاب المتطرفين الإسلاميين. فمنذ العام 2010 انتقل الأوروبيون من هؤلاء إلى العراق، ثم إلى سورية وليبيا، ليتزايد عددهم بعد ثورات الربيع العربي عام 2011. ولم تبد السلطات الأوروبية آنذاك اهتماماً بالانتقال، وربما رأت فيه وسيلة للتخلص من مهاجرين عدائيين ولبعضهم سجلات جرمية.

حان وقت عودتهم، لكنهم هذه المرة يحملون فكر «القاعدة» لا فكر «داعش»، وإن جرى توقيع بعض الاعتداءات باسم تنظيم «الدولة». وتمهيداً للعودة من العالم العربي إلى أوروبا، تؤشر جرائم الخلايا النائمة إلى الانتقال من هدف «الدولة» (خلافة أبو بكر البغدادي) التي ثبت فشلها، نحو اعتماد هدف «القاعدة» بمقاتلة الغرب «في داره حتى نضعفه وندفعه إلى غزو الدول الإسلامية حيث ندحره هناك فيسهل تشكيل دولتنا على قاعدة قسمة العالم إلى فسطاطين». لقد سبق لـ «القاعدة» التحذير من إنشاء «دولة إسلامية» وأرست إرهابها على الضرب في قلب الدول الغربية كما رأينا في عملياتها قبل 11 سبتمبر وبعده.

العودة إلى نهج «القاعدة» في ضرب دول الغرب ومجتمعاته ترتّب على التنظيم الإرهابي المزيد من توريط الجاليات الإسلامية، وبالتالي انتشار الأجواء العنصرية، بما يضعف الدول الحديثة وديموقراطياتها القائمة على حقوق الفرد وواجباته بغض النظر عن الدين والعرق. ويبدو «القاعدة» أكثر خطورة من «داعش» حين يدفع إلى حرب أهلية في أوروبا لا تريدها السلطات هناك وغالبية الشعوب. لكن هذه «الحرب الأهلية» قد تتحقق داخل الجاليات الإسلامية نفسها التي ستدافع عن مصالحها وعن إيمانها ضد وحشية غازية لا ترتضيها.

لن ينتظر المهاجرون المسلمون صلاح أمر المقيمين في بلادهم الأصلية لينصلح حالهم، فهم مدعوون لتحمُّل مسؤوليتهم كمواطنين في بلادهم الجديدة والابتعاد عن عصبيات حملوها في حقائب السفر. ولا بد لغالبيتهم التي تسكن في أحياء مغلقة وتدمن تداولات اجتماعية وثقافية ذات طابع ديني بحت، أن تلتفت إلى تراث شعبي وطني حملته من بلاد المنشأ، بما في ذلك الفولكلور والمطبخ، والتحاور من خلال هذا التراث مع ثقافات الجاليات الأخرى، بما يعني إغناء تعددية ثقافية يقبلها الجميع.

تلك المهام ليست سهلة لكنها ضرورية، إضافة إلى ما يطرأ من مهام في المرحلة الحرجة التي يجتازها مسلمو الغرب. لقد تكثّفت العمليات الإرهابية فأيقظت الحذر من المسلمين وعزّزته. وثمة إهمال تتحمّل مسؤوليته الدولة والمسلمون في فرنسا، عندما دخل أئمة متطرفون من دون رقيب وأداروا معظم مساجد الجالية يبشّرون بكراهية الآخر والحرب ضده. وثبت أن هؤلاء يجهلون إلى حد خطير المشترك الثقافي الذي ينتمي إليه المواطنون المسلمون ويعتمدونه مع أنفسهم ومع المواطن الآخر المختلف.

استدراك الإهمال بدأ في عهد رئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان عام 2005، لكن التطبيق لم يبدأ سوى في عهد الرئيس فرنسوا هولاند، فأعطي مسجد (أو معهد) باريس دفعاً معنوياً لم يحظ به منذ إنشائه قبل حوالى مئة سنة، وتأسست هيئة باسم «العمل من أجل إسلام فرنسا» دفعت إلى إعادة النظر في الأئمة الأجانب، وأن يحظى أي إمام بثقافة فرنسية كافية للتفاعل مع المؤمنين الذين يعظهم، ووصل الأمر إلى حدّ مراقبة التمويل الأجنبي للمساجد والأئمة.

كل هذا ستكون له توابع. لقد صارت الصلاة في المساجد مدعاة للخطر، في أوروبا كما في بعض العالم الإسلامي. هذا ليس من شأن المواطن الفرنسي العادي إلاّ بالتبعية. أما المواطن المسلم فسوف يعيش أياماً صعبة، وربما يخوض «حرباً أهلية» مع متطرفين من أبناء جلدته ليحفظ وطنه وإيمانه.