Site icon IMLebanon

الراعي وعون والدستور

 

يبدو أن البطريرك بشارة الراعي لم يقتنع من الشروحات المستفيضة التي حاول أن يبرر من خلالها مستشار القصر الرئاسي سليم جريصاتي مطالب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل التوزيرية التي تؤخر ولادة الحكومة.

 

فضلاً عن ذريعة حق الرئاسة بالاستناد إلى المادة 64 من الدستور، في تسمية الوزراء لا سيما المسيحيين، واتهام الرئيس المكلف سعد الحريري بمصادرة هذا الحق، وبـ”محاولات وضع اليد على الحقوق السياسية” للمكون المسيحي كما جاء في بيان “التيار” السبت، ومنع الرئيس المسيحي من ممارسة دوره في الحكم، تقوم مطالعة الفريق الرئاسي على الحجة القائلة بأن مصلحة المسيحيين تقضي بأن يسمي عون وزراءهم. الهدف هو الاحتياط إزاء احتمال حصول أي فراغ في الرئاسة، فتصبح صلاحيات المنصب وفق الدستور بيد الحكومة. ولا يجوز في هذه الحال حسب تلك المطالعة، أن يكون الوزراء المسيحيون ممن سماهم رئيس الحكومة بل “يجب ضمان تسميتهم من قبلنا نحن” حتى لا تنتقل سلطة الرئاسة إلى الفريق المسلم في السلطة. أكثر من مرة طرح الفريق الرئاسي السؤال على الراعي: هل تقبل بذلك؟ وهو سؤال يستبطن تحميل رأس الكنيسة مسؤولية ضياع حقوق الطائفة.

 

ذريعة الاستناد إلى الدستور التي تكررت في بيان عون الجمعة استدعت رداً من الراعي في عظة الأمس حين أشار إلى الخلاف على تفسير مادة في الدستور اعتبرها “واضحة وضوح الشمس والدستور وضع للتطبيق لا للسجال”.

 

أما حجة الاحتياط للفراغ من أجل مصلحة المسيحيين، فإن الراعي منحاز إلى فكرة أخرى أقنعته بأنه لم يعد جائزاً أن نسمع في كل مرة بعبارة “الفراغ” كأنها باتت قاعدة لدى بعض القيادات المسيحية يتبعونها كل 4 أو خمس سنوات، سواء في ما يتعلق بتعليق انتخاب رئيس للجمهورية منذ العام 1988، وفي كل مرة يكون البلد أمام استحقاق تأليف حكومة. فهذا لا يتناسب مع الدور المسيحي في السلطة ولم يعد يليق بالتصاق عادة التأزيم هذه بالمسيحيين، لتصبح مشرعة إذا أصر فريق على إلغاء الآخرين من أجل المناصب، فينعكس الأمر سلباً على عامة المسيحيين. رد الرئيس عون على رفض الراعي الذريعة الدستورية للتعطيل والحجج السياسية الهادفة لاستباق الفراغ، برفض تمني بكركي عليه أن يبادر لطلب اجتماع مع الحريري لإنجاز الحكومة، برفض النصيحة علناً، في بيان رسمي. وهو دفع البطريرك إلى القول صراحة ان المبادرة في التضحية “ترفع من شأن صاحبها”.

 

أن يصبح البطريرك مدافعاً عن الدستور وتنفيذه هو أكثر ما يزعج قوى سياسية في الطائفة تتسلح بالدستور وتتلاعب به، من أجل استنهاض العصبية المسيحية. سبق أن حصل ذلك قبل سنوات.

 

في وقت يعد قادة “التيار الحر” أنفسهم باستعادة شعبيته عبر خوضه المعركة ضد الحريري، يتحول البطريرك تدريجاً، بإصراره على تشكيل الحكومة وتطبيق الدستور إلى المرجعية التي تبقي على قواعد الانتظام الدستوري في البلد، بينما دور الرئاسة معاكس لذلك، بالممارسة.

 

لم يكن عن عبث وصف السفير المصري ياسر علوي، الصرح البطريركي بأنه “حام للدستور والراعي الرئيسي لتقاليد دستورية في هذا البلد العريق ورفض استمرار الفراغ الذي لا يليق بالبلد”، معتبراً “الالتفاف على الدستور كارثة والتلويح بالفراغ جريمة”.

 

بإمكان فريق الرئاسة أن يتكهن بما يعنيه تعميم هذه القناعة علة المجتمع الدولي.