فيما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعلن عن إمكان توقيع الاتفاق النووي مع إيران قبل نهاية الشهر المقبل، كان الحوثيون المتحالفون مع إيران يُحكمون قبضتهم على السلطة في اليمن الذي يُعتبر بمثابة الحديقة الخلفية للمملكة العربية السعودية التي تعيش بدورها مرحلة إعادة تنظيم السلطة.
واضحٌ أنّ إيران التي تستعدّ للدخول في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق، تحاول الإفادة من الظروف الاميركية والسعودية لتحقيق مكاسب هائلة من خلال بسط نفوذها على اليمن والتمركز شرعياً في شبه الجزيرة العربية.
وقد تكون واشنطن استفادت سابقاً من الدخول العسكري للحوثيين الى صنعاء بهدف تدوير الزوايا الحادة للسياسة السعودية وترتيب البيت السعودي الداخلي، لكنها بالطبع لا تبدو موافقة على تمدّد قوي للأخطبوط الايراني الى مناطق قريبة من منابع النفط، لكنّ هناك أيضاً مَن يفكر بالإفادة من الواقع اليمني الجديد.
فالتجربة العراقية أثبتت أنّ المناطق والعشائر السنّية اختارت التحالف مع «داعش» وساندت هذا التنظيم في تمرّده على السلطة المركزية الممسوكة من الشيعة والمتحالفة مع ايران. بالطبع لم تكن السعودية بعيدة عما حصل انطلاقاً من صراعها مع ايران وبغية قطع الطريق البرية ما بين طهران ودمشق. وقد لا تكون الصورة في اليمن بعيدة عما حصل في العراق.
يُقال إنّ ايران التي حصرت اتفاقها مع واشنطن بالملف النووي، رفضت فتح الملفات الاقليمية الاخرى لاقتناعها بأنّ ميزان القوى الميداني يميل لمصلحتها. وعلى رغم ذلك، فمِن الطبيعي أن تترافق اتفاقات مماثلة وبهذا الحجم مع ملاحق سياسية سرّية تُنظّم نفوذ البلدين ومصالحهما.
لكنّ ما حصل في اليمن يثبت صحة مقولة إنّ أيّ اتفاق على ملفات المنطقة لم يحصل بعد. فالرئيس الأميركي الذي جاء الى الرياض معزِّياً ومصطحباً معه وفداً عريضاً إنما قصد في إحدى رسائله تأكيدَ أهمية السعودية على خريطة مصالح واشنطن في العالم، ما يعني أنّ تهديد السعودية من خلال اليمن مسألة لا توافق عليها الادارة الاميركية كسياسة دائمة.
لذلك بدأ الهمس عن قرب اندلاع حرب أهلية يمنية ستطول بعض الوقت، لكنّ اللافت أنّ هنالك مَن يفكر بـ»القاعدة» كفريق قادر على خوض المواجهة مع الحوثيين. فطوال الأعوام الماضية، طارد جهاز المخابرات الاميركية كوادر «القاعدة» وقتلهم.
ونجحت طائرات «الدرونز» في اصطياد العشرات من مسؤولي هذا التنظيم خصوصاً في اليمن، لكنّ هذه الحملات الامنية أدّت الى نتيجتين اساسيتين: واحدة ايجابية، أدّت الى شلّ قدرات هذا التنظيم من خلال القضاء على مسؤولي الصف الثاني والثالث، وبالتالي قطع التواصل بين القيادة والمجموعات المختلفة على الارض. والثانية سلبية، إذ أدى ذلك الى استقلال هذه المجموعات فبدأت بخلق تنظيمها الخاص وفق عقيدة اكثر تشدداً مثل «داعش» و»بوكو حرام» وغيرهما.
لكنّ مواجهة الحوثيين في اليمن غيّرت من تلك المفاهيم في وقت يفكر البعض بإعادة استنساخ تجربة افغانستان إبّان الاحتلال السوفياتي مع الاخذ في الاعتبار الدروس المستقاة منها.
في ايّ حال، ستكون الحرب اليمنية الداخلية بين الحوثيين و«القاعدة» مكلِفة للفريقين، وستزيد من الأعباء الاقتصادية على ايران التي تدعم حروباً متعدِّدة أبرزها الحرب في سوريا، في ظلّ توقعاتٍ بمزيد من التراجع في أسعار النفط العالمية، كما أنها ستسمح لواشنطن بالتغلغل أكثر في المفاصل السعودية الداخلية بذريعة حمايتها.
وفيما يرى البعض أنّ إدخال الجميع في مواجهات طاحنة في اليمن سيؤدّي الى حرب استنزاف شبيهة بما تشهده سوريا اليوم، يتحدّث آخرون عن مكاسب اضافية يصل مداها الى مناطق الهلال الشيعي.
ففي العراق وسوريا تخطى تنظيم «داعش» كلّ حدود، ووضع نفسه في موقع العدو الاول والمشترك لكل المجموعات الاخرى على تناقضها.
ومع صوغ تفاهم مع «القاعدة» من خلال اليمن، يمكن إدخال التنظيم في مواجهة مفتوحة مع «داعش» من خلال «جبهة النصرة» التي لا تزال ترتبط عضوياً بتنظيم «القاعدة».
لكن لهذه الصورة آثارها المباشرة على جنوب سوريا وربما على جنوب لبنان من خلال شبعا، وهو ما قد تحتاجه المشاريع المستقبلية المطروحة للمثلث اللبناني- السوري- الاسرائيلي.
وفي انتظار ذلك هناك سعي لإنجاز تسوية سياسية في لبنان تُفضي لانتخاب رئيس للجمهورية. وبات شبه أكيد أنّ اللقاء بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع أصبح صعباً، وفي افضل الاحوال سيطول موعده كثيراً. ولكنّ الأهمّ أنّ الفرنسيين لمسوا انفتاحاً لدى «حزب الله» للبحث عن صيغة جديدة للسلطة في لبنان والقفز فوق ملف الانتخابات الرئاسية.
في وقتٍ لم ييأس فيه الرئيس ميشال سليمان من رهان عودته الى قصر بعبدا، إذ كشفت مصادر ديبلوماسية أوروبية أنّ سليمان وخلال لقائه الأخير بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بحث معه في تعديل دستوري يؤدي الى عودته الى قصر بعبدا وفق منطق التمديد الذي يطاول الجميع في البلد خصوصاً المسؤولين الامنيين الكبار، ومنعاً لاستمرار الفراغ.
وبالفعل أوعز هولاند الى السفير الفرنسي في بيروت باتريس باولي، جسّ نبض القوى السياسية إزاء هذه الفكرة، إلّا أنّ الاجوبة جاءت رافضة في معظمها ما أدّى الى صرف النظر عنها.
حساباتٌ مسيحية صغيرة، فيما المنطقة على أبواب زلزال سياسي من خلال الاتفاق الاميركي- الايراني، وزلزال أمني انطلاقاً من اليمن و»نيو- قاعدة».