عون والحريري و«القوات» يتمددون.. وخصوم «المحكمة» يعودون
حكومة التوازنات: من كل وادِ.. «عصا»!
كتب المحرر السياسي:
بات بمقدور الرؤساء ومعظم قادة الاحزاب والقوى السياسية تمضية عطلة الأعياد وهم مرتاحو البال، بعدما اطمأن كلٌ منهم الى حصته في الحكومة الاولى في عهد الرئيس ميشال عون.
بعد مساومات ومقايضات امتدت لأسابيع، خرج المولود الحكومي الى النور، متعدد الرؤوس والأذرع، حاملا جينات الطوائف والمذاهب التي لا تلد إلا كائنات سياسية شديدة التعقيد.
هي حكومة ثلاثينية، اتسعت لمعظم التناقضات والتلاوين، تحت شعار «الوحدة الوطنية» التي غالبا ما ينتهي مفعولها عند التقاط الصورة التذكارية، ليبدأ بعد ذلك «كابوس» الصراع بين «منازل» مجلس الوزراء. ومن يرغب في معرفة تفاصيل إضافية ليس عليه سوى أن يستمع من الرئيس تمام سلام الى تجربته مع «حكومة المصلحة الوطنية» التي سرعان ما تحولت الى حلبة للمصارعة الحرة بين أصحاب المصالح الخاصة.
وحده، «حزب الكتائب»، غصّت به «الوحدة الوطنية»، ولم يجد له مكانا على مقاعد الحكومة الجديدة بعدما تعذر منحه حقيبة «كاملة الدسم»، ليُعرض عليه في المقابل «وزير دولة» رفضته الصيفي التي فضلت البقاء في المعارضة، وخوض الانتخابات النيابية المقبلة من صفوفها.
وفي المعلومات، أن هذه التشكيلة كانت شبه منجزة منذ قرابة أسبوع، لكن عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل دفعا في اتجاه تجميدها لبعض الوقت، من أجل إعطاء الرئيس المكلف فرصة لإيجاد مخرج يسمح بتوزير «الكتائب» الذي بقي حتى اللحظات الأخيرة يصر على مطالبته بحقيبة، لم تكن متوافرة بعدما تقاسمت الاطراف الاخرى «الأخضر واليابس».
وقالت مصادر سياسية واكبت مفاوضات التشكيل لـ «السفير» انه كان من الأفضل للحريري ان يتنازل عن حقيبة الثقافة لـ «الكتائب»، لافتة الانتباه الى ان وجود وزير عن الحزب في مجلس الوزراء هو أمر كان سيفيد الحريري نفسه.
وفي الانطباعات الاولى التي تكونت لدى أوساط سياسية متابعة، أن التركيبة الحكومية تضم مزيجا من الصقور والحمائم والتكنوقراط والثوابت، في خلطة غير متجانسة، توحي بأن التعايش بين مكوّنات مجلس الوزراء لن يكون سهلا، لا سيما إزاء القضايا الخلافية، علما ان إشارة الحريري من القصر الجمهوري الى «الوحشية» في حلب تعكس ما ينتظر مجلس الوزراء من أيام صعبة، إذا حاول ملامسة جمر الملفات الحارقة.
ويُبيّن مسح سريع لتركيبة الحكومة أن الحصص الوازنة فيها تتوزع أساسا على القوى الآتية: رئيس الجمهورية وتكتل «التغيير والإصلاح» (9 وزراء) – تيار المستقبل (7 وزراء) – الثنائي الشيعي (5 وزراء) والقوات اللبنانية (3 وزراء + الوزير ميشال فرعون).
وإذا جرى الفصل بين كتلتي الرئيس عون و «التغييروالاصلاح»، تكون حصة الاسد في الحكومة هي للرئيس الحريري (خمسة سنّة واثنان مسيحيان).
ويتضح ايضا ان كتلة رئيس الجمهورية المكونة من خمسة وزراء (سليم جريصاتي، طارق الخطيب، نقولا تويني، يعقوب الصراف، وبيار رفول) هي بمثابة بيضة القبان أو «الوزير الملك»، وسط غابة التناقضات التي تتكون منها الحكومة.
واستنادا الى الاصطفافات القديمة، نالت قوى 8 آذار «الصافية» 8 وزراء يمكن ان يرتفعوا الى 12 بالتحالف مع «التيار الحر» (3) والطاشناق (1)، فيما نال فريق 14 آذار «الصافي» 11 وزيرا، و «اللقاء الديموقراطي» وزيرين.
ونال «الثنائي المسيحي» حصتين متساويتين توزعتا بين 3 وزراء لـ «التيار الحر» + وزير «الطاشناق»، و3 وزراء لـ «القوات» + ميشال فرعون الذي عُين وزير دولة لشؤون التخطيط وسُحبت منه حقيبة السياحة التي أسندت الى أواديس غيدانيان من «الطاشناق».
أما «تشريح» الاسماء، فيُظهر ان الخط الاستراتيجي لـ8 آذار أوصل الى الحكومة «قوة ضاربة»، تكاد تكون على يمين «حزب الله»، وتضم على الاقل اربعة وزراء هم:
- سليم جريصاتي المعروف بمعارضته الشديدة للمحكمة الدولية ومسارها. وهو حصل على وزارة العدل، مع ما تحمله هذه الحقيبة من دلالات قياسا الى طبيعة موقفه من «المحكمة».
- يعقوب الصراف الذي كان أحد الوزراء المحسوبين على الرئيس اميل لحود في عهده، واستقال تضامنا مع المكون الشيعي في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، احتجاجا على تجاوز البعد المحلي للمحكمة الدولية والذهاب مباشرة الى مجلس الأمن، فإذا به يعود اليوم الى الحكم وزيرا للدفاع.
- يوسف فنيانوس المصنف من بين صقور «تيار المردة» والمتخصص في التنسيق مع «أمل» و «حزب الله» والقيادة السورية، وقد نال حقيبة «الاشغال» التي كانت «القوات» قد حاولت انتزاعها، وهو الذي برز اسمه أكثر من مرة في ملفات متصلة بالمحكمة الدولية.
- رئيس «الحزب السوري القومي الاجتماعي» علي قانصو المعروف بخياراته الحاسمة وتحالفه مع المقاومة ودمشق.
وإذا كانت التشكيلة المعلنة قد قامت على توازنات متوقعة، إلا ان المفاجأة تمثلت في بعض الاسماء غير المألوفة التي أتت من خارج دائرة التسريبات والترجيحات، مثل نقولا تويني (تجمع العائلات البيروتية) ورائد الخوري (مصرفي) وطارق الخطيب (محازب سني في «التيار الحر» ومحام ورئيس بلدية حصروت)، الى جانب المرأة الوحيدة عناية زين الدين التي شكلت العلامة الفارقة في هذه «التركيبة الذكورية»، بعدما قرر الرئيس نبيه بري توزيرها ضمن حصة «أمل»، علما انه كان من الغريب ان تناط وزارة الدولة لشؤون المرأة برجل هو جان أوغاسبيان بدل منحها لعز الدين!
كما ان «حزب الله» تخلى عن احد مقاعده للإفساح في المجال امام توزير «القومي» الذي تمثل برئيسه علي قانصو.
وفي حين كان النائب جنبلاط سيحصل على حقيبتين في تشكيلة الـ24، نال في تركيبة الثلاثين حقيبة واحدة هي التربية (مروان حمادة) ووزير دولة لشؤون حقوق الانسان هو أيمن شقير، فيما آلت وزارة المهجرين الى النائب طلال ارسلان. وقد علق جنبلاط كاريكاتوريا على التشكيلة الحكومية وحصته فيها بقوله: «بعد فحوصات دقيقة ومكثفة من شتى انواع الاخصائيين ولدت الوزارة وقد رُزِقنا بوزارة دولة لحقوق الإنسان. شر البلية ما يُضحك».
وبدا واضحا ان الحريري أراد تعزيز الحضور الشمالي لـ «تيار المستقبل» في التشكيلة الحكومية، عبر توزير محمد كبارة (طرابلس) ومعين المرعبي (عكار)، لمحاولة تعويض ما خسره في تلك الساحة عموما، وبالتالي استعدادا لمواجهة الوزير السابق اشرف ريفي في طرابلس خصوصا، على بُعد اشهر قليلة من الانتخابات النيابية.
ومن المفارقات في الحكومة ان وزراء الدولة الذين بالكاد يملكون القرطاسية، توزعوا على ملفات معقدة، يحتاج كلٌ منها الى وزارة مكتملة «العديد والعتاد»، والى وقت طويل يتجاوز بالتأكيد حدود الاشهر القليلة التي سيمضيها هؤلاء الوزراء في السلطة.
وفيما يُنتظر ان تعقد الحكومة جلستها الاولى برئاسة عون في قصر بعبدا الأربعاء المقبل، حيث ستُلتقط لها الصورة التذكارية، أكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ «السفير» ان صياغة البيان الوزاري لن تكون صعبة ولن يستغرق إنجازها وقتا طويلا، لافتة الانتباه الى ان المفاهيم المفصلية في خطاب القسم ستشكل البنية الأساسية للبيان، «وهذا ما جرى التوافق عليه بين الرؤساء عون وبري والحريري». (التفاصيل ص 3 و4)