«الضمان» ونقابة الأطباء يرفضان الوصفة الموحّدة
وزارة الصحة و«مافيا» الدواء.. مَنْ يهزم مَنْ؟
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثالث والستين بعد المئتين على التوالي.
الملفات المتطايرة تملأ الفراغ.
حصل ذلك في العام 1972. يوم نجحت شركات احتكار الأدوية في «تطيير» وزير الصحة الراحل إميل بيطار عندما حاول تخفيض فاتورة الدواء على المواطن والمؤسسات الضامنة عبر السماح للضمان الاجتماعي باستيراد العديد من الأدوية.
ليس اعتماد الوصفة الطبية الموحّدة اليوم بحجم تلك القضية ولا العصر السياسي نفسه، ولكن «اللوبي» ذاته قرر الاستنفار بوجه خطوة تخفيض فاتورة الدواء على المواطن والمؤسسات الضامنة ما بين 30 إلى 40 %، وفق وزير الصحة وائل أبو فاعور.
ولكن هل تعميم الوصفة الطبية الموحدة التي أقرت منذ العام 2010 هو السبيل الوحيد لخفض فاتورة الدواء على المريض والمؤسسات الضامنة، أم هناك أبواب إضافية يجب طرقها، وعلى رأسها المكتب الوطني للدواء، وإعادة الصلاحية للضمان في استيراد بعض الأدوية؟
الخلاف محتدم حول تطبيق الوصفة الموحّدة وسط تقاذف المسؤوليات بين وزارة الصحة ومجلس إدارة الضمان ونقابة أطباء بيروت، بعدما قررت نقابة أطباء الشمال اعتمادها منذ سنة. في المقابل، يقف بالمرصاد «لوبي» شركات استيراد الأدوية التي تتحكم بسوق تشمل 11 الف صنف دواء، وبحجم يصل إلى مليار و300 مليون دولار سنوياً، حصة الشركات منها أكثر من 70 في المئة!
في الشكل، لا أحد يعارض تطبيق الوصفة الطبية الموحّدة، ولكن «الشيطان» يكمن في التفاصيل التي أخّرت تنفيذها منذ أربعة أعوام. هذه الوصفة تتيح للصيدلي (شرط موافقة الطبيب) تخيير المريض بين دواء باسم تجاري (patented) وآخر مطابق باسم علمي، أي جنيس (generic) بسعر أقل.
وإذا كان البعض يتحدّث عن «مافيا» ما بين شركات الأدوية والأطباء الذين ينال بعضهم نسباً معينة على الأدوية التي يصفونها بالإضافة إلى امتيازات أخرى (مؤتمرات وسفر وهدايا…)، ما الذي يدفع بممثلي العمال في مجلس إدارة الضمان للوقوف بوجه خطوة تصبّ في مصلحة المواطن؟
يؤكد نقيب الأطباء أنطوان البستاني لـ«السفير» تأييد النقابة للوصفة «حتى أن المناقصة رست على المطبعة التي ستطبع دفاترها، ولكن لا يمكنني إنفاق مليون ونصف المليون دولار إذا كان الضمان لن يقبل بتعويض المواطنين، كما حصل مع نقابة أطباء الشمال».
بدوره، يؤكد نقيب أطباء الشمال إيلي حبيب لـ «السفير» أن النقابة «تلتزم بالوصفة منذ عام، ومع ذلك يرفض الضمان التعويض على المواطنين الذين يعتمدونها».
ويقول عضو مجلس إدارة الضمان، وأحد ممثلي العمال فيه فضل الله شريف لـ «السفير» إن الضمان لم يتوقف بالشكل عند مخاطبته من وزير الصحة مباشرة بـ «يتوجَّب عليكم»، من دون المرور بوزارة الوصاية (العمل)، ويضيف: «الضمان يتقيّد بالمادة 47 من قانون مزاولة الصيدلة، حيث تتضمن الوصفة الموحدة خانة تثبت موافقة الطبيب عبر وضعه إشارة تفيد بموافقته على استبدال الدواء الأصلي بآخر جنيسي». وطالب باعتماد الموافقة بخط يد الطبيب منعاً لتزوير الوصفة «من قبل أي شخص له مصلحة بذلك».
هنا، يقول أبو فاعور لـ«السفير» إنه لا يمكن لأي شخص أن يزور موافقة الطبيب لوجود ثلاث نسخ من الوصفة: واحدة للطبيب وثانية للصيدلي وثالثة للمريض.
وبعد تأكيده أهمية الوصفة الطبية، يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية النائب د.عاطف مجدلاني لـ«السفير» أنه سيعقد اجتماعاً مع اللجنة الفنية في وزارة الصحة للبحث في آليات تسجيلها للأدوية.
ويتوقف الدكتور اسماعيل سكرية عند نقطتين تتمثلان في أن الوصفة تشترط موافقة الطبيب على استبدال الدواء، وعليه فإن القانون «مفخّخ»، بالإضافة إلى ضرورة ضمان فعالية الدواء الجنيسي (أي تواتره الحيوي طبياً).
ويؤكد أبو فاعور أن الوزارة لا تقبل بأي دواء جنيسي إلا بعد فحصه والتأكد من مطابقته للمعايير، معتبراً أن المعركة الحالية هي معركة المواطن وخزينة الدولة، وبالتالي الممانعة متوقعة من أصحاب المصالح. ويقول إن هناك خطة لتفعيل المختبر المركزي وللبحث بموضوع المكتب الوطني للدواء، أما بالنسبة لاستيراد الضمان بعض الأدوية مباشرة فـ«هذه مسألة تتعلق بالضمان نفسه».
ويتوقف البعض عند تسجيل اللجنة الفنية في وزارة الصحة 617 دواء «جينيريك» في العام 2014 وحده، ليتساءل عن المعايير المعتمدة في تسجيل هذا الكمّ من الأدوية وأين صحة المواطن منها، خصوصاً أن أميركا مثلاً سجلت 41 دواء فقط في العام نفسه؟
ولكن مدير عام الصحة وليد عمار ينفي تسجيل 617 دواء في العام 2014، معتبراً أن النيل من سمعة أدوية «الجينيرك» يصبّ في مصلحة شركات الأدوية، ليؤكد أنه تم تسجيل 120 دواء جنيسياً فقط خلال العام الماضي، متحدياً أي شخص أن يأتي بدواء مسجّل وغير مطابق للمواصفات.