ما طرحه البطريرك الماروني بطرس بشارة الراعي، حول الحياد، ليس بالموضوع الجديد، وهو شأن خلافي داخلي، يعود الى عقود، والى مرحلة ما قبل قيام دولة لبنان الكبير.
ومصطلح الحياد، الذي اعطي عنوانا اخر في الفترة الاخيرة، وهو «النأي بالنفس» لا يوجد توافق حوله لان كل طرف سياسي في لبنان يفسره كما يرغب لقناعات سياسية وربما فكرية لديه، او لارتباطات خارجية، وان الحياد يمكن ان يكون ايجابيا او سلبيا او رماديا، وانخرطت فيه دول اما في لبنان فان احزابا سياسية، كالكتائب دعت الى تحييد لبنان عن صراع مع العدو الاسرائىلي، ورفع شعار «قوة لبنان في ضعفه» كما تقرأ مصادر في 8 آذار او محور المقاومة كما ان رئىس حزب الكتلة الوطنية الراحل العميد ريمون اده، دعا الى التدويل، بنشر «قوات دولية» على الحدود الفاصلة بين لبنان وفلسطين، وعدم الانخراط في عمل عسكري ضد «اسرائىل».
كما ان الحياد هو عند البعض، رفض صراع الاخرين على ارض لبنان، وان لا يكون لبنان ساحة كما حصل في الحرب الباردة بين القطبين العالميين اميركا والاتحاد السوفياتي، والتي تأثر بها لبنان، كما ان مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط، كان يدعو الى انضمام لبنان لدول عدم الانحياز، بعد تأسيسها في خمسينات القرن الماضي.
فليس من تحديد واحد لما يعني الحياد، ومنهم من تسميه تحييد لبنان عن صراع المحاور، او المشاريع المطروحة للمنطقة والتي كانت في غالبيتها اميركية، وانحازت اطراف سياسية لبنانية الى جانبها، ورفضتها اخرى.
فدعوة البطريرك الراعي الى الحياد، ضمنها كلاما سياسيا يتحدث فيه عن ان اللبنانيين لا يريدون ان ينفرد اي طرف بتقرير مصير لبنان شعبه وارضه وحدوده وهويته وصيغته ونظامه واقتصاده وثقافته وحضارته، وتقرأ فيه المصادر في محور المقاومة بأنه موجه ضد حزب الله دون ان يسميه وهو لم يحيد البطريركية المارونية عن زجها في صراع داخلي وضعها فيه ضد فريق لبناني يعتبره يتفرد بالقرار، وهو ما اصطلح على تسميته بقرار الحرب والسلم والمعني به حزب الله سيدخل لبنان في ازمة سياسية داخلية، مع بدء اصطفاف اطراف سياسية وحزبية حول نداء الراعي، الذي اعلن في عظته الاخيرة عن التفاف مراجع سياسية وحزبية واعلامية وثقافية معه في ما دعا اليه، وهذا ما يطرح السؤال عن احتمال دعوة البطريرك الراعي الى لقاء سياسي على غرار «لقاء قرنة شهوان» الذي رعى اقامته البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، وفتح من خلاله معركة الوجود العسكري والامني السوري في لبنان، تقول المصادر التي ترى بأن اخطر ما في كلام سيد بكركي هو دعوته رئىس الجمهورية الى فك ارتباطه بحزب الله ومحور المقاومة التي يحمّلها الراعي مسؤولية تدهور الاوضاع المعيشية والاقتصادية، عندما يتحدث في عظته الاخيرة بأن اللبنانيين «يرفضون ان تعبث اية اكثرية شعبية او نيابية بالدستور والميثاق والقانون ونموذج لبنان الحضاري وان نعزله عن اشقائه واصدقائه من الدول والشعوب، حيث يحاول اسقاط كلامه على الاكثرية النيابية الحالية، التي تتكون من حزب الله وحلفائه، وليس عن اكثرية اخرى، لانه يتكلم عن لبنان الحاضر، وازمته القائمة.
والحياد هو نقطة خلاف داخلية، وقد يراه البعض والبطريرك الراعي تحديدا ان يكون لبنان بعيدا عن الخلافات العربية – العربية الى جانب العرب في مواجهة عدو خارجي، لم يتم تحديده، بعد ان اسقطت انظمة عربية عداءها «لاسرائىل» واقامت معها اتفاقيات سلام وعمليات تطبيع، وفتحت لها سفارات، تقول المصادر، التي تسأل هل صراع نظام عربي مع دولة اجنبية كإيران مثلا يحتم الحياد اذا كانت هذه الدولة العربية تدعم «اسرائىل» وتعترف بها وايران تقف الى جانب المقاومة وتعتبر «اسرائىل» شرا مطلقا، فأين يكون لبنان مع اعتراف المقاومة في لبنان، بأنها تتلقى الدعم من ايران ومن سوريا، ونجحت في تحرير الارض من الاحتلال الاسرائىلي فكيف سيكون الحياد؟