Site icon IMLebanon

الحريري و«حزب الله» إلى منتصف الطريق؟

الحكومة بعد الثقة: الامتحان بدأ الآن

الحريري و«حزب الله» إلى منتصف الطريق؟

نالت الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال عون الثقة النيابية التي كانت محسومة سلفا بفعل الائتلاف السياسي العريض الحاضن لها، لكن ما لفت الانتباه هو غياب عدد لا بأس به من النواب عن جلسة التصويت، إما من باب الاطمئنان الى النتيجة وإما من باب الاعتراض المموه، بحيث حضر فقط 92 نائبا من أصل 126، ما أدى تلقائيا الى انخفاض منسوب الثقة حتى حدود 87 صوتا، في مقابل أربع لاءات جمعت بين «الكتائب» وخالد الضاهر، وامتناع نائب واحد، بعدما كانت التقديرات المتفائلة المسبقة ترجح ان يمنح قرابة 115 نائبا الثقة.

أما الاختبار الاصعب والأدق الذي سيواجه الحكومة فهو كسب الثقة الشعبية خلال الاشهر القليلة من عملها، علما أن البيان الوزاري ثم كلمة الرئيس سعد الحريري أمس ذهبا بعيدا في التسويق لآمال عريضة، هي أقرب الى الاوهام، ربطا بالمدة الزمنية القصيرة التي ستمضيها الحكومة في الخدمة، ومن شأنها أن تمنعها من تحقيق الكثير، لا سيما ان التجارب السابقة لم تكن مشجعة بتاتا، برغم ان الظروف العامة المحيطة بها كانت افضل.

صحيح، انه لا يجوز حصر مهمة الحكومة في وضع قانون انتخابي جديد واجراء الانتخابات النيابية على اساسه، حتى لا تتهرب من مسؤولياتها وواجباتها الاخرى حيال المواطنين ولئلا تحصل سلفا على اسباب تخفيفية قد تتلطى خلفها لتبرير أي تقاعس او إخفاق محتمل لاحقا، لكن الصحيح أيضا انه لا يجوز لها تكبير الحجر الى الحد الذي يثقل كاهلها ويقوّس ظهرها.

والاكيد، ان من الافضل مئة مرة ان تتواضع الحكومة في أهدافها شرط ان تحققها، من ان تلجا الى تضخيمها وإغداق الوعود المعسولة على اللبنانيين فيما هي تعلم انها لا تستطيع تنفيذها، مع ما سيرتبه ذلك تباعا من خيبة بحجم الامل وفشل بحجم الرهان.

ان ما ورد في البيان الوزاري وكلمة الحريري يحتاج لتسييله الى حكومة منسجمة غير هذه الحكومة المزدحمة بالتناقضات الصارخة، والى مجلس نيابي غير هذا المجلس الذي عطلته الصراعات السياسية لسنوات ومنعته من الرقابة والتشريع، والى رأي عام غير الرأي العام الحالي الذي جرى تعليبه وتنميطه فتخلى طوعا تحت وطأة التعبئة الطائفية والمذهبية عن حقه في المساءلة والمحاسبة وبات يساهم كل مرة في التمديد للواقع الذي يشكو منه، وفي إعادة انتاج الطبقة السياسية التي لا يكف عن مهاجمتها كل ايام السنة ثم يتصالح معها في صندوق الاقتراع.

وفوق كل ذلك، يتطلب الوفاء بما سمعناه من وعود وقتا طويلا يتجاوز حُكما الاشهر المعدودة التي ستعيشها الحكومة، بل ربما كانت سنوات العهد الست لا تكفي!

إن ما تحتاج اليه الحكومة حقا هو الكثير من الصدقية والقليل من «الهوبرة». واقصر طريق الى هذا الهدف يكمن في انجاز قانون انتخابي على اساس النسبية، من شأنه وحده ان يختصر المسافات والزمن في رحلة إعادة بناء الدولة، لكونه يعيد الاعتبار الى أصوات الناخبين وبالتالي يحفّزهم على الاقتراع الكثيف الذي قد يسمح بإحداث تغيير ما في التركيبة المتوارثة، عوضا عن استمرار الكثيرين في الانكفاء بحجة افتقار الصوت الى التأثير في مواجهة زحف المحادل والبوسطات.

وبمعزل عن الهوّة المتوقعة بين القول والفعل، يمكن التوقف عند بعض المؤشرات في سلوك الحريري في مجلس النواب. لقد بدا الرجل هذه المرة متمكنا من الإلقاء وهو يقرأ نص البيان الوزاري، بحيث تراجعت أخطاؤه اللغوية بنسبة كبيرة قياسا الى أدائه قبل سنوات، ما يوحي بأنه استعد جيدا لهذا الاختبار.

أما في دلالات الموقف السياسي، فقد حرص الحريري ـ خصوصا في مداخلته أمس ـ على المقاربة الهادئة والمعتدلة للنقاط الخلافية بينه وبين «حزب الله»، متعمدا ترحيلها الى «منفى الحوار»، لا سيما في ما يتعلق منها بسلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية المفترضة.

كما أن الحريري سجل تعاونا وإيجابية من القوى السياسية، بما فيها الحزب، «بعدما اكتشفت أنه لا يمكن التقدم من دون توافق»، لافتا الانتباه الى ان كلا من «تيار المستقبل» و «القوات اللبنانية» و «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» أخذ على عاتقه المخاطرة السياسية، في مكان ما، «وقررنا أن نمشي معا لمصلحة الناس المتعبين.»

وتأتي النبرة الانفتاحية للحريري وإشاراته الايجابية كي تلاقي اليد الممدودة والقلب المفتوح من الحزب، وفق ما عكسته مداخلة النائب حسن فضل الله أمس الاول، مع التشديد على ان هذه الرسائل المتبادلة ستبقى حتى إشعار آخر قيد الاختبار في المؤسسات.. وخارجها.

..إنها مفاعيل التسوية الكبرى التي لم ينضب بعد «وقودها السياسي»، كما يدل العبور السريع للاستحقاقات الدستورية المتلاحقة، منذ أن كسر انتخاب العماد ميشال عون الحلقة المفرغة، وأعاد ترسيم قواعد اللعبة وفق معادلات واصطفافات جديدة.

ولكن الاهم من كل ما مضى حتى الآن، أن يكفي «مخزون الوقود» لحين الوصول الى محطة قانون الانتخاب العصري، وإلا فإن الإبقاء على «الستين» سيلغي كل مفاعيل الانجازات، من انتخاب رئيس الجمهورية الى الثقة في الحكومة مرورا بالتكليف والتأليف.

مع نيل الحكومة الثقة، سيتفرغ الرؤساء والوزراء والنواب لعيد رأس السنة الميلادية، وكلٌ منهم سيحتفل على طريقته، لا سيما ان عام 2016 حمل في ختامه هدايا غير متوقعة لمن نام مواطنا واستيقظ وزيرا. أما الاحتفال برأس السنة السياسية فينتظر ولادة قانون الانتخاب العصري، وعندها سيحتفل جميع اللبنانيين بالعيد الكبير.