IMLebanon

الراعي لـ«السفير»: الرئاسة ليست شأناً مسيحياً فقط

لإعادة الولاء للوطن.. والتوقف عن اختزال الشعب بأشخاص»

الراعي لـ«السفير»: الرئاسة ليست شأناً مسيحياً فقط

في حديث بين البطريرك الماروني بشارة الراعي والرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، قبل خروج مبادرة ترشيح سليمان فرنجية الى الضوء، حثّ «غبطته» السنيورة على أن يقدّم فريقه مرشحيه للرئاسة على قاعدة أن فريق «8 آذار» اختار العماد ميشال عون مرشحه.. ولتلعب الديموقراطية لعبتها. رد السنيورة: «لا يمكننا ذلك لأننا نكون قد أحرقنا ترشيحهم». فعلق البطريرك: «وهل حرق البلد برمّته هو الحل؟!».

مَن يبحث في بكركي عن العزاء جراء حزنه وقرفه وألمه من الوضع العام في البلد، فلن يجد ضالته. فرأس الكنيسة المارونية يتحدث في هذه الأيام، وأكثر من أي وقت مضى، بلسان كل مواطن لبناني ناقم على طبقة سياسية «تتنافس على هدم الدولة وكأن السور يزداد ارتفاعاً بين الطوائف»، وفق تعبيره. في عينيه ملامح خيبة مريرة يترجمها بقوله: «إنه انحطاط كبير. لم يعد هناك ولاء للوطن. أناس يتحدثون باسم الطوائف من دون أن يعرفوا جوهرها. كل الأحاديث السائدة في البلد طائفية ولم تعد لبنانية».

أمام هذه الصورة القاتمة، يرى البطريرك الراعي الحل في يد المجتمع والإعلام لصناعة رأي عام من شأنه إحداث التغيير المنشود. يقول: «المطلوب حملة توعية تعيد الولاء للوطن وليس للمذاهب والطوائف، فلبنان لم يتحدث يوماً بمنطق مسلم ـ مسيحي». ومن هنا يرفض رمي كرة «الرئاسة المسيحية» في ملعب المسيحيين وحدهم، متسائلاً «لماذا رهن البلد بمارونيين أو ثلاثة؟ هذا ليس قرار المسيحيين وحدهم بل قرار كل اللبنانيين، لأن رئيس الجمهورية للجميع، كما هي حال رئيس البرلمان ورئيس الحكومة. أي كلام غير هذا إنما هو استمرار لمنطق المزارع».

وإذ يستغرب انتظار موقف المسيحيين، يؤكد أن القرار يجب أن يصدر عن الكتل النيابية كلها، وليس الموارنة، أي فريقي «14 و8 آذار». أما اللغة القائلة بأن «القرار المسيحي مصادَر»، فيرفضها الراعي لأن «لبنان فسيفساء لا يمكن تفتيت حجارته كل على هواه». ويتابع تساؤلات القلق: «كيف لأشخاص أن يختزلوا الشعب اللبناني.. إلى أين يأخذوننا؟».

أما مَن يعتبر أن الرئاسة اللبنانية ستحدد مصير المسيحيين في الشرق، فلن يجد ضالته في بكركي. هناك الواقعية تتحكّم بالموقف، بعيداً عن الألم والسعي مع الفاتيكان لحماية النسيج المشرقي: الرئاسة اللبنانية هي شأن دستوري لبناني، والحاجة إليها كحاجة البيت إلى السقف لحمايته من التداعي.

يحزن البطريرك للشلل الذي يضرب مفاصل البلد. يطرح هواجسه دفعة واحدة: يقولون لك «تشريع الضرورة»، ونحن نرى أن الضرورة الأولى هي انتخاب رئيس للجمهورية. أي جماعة لا رأس لها تخرب وأما في لبنان فكل حدا ريّس وينتظرون القرار من الخارج. وإذ يأسف لعدم بحث «مبادرة سليمان فرنجية» بطريقة جدية، يعتبر أنهم عاجزون عن القرار. ويقول «ليس المطلوب منهم أن ينتخبوا فرنجية، فليأتوا بغيره إذا أرادوا، لكن المهم أن ينتخبوا رئيساً يعيد لبنان الى أخذ مكانه في الأسرة الدولية. لا نريد أي رئيس، كما يحاولون أن يصوروا الأمر. نريده متجرداً وطنياً وقادراً على لم الشمل اللبناني في دولة محترمة».

يتابع البطريرك: «يقولون إنهم يريدون تغيير النظام. فليغيّروه.. مَن يمنعهم؟ لينفذوا الطائف الذي لم يطبقوا شيئاً لا من روحه ولا من نصه». ثم تدور الأحاديث على كل كرات النار في المنطقة لتعود الى المبادرة الرئاسية. يسأل البطريرك عن مدى صحة ما يُقال عن أن رئيس «القوات» سمير جعجع سيتبنى ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. ثمة من يجيبه: يُقال إن «القوات» تنتظر أن يعلن الرئيس سعد الحريري تبني ترشح فرنجية كي تتبنى رسمياً ترشيح عون. يستغرب الأمر، فيتابع قوله: «التوتر على حاله على ما يبدو بين جعجع والحريري جراء عتب رئيس القوات على زعيم المستقبل الذي لم يستشره في خياره الرئاسي الزغرتاوي». يعلق البطريرك، قبل أن يضحك الحضور: «وهل نستشير الله قبل أن نرتكب موبقاتنا؟».

أما عن مأخذ العماد عون حيال الموافقة على ترشيح حليفه من خصومه، معتبراً أنه «طالما وافقوا على فرنجية فلماذا يرفضونني»، يورد البطريرك طرفة في معرض تعليقه: «هذا الأمر يشبه أختين تحت نصيبهما وأتى نصيب الثانية قبل الأولى، فهل يمتنع الوالد عن تزويجها؟».

الحديث الرئاسي وكل تشعباته يختمه أحد الأساقفة بانطباعه عن الطبقة السياسية في لبنان: «هناك مثل فرنسي يقول إن موجبات القلب لا يدركها العقل أحياناً، وأما في لبنان فلا منطق أساساً في المنطق الذي تتبعه هذه الطبقة، حيث لا مقاييس للقلب ولا حدود للعقل».

إلى مَن يسأله تكراراً عن سفراته الكثيرة الى الخارج، يتسلّح البطريرك مجدداً بالقانون الكنسي الذي يفرض عليه زيارة رعايا الكنيسة كل 5 سنوات. في جولاته يتلمّس عن قرب «مصائب المنطقة التي تفرغ ليس فقط من أبنائها، بل من حضارتها وهويتها». وتعود به جولة الأفق إلى المأزق اللبناني حيث «غرقت الهوية اللبنانية جراء عدم رفع الصوت ضد الوضع غير الطبيعي السائد».