المحطة الاكثر تعبيرا عن رمزية الجولة التي قام بها البطريرك بشارة الراعي الى قضاء الشوف، تتمثل من دون شك في كفرمتى. فالمصالحة في هذه القرية الجميلة الجريحة لم تندمل كليا بعد، قبل حصول الزيارة البطريركية.
ربما كانت كفرمتى تنتظر من دون ان تدري «لمسة» بطريركية خاصة ومباشرة من القلب الى القلب. وهذا العناق المسيحي ـ الدرزي تم فعليا في الاجتماع المحوري، خلال الجولة البطريركية ووفق جدول الاعمال المنسق بين دوائر البطريركية والدوائر الارسلانية، الذي خرج من بعده الشيخ ناصر الدين الغريب بقناعة كاملة هذه المرة اختصارها بـ«صافي يا لبن… غسلت القلوب وختم الجرح».
وللشيخ الغريب حساسية خاصة تجاه مجازر كفرمتى كون عدد من افراد عائلته قضوا فيها ومن بينهم شقيقه القاضي مسعود الغريب. فجاء «تكريس مصالحة كفرمتى»، الذي تم بحضور فعاليات المنطقة من نواب ووزراء حاليين وسابقين ومشايخ، تتويجا للجولة البطريركية برمتها والتي تواصلت 3 ايام وشملت نحو 46 قرية.
الكنيسة، كما الشوف، تعتبر الجولة «ناجحة بامتياز». اوساط كنسية أكدت لـ «السفير» انها لمست في كل المحطات «الارادة الصلبة للاهالي للعيش معا». لافتة الى «الختام المسك عند المير طلال ارسلان الذي بذل جهدا مميزا لتكريم البطريرك، ليؤكد اللحمة التي تتحلى بها هذه المنطقة وإرادة العيش معا، وبأن لا شيء يمكن ان يمنعها». «التناغم» في الخطاب بين البطريرك و «المير» وصل الى حد التكامل في الشويفات حيث التقيا على مطلب «انتخاب الرئيس» وعلى قاعدة «الاتكال على النفس في حل مشاكلنا». المطلب الرئاسي لم يخل طرحه من طرفة اورثوذكسية. فعريف حفل الشويفات الاب الاورثوذكسي الياس كرم توجه الى البطريرك من على المنصة: «ما دامت مسألة انتخاب الرئيس مستعصية، فلم لا نقول للموارنة بأننا سنتفق على انتخاب رئيس اورثوذكسي وترون عندها كيف سيتفقون سريعا على رئيس ماروني؟».. فأطلق البطريرك والحضور ضحكة عريضة.
في المقابل، لا يمكن حصر رمزية كفرمتى بما سبق. فالزيارة التاريخية التي قام بها البطريرك نصر الله صفير الى الجبل عام 2000، مكرسا فيها المصالحة المسيحية الدرزية في المنطقة، لم تشمل حينها كفرمتى وجوارها. ربما الجراح حينها لم تكن جاهزة لأن تندمل. منذ يومين، ارتدت القرية، ومعها القضاء برمته، ثوب السلام الحقيقي. فبعد يوم من زيارة البطريرك الراعي الى كفرمتى، أوفد الشيخ ناصر الدين الغريب الى مسؤولي الكنيسة في المنطقة موفدين حملوا رسالة واضحة مفادها: «الماضي قد مضى ونحن مستعدون مثلكم لنفتح صفحة جديدة معا».
هذه الروحية كان قد ترجمها طلال ارسلان في كلمته من خلدة حيث سحب المسألة من نطاقها الطائفي الضيق، أي «درزي ـ مسيحي»، الى اليد الاسرائيلية، حيث لفت الى ان «مجزرة كفرمتى حصلت بعد نحو ساعتين من الانسحاب الاسرائيلي قرابة الثانية فجراً». ويقرأ عارفون في الملف: «لطالما هذا ما يميز السياسة الارسلانية تجاه المسيحيين في المنطقة، فهي قائمة على انه إن بادر الشريك تجاهي وأعطاني فأنا لا بد أن أرد له بالمثل ولا أعتبر أن ما يعطيني إياه هو حقي وبالتالي لا أبادره بشيء ابدا». وعليه، لا بد من النظر الى جولة البطريرك، برأيهم، على ان خلدة والشويفات في كفة وبقية قرى الشوف في كفة اخرى.
الى جانب «فتح دملة» كفرمتى، في قرى الشوف الجميل، يمكن التوقف عند محطات كانت من الاجمل رسمتها جولة البطريرك الماروني الذي رافقه فيها «البولسان» المطرانان بولس صياح وبولس مطر ولفيف من الآباء. في معظم الجولات رافق الوفد البطريركي نواب المنطقة ووزراؤها من هنري حلو وفؤاد السعد وفادي الهبر ومروان خير الدين بالإضافة الى فعالياتها كالامين العام لـ «اللقاء الاورثوذكسي» النائب السابق مروان ابو فاضل ورئيس بلدية عاليه وجدي مراد. في رمحالا في غرب عاليه، بقي البطريرك «سهران» مع فعاليات من أهالي المنطقة لغاية الاولى فجرا. فالحشد الفعلي للاهالي العطشى الى «الدردشة» ونقل همومهم الى البطريرك، تبدت أكثر في سكون الليل أكثر منه في صخب النهار. الى القداس الالهي في عين تريز حيث اختتم اليوم هناك بعشاء تكريمي خاص أقامه الوزير اكرم شهيب بحضور تيمور جنبلاط. الى وادي شحرور حيث ترأس البطريرك القداس المركزي ومنها الى السرايا الارسلانية في الشويفات التي فاضت بنحو ألفي شخص. وكذلك كان العشاء الذي دعا اليه المير طلال ارسلان حاشدا اذ ضم نحو 500 شخص بين مشايخ ومدعوين مدنيين.