عجقة موفدين أجانب في بيروت.. و«الثنائي» يرفض «الستين»
«الحكومة» إلى تأليف سريع أو تأجيل أو «انتحار»!
انشغل اللبنانيون في الساعات الأخيرة بعاصفة السماء. صارت أخبار الطقس وغرفة التحكم المروري أكثر إغراءً من أخبار الاستقبالات الرسمية في هذا المقر أو ذاك، وحتى من أخبار الوفود الأجنبية الآتية من كل حدب وصوب تبارك للبنانيين فوزهم برئيس جمهورية ورئيس حكومة مكلف، في انتظار أن يمنّ عليهم بحكومة وبإعادة فتح أبواب مجلسهم النيابي.
عاد وزير الخارجية جبران باسيل من رحلته الخارجية الميمونة، «وعادت إلى العمل محركات التأليف الحكومي، وسط تفاؤل نسبي بالحصول على أجوبة جديدة في هذا الملف، خلال ما تبقى من الأسبوع الحالي»، كما جاء حرفيا في مقدمة النشرة الإخبارية لمحطة «او. تي. في».
وعلم أن باسيل، فور عودته، تواصل مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، من خلال مدير مكتب الأخير نادر الحريري. كما فتحت الخطوط أيضا بين «العائد» وقيادة «حزب الله» التي ظلت على تواصل مستمر مع حلفائها وخصوصا الرئيس نبيه بري ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، فيما بعث رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، أمس، برسالة الى بري أبلغه فيها أن أي محاولة لفرض حكومة تحد (أمر واقع) هي بمثابة عملية انتحارية للعهد منذ شهره الأول.
واللافت للانتباه أن الاهتمام بملف الانتخابات النيابية تقدم في الساعات الأخيرة على ملف التأليف الحكومي، برغم التداخل العضوي بين الملفين، خصوصا أن من يريد أن يحجب عن فرنجية حقيبة أساسية اليوم يضع في الحسبان ليس تهميش الزعيم الماروني الشمالي في الانتخابات النيابية المقبلة وحسب بل محاولة شطبه رئاسيا (أي بعد ست سنوات) في ظل التبني السياسي الواضح له من قبل «الثنائي الشيعي» منذ الآن على خلفية التزامه بكل مندرجات وصول ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى.
وإذا كان الممر الإلزامي لوصول «الجنرال» إلى بعبدا، ليس الاعتبار الدستوري وحده، بل هو موقف «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصرالله، طوال سنتين ونصف سنة من عمر الفراغ الرئاسي، ولو تم تغليفه لاحقا بعناوين «الميثاقية» وغيرها، فإن ذلك سيسري على التأليف الحكومي الذي سيكون محكوما بـ«خيار سياسي» من أصل ثلاثة خيارات:
أولا، أن يبقى رئيس «التيار الوطني الحر» رافضا منح «المردة» حقيبة أساسية، بذرائع ومسميات مختلفة، وعندها ستكون الحكومة مؤجلة حتى إشعار آخر.
ثانيا، أن يوافق على الصيغ المقترحة وأكثرها عملية تلك التي قدمها الرئيس بري بأن يأخذ على عاتقه إقناع فرنجية بحقيبة «التربية» التي كان الرئيس المكلف قد طرحها على زعيم «المردة» غداة مشاورات التأليف مباشرة، قبل أن يتراجع عنها لأسباب تخص العهد، فيحاول إقناع «المردة» بإحدى حقيبتي «الثقافة» أو «البيئة» كما حصل في الاجتماع الأخير بينه وبين ممثلي فرنجية قبل حوالي الأسبوع. وإذا كانت هناك محاذير لدى «أحد» بأن يبادر رئيس المجلس إلى «إهداء» حقيبة «الأشغال» إلى فرنجية بدلا من «التربية»، يمكن تقديم ضمانات سياسية مسبقة، علما أن لا حاجة لها لأن مرسوم التأليف لن يمر إلا عبر توقيع رئيس الجمهورية. كما أن رئيس الحكومة المكلف سيأخذ على عاتقه مهمة إقناع «القوات» بما حصلت عليه، وهو ليس بقليل، خصوصا أنه سيكون لها ثلاثة وزراء بينهم نائب رئيس حكومة، بالإضافة الى وزير رابع حليف (ميشال فرعون) سينضوي تلقائيا في «كتلة القوات» الوزارية والنيابية مستقبلا.
ثالثا، الذهاب إلى حكومة أمر واقع، ينادي بها بعض أهل العهد، لكنها ليست واردة في حسابات الرئيس المكلف الذي أبلغ «الثنائي الشيعي» بواسطة نادر الحريري خلال جلسة الحوار الثلاثي الأخيرة في عين التينة، أنه لن يذهب إلى أي خيار حكومي أو غير حكومي إلا بالتوافق الكامل مع الرئيس بري والنائب جنبلاط، خصوصا في ضوء توافق الأخيرين على الوقوف بوجه خيار «حكومة التحدي».
وفيما غرد جنبلاط عبر «تويتر» قائلا إن «الحكومة الافتراضية لا تزال في الحجر الصحي»، كان لافتا للانتباه ترجيح الوزير وائل أبو فاعور الذهاب إلى الانتخابات في أيار المقبل وفق قانون الستين، مؤكدا أن لا أحد من القوى السياسية يملك جرأة الظهور أمام الرأي العام اللبناني والقوى والقول بتأجيل الانتخابات «لا تأجيلا تقنيا ولا تأجيلا غير تقني» ولأي سبب كان.
في غضون ذلك، لوحظ أن «الثنائي الشيعي» بدأ يركز في خطابه السياسي على أولوية القانون الانتخابي الجديد، ونقل زوار بري عنه، أمس، قوله إنه لم يفاجأ بكلام وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي جزم فيه بإجراء الانتخابات وفق قانون الستين، وقال بري إن كلام المشنوق يعبر عن موقف «تيار المستقبل» قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها، وحذر من أن اعتماد الستين سيتسبب باندلاع أزمة وطنية، خصوصا في ضوء رفض غالبية الشعب اللبناني له، وجدد دعوته لاعتماد النسبية في أي صيغة انتخابية جديدة ولو على حساب حصة كل من «أمل» و «حزب الله» لأن هذا التنازل سيكون لمصلحة الوطن لا لمصلحة فئوية، وجدد التذكير بتفاهمه مع «التيار الحر» عشية الانتخابات الرئاسية على مشروع قانون انتخابي يتضمن الصيغتين الأكثرية والنسبية (المختلطة).
وركزت كتلة «الوفاء للمقاومة» بعد اجتماعها، أمس، برئاسة النائب محمد رعد، على أهمية «إقرار قانون انتخاب جديد يؤمّن عدالة التمثيل»، منتقدة «المماطلة الحالية والسابقة في إنجاز القانون المنشود وكأن المقصود هو إحباط الشعب اللبناني وتجاهل إرادته في رفض التمديد ورفض قانون الستين الذي يشكل اعتماده تعطيلا لكل مشاريع النهوض بالدولة».
بدوره، رفض رعد في موقف له «التسويات المهدئة التي جرّبها اللبنانيون مرارا وكانت تنتهي عادة بتفجر أزمات جديدة، ولان التسويات المهدئة كالأدوية المهدئة ليست العلاج الحقيقي، فمشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية تتفاقم وتنفجر كل عقد أو عقدين من الزمن»، ورأى أن العلاج يكون باعتماد قانون انتخابي جديد على أساس النسبية «مع لبنان دائرة واحدة أو بالدوائر الموسعة».
من جهة أخرى، تشهد بيروت اليوم عجقة زوار أجانب يصلون على التوالي وهم وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير ووزير الخارجية الكندي استيفان ديون.
وكان قد سبق هؤلاء الى بيروت، أمس، موفد فاتيكاني هو المونسنيور كارلوس ازيفيدو، وتبلغت دوائر القصر الجمهوري أن روسيا سترسل وفدا رسميا للتهنئة بانتخاب عون فور تشكيل الحكومة الجديدة، ويسري ذلك أيضا على فرنسا التي أبلغت قصر بعبدا أن وزير خارجيتها جان مارك آيرولت سيزور بيروت فور صدور مراسم تأليف حكومة الحريري الجديدة.