IMLebanon

«هيئة إدارة الكوارث»: «تناتش» طائفي حول المرجعية

«هيئة إدارة الكوارث»: «تناتش» طائفي حول المرجعية

«حرب الصلاحيات» تهدّد «الجمهورية» مع «الرئاسة»

ايلي الفرزلي

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الحادي والتسعين بعد المئتين على التوالي.

من يتنافسون يومياً على نبذ الفراغ الرئاسي، ويتبادلون اتهامات تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وقعوا أمس في المحظور.

ومن كان يصر ويؤكد يومياً أنه لن يملّ أو يكلّ عن المطالبة بانتخاب رئيس «لأن البلاد من دون رأس لن تستقيم أمورها»، قرر أن «رأس البلاد» غير مؤهل لادارة مجرد هيئة موسمية.

ومن يسعى إلى تقديم نموذج نقيض لـ «داعش» و«النصرة» وباقي اللافتات التكفيرية تراه يستنفر في وجه اقتراح يقضي بترؤس رئيس الجمهورية جلس الأعلى لـ«الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث»، التي كانت اللجان النيابية المشتركة تناقش مشروع قانونها أمس.

وفي الوقت الذي يأتي دعم للمناصفة في لبنان للمرة الأولى من منبر جامعة الدول العربية وبإجماع أعضائها، في اشارة تهدف الى طمأنة مسيحيي لبنان، ومن خلالهم كل مسيحيي الشرق، يخرج البعض لبنانياً بخطاب محبط لحلفائه قبل خصومه، معلناً أن رئيس الجمهورية لا يحق له أن يرأس هيئة «لأن لا صلاحيات تنفيذية له».

ومع افتراض أن ذلك صحيح، وأن الدستور يحرم الرئيس من أية صلاحيات تنفيذية، هل حقاً يجد هذا البعض صعوبة في هضم «بيعه» صلاحية ترؤس هيئة تضم رئيس الحكومة و13 وزيراً، ولا تجتمع إلا في الحالات الاستثنائية أسوة بالمجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية أيضاً. ثم، أليس إعطاء صلاحية شكلية جديدة أفضل من المطالبة بإعادة صلاحيات قديمة ولو من زاوية مراعاة ما يجري من حول لبنان؟

منذ 14 عاماً قدم النائب الشهيد بيار الجميل اقتراح قانون يرمي إلى إنشاء «الجهاز الترقبي للحوادث»، ومنذ ثلاث سنوات قدم النائب محمد قباني اقتراح قانون لإنشاء «هيئة إدارة الكوارث»، تم خلاله الاستعانة بخبرات «اليونيسكو» ومنظمات دولية أخرى، بما اعتبر حينها تطويراً لاقتراح الجميل.

وبعدما كان الاقتراح الأول يركز على دور الهيئة في الوقاية من الكوارث، أعطاها الثاني صلاحيات الوقاية منها وإدارتها أثناء حدوثها ومعالجة تداعياتها بعد حصولها. كما نص على إلغاء «الهيئة العليا للإغاثة» وإنشاء «الجهاز المركزي للإغاثة» الذي يرتبط مباشرة برئيس الهيئة.

إلا أن النتيجة كانت أن لا هذا أقر ولا ذاك، بالرغم من أن اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة سبق وأقرت هذا الاقتراح في العام 2013، حيث اعتبر حينها مقدماً من قباني وسامي الجميل معاً.

أمس، بدأ النقاش عملياً، لكنه انتهى على الطريقة اللبنانية، فطارت جلسة اللجان المشتركة وطار معها القانون لفترة يتوقع ألا تكون قصيرة، حيث أعيد إلى لجنة فرعية (مقبرة القضايا والمشاريع) مجدداً، من دون أن يوافق أحد على ترؤسها، ومن دون أن يحدد أعضاؤها!

الخلاف بشأن الاقتراح سرعان ما تشعب، حتى فاض بمكنونات مختلف الأفرقاء، وبدا كأنه نسخة طبق الأصل عن مباراة «الحكمة» ـ «الرياضي» الأخيرة.

ومن بنده الثاني، دخل الجميع في نفق الصراع السياسي ـ الطائفي. من يرأس المجلس الأعلى للهيئة، رئيس الجمهورية أم رئيس مجلس الوزراء، الذي يرأس للمناسبة نحو 40 هيئة؟

نص الاقتراح، حسب نسخته الأخيرة، على أن يكون رئيس الحكومة هو رئيس الهيئة، لكن عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي، الذي سبق واقترح في اللجنة الفرعية أن تناط مسؤولية هذه المؤسسة برئيس الجمهورية، كرر اقتراحه أمس. واعتبر أن هيئة وطنية بهذا الحجم والدور الاستثنائيين، من المفيد أن يرأسها رئيس الجمهورية الذي هو رمز وحدة البلاد، مع تأكيده على أن أنظمة الهيئة والمراسيم التطبيقية المتعلقة بها تصدر عن مجلس الوزراء، بما لا ينتقص من صلاحية رئيسه، فضلا عن أن التعيين هو من مسؤولية مجلس الوزراء.

هنا قامت الدنيا ولم تقعد. اعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر أن الاقتراح مخالف للدستور «لأن لا صلاحيات تنفيذية لرئيس الجمهورية»، وانضم اليه عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب مروان حمادة، مشدداً على أن لا صلاحيات لرئيس الجمهورية سوى تلك المنصوص عليها في الدستور. لكن الموسوي رد بالتأكيد على أن الهيئة وطنية ويحق للرئيس من موقعه الوطني الجامع أن يرأسها، تماماً كما يرأس مجلس الدفاع الأعلى وكما يمكن أن يرأس هيئات يتم التوافق بشأنها كهيئة الحوار الوطني.

تحولت «المعركة» سريعاً إلى معركة صلاحيات ودفاع عن اتفاق الطائف، خصوصا بعد أن «انتفض» بعض نواب «التيار الوطني الحر»، ردا على كلام الجسر وحمادة، فيما بقي نواب «القوات اللبنانية» على الحياد. وكعادته، حمل نائب «الكتائب» سامي الجميل العصا من الوسط، مشيراً إلى حق الرئيس بصلاحيات تنفيذية قبل أن يعود ويقول إن الوقت ليس مناسباً لهذا النقاش. أما النائب ابراهيم كنعان، فذكّر أن الرئيس يترأس جلسات مجلس الوزراء «عندما يشاء»، بحسب المادة 53 من الدستور، مشيراً إلى أنه طالما الدستور أعطاه حق ترؤس أعلى سلطة تنفيذية، فهل يعقل أن لا يحق له ترؤس هيئة؟ وذكّر بقاعدة قانونية فرنسية تنص على أن «من يرأس أكثر يرأس أقل». كذلك تم التطرق إلى ترؤس رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للدفاع، بحسب المادة 49، علماً أن المادة 52 تعطيه الحق أيضاً بتولي «المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة»، وهي صلاحية تنفيذية بحتة، تم خرقها عشرات المرات في زمن «الحكومة البتراء»!

وقال رئيس لجنة الأشغال النائب محمد قباني إنه لا يمانع أن يرأس رئيس الجمهورية مجلس الهيئة، لكن هذا يتطلب تعديلاً دستورياً، وهو أمر غير ممكن في المدى المنظور. ومع تأكيده أن الصلاحيات السابقة هي صلاحيات تنفيذية فعلاً، لكنه يوضح أن الإشارة إليها صراحة في نص الدستور يعني أنها الاستثناء، فيما القاعدة أن لا صلاحيات تنفيذية لرئيس الجمهورية.

لدى نواب «المستقبل» ثمة قناعة أن رئاسة الهيئة هي صلاحية واضحة لرئيس الحكومة، ولكن حساسيتهم ترتفع مع كل عبارة يطلقها مرجع روحي عن «عقد اجتماعي جديد»، أو أية عبارة يمكن أن تحمل في طياتها إشارة إزاء صلاحيات الرئاسة الثالثة. كما اعتبر النائب أحمد فتفت أن ما جرى يأتي على إيقاع صار ثابتاً لدى قوى «8 آذار» ويهدف إلى تعديل «اتفاق الطائف»، مشيراً إلى أن ذلك أدى عملياً إلى تطيير الهيئة. أما النائب محمد قباني، فبدا غاضباً مما آلت إليه الأمور، ورفض ترؤس اللجنة الفرعية التي شكلت. كما توقع أن يعود القانون إلى الأدراج لفترة من الزمن، ريثما تهدأ النفوس، ويكون الأفرقاء مستعدين لمناقشة الموضوع من دون خلفيات سياسية.

في العام الميلادي 551 دمرت موجة «تسونامي»، بيروت بالكامل وأغرقت طرابلس. وبحسب الدراسات الجيولوجية للأراضي تحت البحر، فإن لبنان يقع بالقرب من أخدود يتحرك كل 1500 عام، ما يعني أنه يمكن لكارثة شبيهة بتلك التي وقعت تحديداً في 9 تموز من العام 551 أن تتكرر في أي وقت.

هل يحتاج لبنان إلى «هيئة إدارة الكوارث» أم صار لزاماً عليه أن ينتظر زلزالاً كارثيا يدمر نظامه الطائفي؟