النكسات الميدانية الاخيرة للنظام السوري في شمال البلاد وجنوبها اعادت ابراز الدور المحوري لــ”جبهة النصرة”. الفرع السوري لتنظيم “القاعدة” الذي اضطلع بدور رئيسي في المعارك المستمرة منذ أكثر من اربع سنوات، عاد أخيرا بقوة الى الواجهة، بعدما نافسته “الدولة الاسلامية” منذ 2013 بممارساتها الوحشية.
سقوط مدينة ادلب وبعدها جسر الشغور في نيسان الماضي تحت ضربات تحالف بقيادة “النصرة” ضم “جند الشام” و”جيش السنة” و”لواء الحق” و”أجناد الشام” وغيرها من الجماعات الاسلامية، لم يعكس القوة القتالية للجبهة فحسب، وإنما قوة الجذب التي تتمتع بها بين التنظيمات الاسلامية الصغيرة. اضافة الى قدرة هذه الفصائل على تحقيق اختراقات بارزة بعد تجاوزها الاقتتال في ما بينها وتركيزها على هدف واحد.
هذه المكاسب مرشحة للتمدد وسط تقارير عن انهاك للقوات النظامية وتزايد الدعم الاقليمي للفصائل المعارضة للأسد، بما فيها “النصرة” طبعاً، لكونها الاكثر قدرة على احداث اثر على الارض. ومثل هذا التغير في المشهد الميداني كان يفترض أن يشكل فرصة لزخم عربي ودولي جدي للدفع في اتجاه نظام جديد في سوريا ينهي حكم البعث الذي أطبق عليها عقوداً. لكنه عوض ذلك، يمكن أن يرسي مأساة جديدة لا تقل سوءا عن حكم الحزب الواحد اذا نجحت الجماعات الجهادية على شاكلة “النصرة” وغيرها في مواصلة انتصاراتها لتعزيز دورها في مستقبل سوريا.
في نظر بعضهم، ليست “النصرة” ببشاعة “الدولة الاسلامية”. ورغم تشاطرهما هدف اقامة الامارة الاسلامية، فثمة من يرى أن الجبهة تتمتع بميزة عن منافستها، وخصوصا بضمها مقاتلين سوريين أكثر من الأجانب، خلافاً لـ”داعش” الذي تحوّل خزاناً للجهاديين الاتين من حول العالم. ولا شك في أن الهدف المعلن للجبهة والمتمثل في اسقاط الاسد، يُكسبها قبولاً في المجتمع المعارض، خلافاً لأهداف”داعش” المشبوهة والعابرة للحدود السورية.
هذه الصبغة “السورية” وفرت لـ”النصرة” ولا شك قدرة على حشد تأييد ودعم شعبيين داخل القرى التي تغزوها. وازاء المكاسب الاخيرة التي حققتها، بدأت مراكز ابحاث أجنبية تطالب الغرب بعدم وضع “النصرة” و”داعش” في سلة واحدة، وتجاوز الانتماءات الايديولوجية للجبهة في محاولة لتشجيع “براغماتيتها” لانهاء النزاع السوري. نداءات كهذه فيها الكثير من المجازفة ، خصوصاً أن “النصرة” ليست الا “القاعدة” وإن غيرت اسمها ، وسجلها لا يقل دموية عن سجل “داعش”.
المشهد السوري الجديد الذي هو قيد التبلور يمثل تحديا جديا لـ”أصدقاء سوريا” والمجتمع الدولي، ويبرز حاجة ملحة الى سياسة متماسكة لسوريا تركز خصوصا على استنهاض القوى المعتدلة، السياسية منها والعسكرية. استنهاض كهذا قد يشمل دفع “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” الى الداخل السوري للقيام بالدور المنوط به أصلاً، ليثبت نفسه بديلا تعدديا وديموقراطيا من النظام، وتنفيذ البرامج الموعودة لتدريب المعارضة.