كيري يستدرج السعودية إلى «العاصفة».. على «طريقة غلاسبي»!
لبنان بين «النووي» وحرب اليمن: معادلة الاستقرار فولاذية
أنهى الملك الاسباني فيليب السادس زيارة للبنان استمرت يوماً واحداً التقى خلالها عدداً من المسؤولين اللبنانيين وتفقد كتيبة بلاده العاملة في إطار «اليونيفيل» في بلدة إبل السقي الجنوبية. وقد وضع الملك فيليب إكليلا من الزهر على نصب شهداء الجيش الاسباني، وحضر عرضاً عسكرياً للمناسبة. وأقامت الكتيبة الاسبانية مأدبة تكريمية على شرف الملك الاسباني، بحضور وزير الدفاع سمير مقبل وقائد «اليونيفيل» الجنرال لوتشيانو بورتولانو. (رويترز)
كتب المحرر السياسي:
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم العشرين بعد الثلاثمئة على التوالي.
ثمة خريطة إقليمية جديدة، ولبنان لن يكون بمنأى عن حساباتها وتداعياتها، رئاسة وحكومة وتوازنات سياسية.
ومن يجول في عواصم غربية مختلفة، يعود بانطباع متشائم جدا حيال الاستحقاق الرئاسي، ولا يتردد في القول «ملفنا صار مرتبطاً بالملف السوري».
ربما لا حاجة لسماع هذا الانطباع الآتي من الخارج، وخصوصا من واشنطن، لأنه موجود عند غالبية أهل السياسة في لبنان، منذ فترة طويلة، ولو أن فئة منهم لطالما رددت مطولاً بارتباط الملف اللبناني، وتحديدا الرئاسي بالملف النووي الإيراني!
وليس جديداً القول إن الإيرانيين كما الأميركيون، أبلغوا الحلفاء اللبنانيين والإقليميين منذ اللحظة الأولى لبدء المفاوضات النووية، أنهم لن يفاوضوا في أي من ملفات المنطقة قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.
يقود ذلك إلى استنتاج بسيط، أن الشهور الثلاثة الفاصلة عن موعد التفاهم النهائي، ستكون مفصلية بالنسبة للأميركيين والإيرانيين ولكل حلفاء الجانبين في المنطقة. كل طرف سيحاول أن يصمد في مواقعه الحالية، لا بل أن يحاول تحسينها، ولا وهم بـ «انتصارات كبرى» لا في لبنان ولا العراق ولا اليمن ولا سوريا.
لسان حال الإيرانيين لحلفائهم أنه ممنوع الخطأ.. وارتكاب «الفاولات». تسري المعادلة نفسها على السعودية وحلفائها في المنطقة، ولو أن الفارق بين الإيراني والسعودي في هذه المرحلة، هو انتقال الأخير من موقع الدفاع والانكفاء والتردد والقلق والخوف الذي دام سنوات طويلة، إلى موقع الهجوم، بعدما اختار حديقته اليمنية الخلفية، ساحة اختبار لإعادة تحسين أوراقه قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات الكبرى في المنطقة.
في المقابل، يسعى الايراني الى اقتناص «الفرص» في القلمون السوري اللبناني «قريبا جدا»، كما في «ادلب» في سوريا، و«الأنبار» في العراق، ناهيك عن المعركة السعودية ـ الايرانية المفتوحة على مصراعيها في اليمن والتي بدأت تصدر عنها هزات ارتدادية في أكثر من ساحة بينها لبنان، في الإعلام كما في الخطاب السياسي، من دون المس بمعادلة الاستقرار الفولاذية، بدليل المضي بالخطة الأمنية الشاملة في بيروت والضاحية، واستمرار عمليات تفكيك المجموعات الإرهابية، وآخرها توقيف «أبو سياف» أحد قادة تنظيم «داعش»، أمس، في إشارة جديدة الى استمرار التعاون الوقائي بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والغربية.
واذا كان لبنان قد استفاد من المظلة الدولية والإقليمية التي جعلته صامدا برغم كل انقساماته ومعسكراته و«قضاياه»، فإن توقيع التفاهم النووي سيعزز المظلة الدولية والاقليمية، وبالتالي يفتح أبواب الأخذ والرد بين طهران وواشنطن في الكثير من ملفات المنطقة ومنها لبنان، باعتباره «أسهل الملفات» على حد تعبير الرئيس نبيه بري.
وليس غريبا الانطباع الذي يحمله العائدون من واشنطن بأن الأميركيين مثلهم مثل المصريين والإماراتيين وكل دول مجلس التعاون الخليجي، كانوا آخر من يعلم بقرار السعودية خوض «عاصفة الحزم» ضد اليمن، لكن الأخطر من ذلك، هو ما يكشفه أحد الديبلوماسيين بأن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أبلغ نظراءه الخليجيين، وبينهم سعود الفيصل، خلال اجتماعه بهم في الرياض، قبل أيام قليلة من «عاصفة الحزم» أنه لا شيء يحول دون قيامهم بمواجهة ايران، وهو كرر أكثر من مرة أمامهم عبارات ندر أن تصدر عنه وأبرزها «أنتم تحرضوننا دائما على ايران وتطالبوننا بأن نقوم بالحرب بالنيابة عنكم.. لماذا لا تقومون أنتم بشن الحرب عليها»!
هذه العبارات تذكّر الديبلوماسي العربي العائد من واشنطن بالعبارة الشهيرة التي رمتها السفيرة الأميركية في بغداد أبريل غلاسبي أمام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عشية اتخاذه قرار اجتياح الكويت!
اذا صحت نظرية استدراج السعوديين الى «مستنقع اليمن»، فهم حتماً لن يخرجوا منه سالمين، وثمة تداعيات سترتد على «قيادة الحرب»، خصوصا في ضوء عدم حماسة الإماراتيين والكويتيين والقطريين (وربما بعض الداخل السعودي المحسوب على الأميركيين) لخيار المضي في المعركة، لا بل أعطى بعض هؤلاء إشارات واضحة الى سلطنة عُمان بأن تسعى الى بلورة مبادرة ما بالتنسيق مع الروس أو الأتراك، من أجل محاولة إخراجهم من المأزق اليمني قبل أن تتدحرج الأمور، ويتخذ السعوديون قرارا بالتورط البري في اليمن وبـ «اندفاعات» موازية في ساحات اقليمية أخرى!
في هذا السياق، يبدو التناغم الأميركي ـ الايراني جلياً في بعض «الجبهات». ارتكب «الحشد الشعبي» في العراق بعض «الفاولات» التي استوجبت رفع «البطاقة الحمراء» من قبل الأميركيين. تمنى الأميركيون على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الإيعاز الى قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني الانسحاب من الواجهة في تكريت مخافة ردود فعل مذهبية انتقامية. استجاب العبادي وانسحب سليماني، قبل أن يعود الأخير قبل أيام قليلة الى العاصمة العراقية لإدارة غرفة العمليات، على جاري عادة «الظل» وليس «الصورة»!
راهن السعوديون والإسرائيليون، وكل له حساباته المستقلة، على إضعاف الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد الاتفاق ـ الاطار، لكن استطلاعات الرأي تشي بأن الرئيس الذي تبقى لولايته الثانية أقل من سنتين، والذي يطلق عليه لقب «البطة العرجاء» في هذه الأيام، لم يمنع فقط اختراق حزبه الديمقراطي بـ13 صوتا (في الكونغرس)، بل أفقد الجمهوريين زخماً في مؤسسات صنع القرار وتكبيله وكذلك أمام الرأي العام الأميركي، خصوصا في ظل تبلور أغلبية شعبية أميركية مؤيدة للاتفاق ـ الإطار مع طهران.
ولم يعد خافيا على أحد وجود «نفس» في المؤسسات الأميركية «العميقة» يحمّل السعودية مسؤولية أحداث الحادي عشر من أيلول. يقود ذلك إلى استنتاج مفاده أن الأميركيين يعيدون النظر في «العدة» التي لطالما اعتمدوها في المنطقة منذ عقود من الزمن حتى الآن، وأساسها إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي. «هم لن يتخلوا عن هذه أو تلك، لكنهم مع قرارهم الاستراتيجي بالانكفاء عن المنطقة ـ كما يقول العائدون من واشنطن ـ يريدون لإيران وحلفائها أن يكونوا جزءاً من منظومة الاستقرار الإقليمي. يسري ذلك على تركيا برغم تراجع «الرهان الإخواني».
من هذه الزاوية، لن يتردد باراك أوباما في حشر الإسرائيليين في الملف الفلسطيني. يعتبره أولوية بعد نهاية حزيران المقبل، وهو لن يتردد في استخدام «أسلحة» الضغط المتاحة لإعادة جلوس الفلسطينيين والإسرائيليين الى طاولة المفاوضات. الهدف سحب ذريعة من قوى ومجموعات إقليمية من جهة وعدم تحول إسرائيل إلى عبء استراتيجي على الولايات المتحدة، من جهة ثانية، (حديث أوباما الأخير إلى راديو «ان. بي. آر.» بإبداء استعداده لتوقيع معاهدة دفاعية مشتركة مع إسرائيل يندرج في هذا السياق).
هي شهور ثلاثة صعبة في المنطقة ولبنان. لم يعد «حزب الله» يتصرف وحده بثقة عالية بالنفس، صار الحلفاء يتصرفون بثقة مماثلة. لم يعد ميشال عون يخجل بقول البعض له إنه ليس مرشحاً وفاقياً، ما دام خطاب بعض مسيحيي «14 آذار» يكاد يتماهى في بعض مفرداته مع خطابه في الآونة الأخيرة.
هل نقترب من زمن الرئاسة؟
لا شيء يشي بذلك، ولو أن الفرنسيين الذين تحركوا صوب طهران من دون إذن من الأميركيين، يريدون مرة جديدة أن يملأوا الوقت الضائع على طريقة بعض السفراء ـ الهواة: بيان رئاسي يصدر عن مجلس الأمن كأنه لم يصدر. محاولة لا يُكتب لها النجاح لعقد «المجموعة الدولية من أجل لبنان» على مستوى وزراء الخارجية في بيروت. زيارة جديدة لرأس الكنيسة المارونية الى باريس لتشجيع الأليزيه على اتخاذ مبادرات.. بينما هناك من يردد في الفاتيكان وطهران وعواصم أخرى أن الملف الرئاسي هو ملف لبناني بامتياز، قبل «النووي» وبعده.. وأن المفتاح موجود في جيب ميشال عون وحده.. حتى إشعار آخر.