IMLebanon

فرنسا: لم نؤخر تسليم لبنان السلاح.. والعقود في الرياض

لا ضغوط أميركية أو إسرائيلية ولا سماسرة.. ولا كروتال ولا دبابات»

    فرنسا: لم نؤخر تسليم لبنان السلاح.. والعقود في الرياض

محمد بلوط

يسود اطمئنان لدى الجانب الفرنسي على مصير الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني التي ما تزال حصراً بيد مدير الديوان الملكي السعودي خالد التويجري، ولكن ثمانين في المئة من لائحة مشتريات الأسلحة اللبنانية قد تم الاتفاق عليها في ايار الماضي مع اركان الجيش اللبناني، تسعون في المئة منها اختارها اللبنانيون، وما تبقى من هامش في الطلبات لا خلاف حوله مع الضباط اللبنانيين الأربعة في هيئة الاركان والعمليات والتخطيط والتسليح، الذين يتابعون المفاوضات مع الجانب الفرنسي.

أبرز من واكبوا من الفرنسيين مسيرة التفاوض مع السعوديين واللبنانيين يروي لـ«السفير» المسيرة المتعرجة للهبة، من ألفها إلى يائها. استدعى اللقاء، كما قال المسؤول الفرنسي، غزارة التسريبات الإعلامية. ربط الهبة بالاستحقاق الرئاسي، او بعراقيل أميركية من واشنطن التي تعمل ربما لنيل حصتها من الصفقة ومشاطرة الفرنسيين شيئاً من المليارات الثلاثة. الشائعات الكثيرة عن عمولات أوصلها البعض الى 500 مليون دولار، وغيرها، تضع مصائر الـ3 مليارات دولار، بين المؤجل حتى إشعار سعودي آخر، والسائر على سكة التفاوض بثقة، أو الدفن بلا نعي او جنازة، كما يعتقد كثيرون، لم يخبروا صفقات التسلح، ولا دروبها المعقدة.

المصدر الفرنسي يجزم أولاً أن الهبة «حية تُرزق وتتقدم» وقد حطت منتصف الشهر الماضي، على طاولة وزير المال السعودي ابراهيم العساف لتذهب الى موازنة الوزارة، قبل التوقيع عليها، ورصد المبلغ لتنفيذها. وكان مرض العساف، أحد الاسباب التي أدرجت على قائمة تأجيل التنفيذ والصرف.

متى يوقع السعوديون اذن؟ «قبل نهاية العام على ما اعتقد»، ويضيف المسؤول الفرنسي أن السعوديين لم يوقعوا حتى الآن لسببين، «الأول أنهم يرغبون بإعادة التفاوض مع اللبنانيين حول القضية، ثانياً، الحاجة الى المزيد من الوقت لإنجاز بعض الفذلكات القانونية في العقود، ويمكن كذلك، في مواجهة متغيرات سريعة في مشرق متقلّب، فهم رغبة السعوديين بإعادة النظر في حساباتهم السياسية».

المسألة تحتاج إلى وقت

التضارب في تحديد المهل وطولها، لا يقلق أحداً من العاملين على الملف، ولا يخرج عن المألوف: «لا يمكن تصور إبرام صفقة بحجم 3 مليارات في بضعة أشهر كما يظن البعض، ما أنجز في الصفقة اللبنانية قياسي بكل المعايير، والذين يعرفون صفقات التسلح، يدركون أن الصفقات الكبيرة، تحتاج الى سنوات، ونحن أنهينا لائحة المشتريات في عشرة أشهر، وهذا إنجاز».

ساعد في نشر تفاؤل لا سند له، وعمم الإحساس بعدم الجدية والخيبة في آن واحد، كثرة تناول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مسألة تسليح الجيش اللبناني، الى حد بدا معه وصول دفعة الاسلحة الاولى وشيكاً، خصوصاً غداة الهجوم على عرسال، والرهان أن اللحظة قد حانت لتسليم الأسلحة الفرنسية، وهو ما لم يحدث.

لم يفوت هولاند مناسبة إلا وانتهزها للحديث عن التزام فرنسا بتسليح الجيش اللبناني، خلال شهر واحد كرر «اللازمة اللبنانية» في أربع مناسبات: في مؤتمر السفراء الفرنسيين في الاليزيه في 28 آب الماضي، في استقبال ولي العهد السعودي مطلع الشهر الماضي، وفي البيان الختامي للزيارة، وفي خطابه أمام مؤتمر باريس لمكافحة الإرهاب. «كل التصريحات الرئاسية حول التزام فرنسا مع السعودية تسليح الجيش اللبناني، رسالة الى من يعنيهم الأمر في السعودية، ان الكرة باتت في ملعبكم».

لم يكن في حسبان احد ان يُطلب من ولي العهد سلمان بن عبد العزيز، خلال زيارته الى باريس، ان يحسم مصير الهبة خلال يومين، أو أن يوقع بصفته وزيراً للدفاع على الصفقة. الهبة لا يملك مفتاحها، كما يقول المسؤول الفرنسي «إلا الملك عبدالله بن عبد العزيز وظله خالد التويجري».

بناء على هذه البديهة، يقول المصدر الفرنسي، إن أحداً في باريس لم يطرح قضية الهبة السعودية، خلال زيارة الامير سلمان، وعدا ذلك.. «كلها مغالطات». اما الحديث عن ربط الصفقة بضرورة انتخاب رئيس لبناني، فالأمر يستدعي التصويب: «إن انتخاب رئيس لبناني هو عنصر مساعد من دون شك، في تقدم الصفقة، لكنه ليس شرطاً لا غنى عنه، وليس هو ما يؤخر الصفقة».

ولكن مصادر فرنسية مطلعة، تقول إن الربط مع الرئاسة أتى في حزمة شروط جديدة للتوقيع على الهبة، قدمها سلمان بن عبد العزيز الى هولاند، خلال لقائهما مطلع الشهر الماضي، منها انتخاب رئيس لبناني مقبول من الرياض، يضمن عدم وقوع هذه الأسلحة بيد «حزب الله».

اذا كان انتخاب الرئيس عنصراً مساعداً، فإن خطر «داعش» الداهم، وانكشاف تواضع تسليح الجيش في معركة عرسال، ليسا عاملين معجلين في تنفيذ الصفقة. «هناك حقائق باردة في صفقات التسلح، الواقع التفاوضي بارد، لن تسخنه تهديدات داعش، بيد أنها قد تزيل بعض كوابح إنجاز الصفقة، ولكنها لن تسرع إنجازها».

قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي يُلام بعد حديثه عن «تلكؤ الفرنسيين في تنفيذ الصفقة» عند اندلاع معركة عرسال. «لو لم يغير الجنرال قهوجي رأيه مرات عدة في لائحة المشتريات، ولو استقر على رأي واحد، لكنا تقدّمنا بسرعة أكبر نحو إبرام الصفقة»، يقول المسؤول الفرنسي، ولكن العماد قهوجي، يضع الموقف الفرنسي منه في سياق اعتراض على توليه منصب الرئاسة، ويقول لـ«الفيغارو» اليوم: «لا أفهم ما يحدث، لقد قمنا من جانبنا بكل ما يلزم، وقد وقعنا في ايار الماضي على مذكرة تفاهم مع الفرنسيين على لائحة المشتريات، وارسلناها الى السعوديين، وذهبت في ايار الماضي الى الرياض، والتقيت بوفدين فرنسي وسعودي. وقد جرى اللقاء، بشكل جيد، ونحن ننتظر التوقيع السعودي منذ ذلك الحين».

أحاديث العمولات

«لا عمولات في الصفقة» يقول المسؤول الفرنسي. ويضيف «منذ البدء، اشترط السعوديون الا تكون هناك عمولات، والا نبيع اللبنانيين أسلحة بأسعار اعلى مما بعنا غيرهم، وقد اختاروا شركة «اوداس» للإشراف على هندسة العملية، لأنهم يعرفونها، مقابل 150 مليون دولار. تدخل الشائعات عن 500 مليون دولار كعمولة في الصفقة، في إطار الحرب التي تديرها بعض الشركات المصنعة، للحصول على حصتها من العملية، او الضغط على «أوداس» لإشراكها فيها. 500 مليون دولار عمولة من 3 مليارات أي 18 في المئة من الصفقة هي نسبة لم يكن ليحلم بها أكرم العجة في افضل صفقاته، وهي طبعاً جزء من الحرب الإعلامية على المفاوضين».

البحث عن اصطياد عمولة من الصفقة كان مفتوحاً، وعرقل المفاوضات. يقول المسؤول الفرنسي «لقد تلقينا اتصالات من قبل شخصيات لبنانية وعربية معروفة تعمل في ميدان التسلح عرضت علينا «المساعدة» لتسهيل الصفقة. هناك من كلمنا وقال إن الصفقة مغلقة في السعودية، وأنا مستعد للمساهمة بفك أسرها مقابل 200 مليون دولار، وهناك شخصيات لبنانية طالبتنا بأن نخصص جزءاً من المبلغ لشراء معدات من شركات، لم يقع عليها الاختيار.. وهذه وسائل معروفة للحصول على عمولة، رفضناها».

الشركات المصنعة دخلت على خط العرقلة، اتصلت باللبنانيين لتعرض معداتها، والضغط على البعض لفرض معداتها، مقابل عمولات في كل الميادين، من الذخيرة، والمروحيات، والرادارات، والمدفعية، فالزوارق، إلى الصواريخ. كل شيء كان هدفاً لمحاولة الحصول على حصة في هذه الصفقة «اللبنانيون كانوا هدفاً لعروض كثيرة، ولكن ذلك لم يؤخر إنجاز لائحة المشتريات».

هل تدخل الاميركيون لنيل حصتهم او عرقلة الصفقة؟ «لا جازمة»، يجيب المسؤول الفرنسي، «لأسباب اولها المصلحة الجيواستراتيجية للأميركيين بتسليح الجيش اللبناني الصديق، وثانيها ثقتهم بنا وبالسعوديين الذين يشترون 80 في المئة من أسلحتهم منهم، وثالثها الحاجات الضخمة للجيش اللبناني ووجود مكان يتسع للجميع في هذا المكان». أما الضغوط الإسرائيلية «فلا وجود لها، لم نحسب للاسرائيليين اي حساب في هذه القضية ولو تعرضنا لأي مساءلة من جانبهم في ما يتعلق بالكروتال او غيرها، لكنا أجبنا لماذا تسألوننا ولا تسألون الأميركيين الذين يسلحون الجيش اللبناني؟». وتقول مصادر مطلعة إن الأميركيين بدأوا مفاوضات مع اللبنانيين لبيعهم 18 مروحية من ضمن هبة المليار دولار التي حملها الرئيس سعد الحريري.

قضية «الكروتال»، وعدم تزويد لبنان به مالية وليست سياسية «قلنا للبنانيين إن كلفة تغطية الاراضي اللبنانية بشبكة «كروتال» مضادة للطائرات، تتجاوز الهبة بكثير. طلبوا أربعين دبابة «لوكلير»، بقيمة 200 مليون يورو، ثم تراجعوا عن الفكرة عندما أوضحنا لهم ان عليهم ان يدفعوا ثمن إعادة تأهيلها وإصلاحها، وأن تصنيعها قد توقف منذ 5 سنوات، وان اعادة تشغيل الانتاج، يتطلب صفقة من 300 دبابة على الاقل، وقلنا لهم: هل تريدون خوض حرب والدفاع عن بلدكم أم عرض عضلات؟ واتفقنا على تزويدهم بدبابات مزوّدة بعجلات مناسبة للبنى التحتية اللبنانية، ولطبيعة مهمات الجيش اللبناني».

لبنان الذي يتابع تسوّل الهبات، والمكرمات الأميركية والسعودية لتسليح جيشه، «لا يملك ثقة الواهبين لكي يتسلم الهبات ولا يفاوض فرنسا او غيرها نداً لند. كما لا يملك القرار لتكريس موارد كافية لبناء سياسة دفاعية، واستقلال وطني حقيقي، وجيش قوي. لماذا لم تسلم السعودية المليارات الثلاثة الى اللبنانيين مباشرة للتفاوض مع فرنسا أو غيرها، ومن موقع مختلف».